ولد داداه ضد ولد هيداله " رأي "

ثلاثاء, 03/08/2016 - 11:40

تابع الموريتانيون باهتمام في مطلع السنة الجارية ما بات يعرف بملف المخدرات رقم 01/01/ا2016، حيث تناقلت وكالات أنباء محلية ودولية أن مصالح الأمن الموريتانية ضبطت كميات معتبرة من المخدرات تم إدخالها عن طريق المياه الإقليمية بمحاذاة مدينة انواذيبو، واعتقلت متهمين بالضلوع في العملية وحجزت عددا من السيارات. وسرعان ما تمت إحالة المشمولين في الملف أمام قاضي التحقيق المكلف بالنظر في قضايا المخدرات.  وبدأ يتردد أن أياد خفية عليا تعمل على إغلاق الملف بشكل نهائي، بعد أن ذكرت أسماء شخصيات كبرى لها صلة بالملف. ولم يطل المقام حتى عقد ثلاثة وزراء مؤتمرا صحفيا حول تفاصيل العملية كانت حصيلته النهائية إدانة المتهمين.

وفي نطاق تداعيات هذا الموضوع المثير سأطرقه من خلال محورين رئيسيين:

الخروقات القانونية المسجلة في تعامل السلطات العمومية مع هذا الملف؛

الأدلة المستظهر بها ضد المتهمين؛

على أن أنهي هذا البحث بخلاصة تضع القارئ في الصورة وتترك له الحكم عليه.

 

الخروقات القانونية

انبرى وزراء الداخلية والعدل والإعلام، على التوالي أحمدو ولد عبد الله و إبراهيم ولد داداه ومحمد الأمين ولد الشيخ للتحدث عن القضية بتفاصيل يعتبر ذكرها مخالفا للقانون، كتسمية متهمين لم تتم محاكمتهم أحرى إدانتهم، والاستفاضة في براهين لا تستند للقانون لمجرد التلاعب بالرأي العام الوطني، وسرد الحديث في ملف معروض أمام القضاء، كان من المفروض أن لا يتم الحديث عنه بتلك الطريقة.

إن أعضاء الحكومة قفزوا في حديثهم، خلال المؤتمر الصحفي، على المبدأ القانوني المعروف بقرينة البراءة، والذي كرسته المادة 13 من دستور الجمهورية "يعتبر كل شخص بريئا حتى تثبت إدانته من قبل هيئة قضائية شرعية". كما تعدوا على سرية التحقيق الواجبة على كل الأطراف ذات العلاقة بالبحث، إذ بدأت التسريبات وبشكل مقصود عن تفاصيل في العملية، شملت الحديث عن طائرة تُقِلّ شحنة من المخدرات أعلن في البداية أنها طنان من الكوكايين ، ثم اتضح أنه ما من طائرة من هذا القبيل وأن الشحنة المكتشفة هي من القِنّب الهندي ؛ أمر واحد أُعْلن عنه منذ البداية ظل على ما هو عليه دون إثبات قانوني، وهو أن العملية قد نظمت ودبرت من البداية إلى النهاية من طرف سيدي محمد ولد هيدالة.

نحن إذن لم نعد في إطار قضية قضائية إجرائية، وإنما أصبحنا في إطار قضية تم الحكم فيها إعلاميا وهي ما زالت أمام قاضي التحقيق. إن هذه الخرجة الإعلامية جردت القضية من مضمونها القانوني،  وبرهنت على تدخل السلطة التنفيذية ممثلة بوزراء الداخلية والعدل والإعلام في شؤون السلطة القضائية ،الشيء الذي لم يحدث قط في قضية من هذا النوع. فمنذ أكثر من عشرين سنة وتجارة المخدرات مترسخة في موريتانيا، فلا تمر سنة دون أن تتم مصادرة كميات معتبرة منها في مناطق مختلفة من البلاد، وآخر ذلك العملية التي تناقلتها المواقع الاخبارية والتي اعتقل فيها أزواديون  وأطلق سراحهم على إثر تدخل مستشار برئاسة الجمهورية؛ والعملية التي وقعت أخيرا شمال ولاية "تيرس زمور" ، والتي تجاهلها السادة الوزراء أثناء خرجتهم الإعلامية رغم خطورتها، حيث استخدمت العصابة السلاح ضد الجيش الموريتاني مما أودى بحياة أحد أفراد القوة العمومية. ما هو إذن سبب التعتيم الرسمي على هذه العمليات ؟ّ أوليس غريبا أن يكتفي وزير الداخلية في عملية خطيرة كهذه بالقول إنها عصابة أخرى، دون تقديم أي تفاصيل عنها أوعن نوع وحجم المخدرات التي حاولت حمايتها بالسلاح أو عن المرحلة التي وصلها التحقيق بشأنها وأسماء وجنسيات الضالعين فيها، مما يجعل من الوارد التساؤل عن سر التركيز على تسليط الضوء على الملف رقم 01/01/ا2016 دون غيره.

هل قضية الشاطئ أكثر خطورة من سابقاتها ولاحقاتها في التخوم؟ أم أنها عملية من نوع خاص، تستهدف تشويه صورة الرئيس السابق محمد خون بن هيدالة بولديه الموقوفين على ذمة التحقيق في هذا الملف؟ هل القضية مسألة تصفية حسابات من طرف شخصيات نافذة في الدولة أرادت أن توظف أجهزتها ضد خصمها سيدي محمد ولد هيدالة لسابق خلاف بينهما واستخدمت لذلك وزارات العدل والداخلية  والإعلام كل حسب اختصاصها، في مسعى لتهويل الامور، قصد تهيئة الرأي العام لعقوبات تنتظر ابني هيداله، خاصة أن وزير الداخلية صرح بأن شحنة الحشيش موضوع المؤتمر الصحفي، قد نظمت وديرت من البداية إلى النهاية من طرف سيدي محمد ولد هيدالة، كما توعده وزير العدل بالإعدام إن ثبتت إدانته في هذا الملف..  إن التنصيص على هذه القضية بالذات في مؤتمر صحفي بهذا الحجم، وصدور أحكام مسبقة من هذا المستوى من السلطة التنفيذية أمر محير يتوجب على الحكومة أن تزيل عنه اللبس.

ولم تتوقف الخروقات القانونية المسجلة في هذا الملف عند هذا الحد، بل تجاوزته إلى تواطؤ المسؤولين في ممارسة التعذيب بطريقة وحشية ضد المشمولين في هذا الملف، خاصة وزير الداخلية  الذي قال بالحرف الواحد (إن اعل الشيخ مورست عليه ضغوطات من أجل انتزاع اعترافاته). ويعتبر هذا التصريح إقرارا ضمنيا من وزير الداخلية على ممارسة التعذيب ضد اعل الشيخ، الذي ظهرت عليه آثار التعذيب أثناء مثوله أمام قاضي التحقيق، مما أثار حفيظة بعض المحامين وسبب انسحابهم من جلسة التحقيق مع المتهمين. ضف إلى ذلك أن الدولة ممثلة في وزارة العدل لم تقم بواجباتها اتجاه الضحايا، و التي يمليها عليها القانون وفقا للمادة 6 (من اتفاقية مناهضة التعذيب والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في10  ديسمبر1984) التي تنص على أن الدولة عليها أن تقوم فورا بإجراء التحقيق الأولي فيما يتعلق بوقائع التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي، ومعاقبة الجنات.

 إن موريتانيا إذن بهذه التجاوزات خرقت جميع الاتفاقيات الدولية المناهضة لانتهاك حقوق الإنسان، وفقا للمادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكلتاهما تنص على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة. كما تنص المادة 2 من اتفاقية مناهضة التعذيب أنه لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، أو التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر لتعذيب شخص، بقصد الحصول من هذا الشخص، أومن شخص ثالث، على معلومات أوعلى اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه.

- الأدلة المستظهر بها ضد المتهمين

إضافة الى  التجاوزات المثارة أعلاه، فإن الأدلة التي استظهر بها السادة الوزراء ضد المتهمين تفتقر إلى الإثبات:

فوزير الداخلية لم يثبت سببا مقنعا يربط بين المجموعة المتهمة وكمية الحشيش المضبوطة. فالمتهمون لم يضبطوا في حالة تلبس، ولم يقروا بنسبة الكمية إليهم، كما لم تضبط الكمية المذكورة أعلاه بمكان ولا بسيارة تربطهم بها علاقة، ولم يتم حجز ولا تحديد مصدر ولا جهة الباخرة التي تم استخدامها في نقل الكمية المذكورة أعلاه حسب الرواية الحكومية، باعتبارها عنصرا ماديا أساسيا في التحقيق القضائي. مع العلم أن السادة الوزراء قالوا إن العملية كانت متابعة من طرف أجهزة الأمن المختصة، وهو ما يجعل من السهولة بمكان توقيف الباخرة أثناء عبورها المياه الاقليمية الموريتانية أو القبض على المتهمين وهم في حالة تلبس. وكل ذلك لم يقع، مما يعني أن الأدلة التي استظهر بها السادة الوزراء تحمل في طياتها تكذيبا لما ذهب إليه السادة الوزراء من تجريم للمتهمين، وهذا ما يعزز القول بأن الأدلة المستظهر بها ضد المتهمين تفتقر إلى الاثبات، بل وأبعد من ذلك أن العملية لاوجود لها أصلا.

هذا بالإضافة إلى تناقض أقوال السادة الوزراء عند ذكرهم للمحجوزات المادية، حيث ذكر وزير الداخلية ثلاث سيارات، بينما ذكر وزير العدل أن الحجز شمل بالإضافة إلى هذه السيارات الثلاث، أربع سيارات أخرى دون إثبات أن هذه السيارات ضبطت محملة بالكمية المذكورة أعلاه. كذلك المبالغ المالية التي ضبطت بحوزة المتهمين والتي قال وزير العدل أنها (من أصل راخ) إذ لم  يأت بدليل يثبت ادعاءه ، مع العلم أن سيدي محمد بن هيدالة قدم أدلة تثبت عكس ما صرح به وزير العدل، حيث قال بالحرف الواحد (إن المبلغ الذي بحوزته، ثمن منزله بنواذيبو الذى باعه، ولديه وثيقة البيع موثقة).

ضف إلى هذا و ذاك طابع الاستعجال الذي اتسم به ختم التحقيق التمهيدي في ملف بهذا الحجم، وتزامن ذلك مع حملة إعلامية شرسة ضد المتهمين، شارك فيها ثلاثة وزراء. فما هو سبب تسرع السلطات في ختم التحقيق الأمني، واكتفائها بالتصريحات الأولية للموقوفين والتي يتردد أنه تم الحصول عليها باستخدام التعذيب، مما  يقلل من مصداقيها، ويثير الريبة في صدق التهم الموجهة الى المتهمين، ويجعل من الوارد طرح فرضية أن العملية مفبركة.

وخلاصة القول أن تعامل السلطات العمومية مع الملف رقم: 01/01/ا2016 قد شابه كثير من الخروقات القانونية بدءا بتعذيب المتهمين والتشهير بهم في وسائل الاعلام وإصدار أحكام مسبقة ضدهم قبل محاكمتهم، وعدم التزام السلطات المعنية بسرية التحقيق الواجبة على كل الأطراف ذات العلاقة بالبحث. هذا بالإضافة إلى إخفاق السادة الوزراء  في تقديم أدلة مقنعة للرأي العام تثبت ضلوع المتهمين في الواقعة المثارة ضدهم. إذن كل هذا وذاك يظهر غموض هذا الملف ويقيض صدق الرواية الحكومية.

وعليه فإنه بات من الضروري أن تقدم الحكومة أجوبة شافية، ترفع اللبس عن الإشكالات المثارة أعلاه، حتى لا تتهم باستهداف أشخاص أبرياء، وبمغالطة الرأي العام والتلاعب بالقضايا التي تمس أمن المواطن وتهدد كيان الدولة، وربما أدت لملاحقتها قضائيا ولو بعد حين.

محمد السالك ولد الخليل