أحقًا مات الماريشال ؟! الشيخ محمد حرمة

جمعة, 04/23/2021 - 22:36

أحقًا مات الماريشال ؟!

لقد كان حفل تأبين الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي، مأتمًا حقيقيًا، يليق بتاريخ واحد من رجال الصحراء، فالرجل الذي ظل لعشرات السنين يحمل روحه على كفه، لم يكن أحد يتوقع أن يقتلْ، إنه ذئب الصحراء الذي احترف مراقصة الموت، فسقط في النهاية صريع رقصته.

ولكن المتفرجين لا يصدقون !

كان الشك واضحًا في عيون التشاديين، وعدم اليقين بأن المسجى في النعش، هو نفسه الرجل الذي حكمهم لثلاثة عقود.

ربما تُرى في وجه شاب على ناصية الحفل، التفاتة سريعة إلى الخلف، إنه يتوقع ظهور «الماريشال» قادمًا من بعيد وهو يهش بعصاه !!

أحقًا مات الماريشال !

نعم مات.. يأتي الرد مرتبكًا كدمعة، متهدجًا كآهة، مبحوحًا كغصة.. ملتحفًا السواد ومتكومًا على مقعد خشبي حزين.. إنه «هندا» التي انهد بنيانها مع أول طلقة على جسد «الماريشال»، لقد أطلقت العنان لحزنها، وقررت أن تكون باذخة فيه، مسلحة بنظارات ومنديل، لمواجهة جيوش لا تنتهي من الهواجس، من الفراغ، من الغياب القاتل.. من الضعف والهوان !

من الفقد !

وحين حاولت أن تتحدث عن زوجها أمام الملأ، وهو في نعشه على بعد أمتار، كانت أضعف من أن تقف، ولكنها وقفت ! قالت الكثير قبل حتى أن تنبس بكلمة، ولكن الأهم هو أنها بكتْ.. نعم، لقد بكت «المرأة الحديدية» !

أحقًا مات الماريشال !

نعم مات.. يأتي الرد صرخة عسكرية متعبة، ونياشين ذهبية حزينة، ومنديلًا في يد ضابط شاب، تغلبه الدموع وهو يخاطب نعش والده: «لقد رحلتَ شامخًا وسط الصحراء التي كانت شاهدة على ميلادك، فمنحتَها كل حياتك» !

نعم بكى الشاب «عبد الكريم».. خازن أسرار والده وخريج الأكاديميات العسكرية الأمريكية !

أحقًا مات الماريشال !

نعم مات.. يأتي الرد حاد القسمات، ملامحه صحراوية جافة، يرتدي عمامة طوارقية فخمة، ونظارات شمسية فاخرة، لتخفي حزنًا حارقًا كصحراء «أوزو».. يأتي صوت «زكريا» مبحوحًا ليتحدث باسم العائلة المكلومة، فكانت عباراته مفعمة بالإيمان والتسليم.

لم يبك الدبلوماسي ولكنه وقف على حافة الحزن المكابر.

أحقًا مات الماريشال !

وحده «محمد» ظلَّ صامتًا.. ظلَّ صامدًا أمام السؤال.. يرتدي بزته العسكرية، هادئًا وسط عاصفة الحزن، وهو الشاهد الوحيد على مقتل والده، في واحدة من المعارك الكثيرة التي خاضاها معًا، كانت نهاية متوقعة، وربما تحدثا عنها بسيناريوهات مختلفة.. تنتهي جميعها بالموتْ !

مات الماريشال وبقي الابن وحده في ساحة القتال، ولكنه جندي.. والجندي الحق لا ينحسبُ بسقوط قائده..!

نعم مات الماريشال.. ولكن ولد ماريشالٌ آخر، أنجبته أرضٌ أنهكتها الحروب، فهل ينجح «الماريشال الوليد» في كتابة تاريخ جديد.. في الخروج من جلباب أبيه.. في إسكات البنادق ؟!

من صفحة الإعلامي: الشيخ محمد حرمة، رئيس تحرير موقع صحراء ميديا