نحو إصلاح تعليمي ـ لغوي توافقي

سبت, 01/02/2021 - 21:03
د. أحمد ولد المصطف

 

إن سنة 2020 تفرض نفسها كسنة تأمل ومراجعة على كافة الصعد لمسار بلدنا الذي بلغ سن النضج، بعد مضي ستة عقود على استقلاله، وبشكل خاص في مجال التعليم.
 
فإثر سلسلة طويلة من "الإصلاحات" التربوية: 1966، 1973، 1979، 1999، دون أن نصل إلى نتائج مرضية، أصبحت منظومتنا التعليمية في مأزق حقيقي.
 
يتجلى ذلك، من بين أمور أخرى، في ضعف المستوى اللغوي للمدرسين الذين توكل لهم مهام تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية وانعكاس ذلك على استيعاب التلاميذ والطلاب لمحتوى تلك المواد، مما ينجم عنه ضعف لغوي وتدني في المستوى يرافق التلميذ طيلة مساره الدراسي وبعد تخرجه.
 
ومع أن التلاميذ والطلاب عادة ما يستعيضون عن الفهم بالحفظ، في بعض المواد، ليتمكنوا من تقديم إجابات تقريبية في الاختبارات والامتحانات، إلا أن تلك الطريقة لن تسعف من يلجون الحياة المهنية لتبدأ المستويات تنكشف على حقيقتها: ضعف الأداء وقصور في الفهم ومردودية أقل في كافة المجالات.
 
لقد حسم دستور 1991 موضوع اللغة حيث أصبحت العربية هي اللغة الرسمية للبلد، كما اعتبر نفس الدستور أن اللغات الوطنية هي العربية، البولارية السوننكية والولفية، لكن لم يواكب هذا الوضع اللغوي الذي أقره الدستور إصلاحا تعليميا يجسده على أرض الواقع. وعلى العكس، كان إصلاح 1999 مخالفا في جوهره لنص الدستور.
 
فهذا الإصلاح لم يتم التشاور المطلوب بخصوصه، فجاء مرتجلا ويحمل معه بذور الفشل، لسبب وجيه وهو عدم إمكانية تطبيقه عمليا، لأن التلميذ لا يمكنه أن يستوعب ويفهم بشكل صحيح محتوى نصف المواد المقررة تقريبا، في ظل ضعف مستوى المدرسين في اللغة الفرنسية المشار إليه آنفا.
 
للخروج من عنق الزجاجة اللغوي الحالي وإخفاق منظومة التعليم في مهامها الأساسية، تتطلب جدية الموضوع وارتباطه بمصير البلد الشروع في إعداد إصلاح تربوي جديد تكون أهم ملامحه:
1. إقرار اللغة الرسمية التي نص عليها دستور البلد كلغة للتدريس والإدارة باعتبارها الأكثر استخداما والأقدر على القيام بذلك، وذلك عقب إجراء تشاور موسع بين مختلف الفاعلين التربويين والسياسيين والمجتمع المدني بهذا الخصوص، حتى يستوعب الجميع ضرورة أن تدرس المواد الأدبية والعلمية بلغة موحدة وتكون هذه اللغة مفعلة في جميع الإدارات؛
 
2. خلق إطار لتثمين وتفعيل دور اللغات الوطنية الأخرى: البولارية، السوننكية، الوولفية، بوضع تصور لتجريب تدريسها واستخدامها في الإدارة، وبالأخص في قطاعي الصحة والعدالة، إلخ؛
 
3. تحديد لغة / لغات الانفتاح المفيدة لمنظومتنا التربوية على المديين المتوسط و البعيد من بين اللغات العالمية الأكثر استخداما (الفرنسية، الانجليزية، إلخ)؛
 
4. إقرار آلية جديدة تضمن عمليا شفافية المسابقات والموضوعية والعدالة والإنصاف في التعيينات في الوظائف والمناصب العمومية، بحيث تكون الفرص متكافئة أمام الجميع، دون تمييز أو إقصاء على أساس عرقي أو ثقافي؛
 
5. إنشاء مجلس أعلى جديد للتربية والتعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني، يعين أعضاؤه ورئيسه، وفق مأمورية محددة المدة، من قبل رئيس الجمهورية ويكون تحت وصاية رئاسة الجمهورية، في انتظار أن يصبح مؤسسة دستورية مستقلة في أول إصلاح دستوري يتم عرضه لاستفتاء شعبي. يكلف هذا المجلس بوضع تصور إستراتيجية وطنية خاصة بمختلف مستويات التعليم والبحث العلمي والتكوين المهني على المديين المتوسط والبعيد، في حين تكلف القطاعات الوزارية المعنية بتنفيذ هذه الإستراتيجية؛
 
6. الشروع في إدخال الإصلاحات الضرورية في المناهج والبرامج والمقررات على ضوء الإستراتيجية التي سيعدها المجلس الأعلى للتربية والتعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني؛
 
7. مراجعة النسبة المخصصة من الموازنة العامة للدولة للتعليم بمختلف مستوياته، بحيث تتدرج لتصل 30 إلى 35% في غضون ثلاث سنوات؛
 
8. زيادة معتبرة في رواتب المدرسين بحيث تتناسب وزيادة النسبة المخصصة للتعليم بمختلف مراحله من الموازنة العامة حتى تصل خلال ثلاث سنوات حوالي 200%.
 
9. إقرار تشريع يلزم الوزارة المكلفة بالتعليم الثانوي أن لا تقل نسبة عدد الناجحين في الباكالوريا عن متوسط نسبة النجاح في هذه الشهادة في الدول المجاورة (56% هذه السنة)؛
 
10. إدخال إصلاحات جوهرية في نظام التعليم العالي بحيث تتم مضاعفة القدرات الاستيعابية لمؤسساته لاستقبال أفواج الناجحين في الباكالوريا بحسب الإصلاح الجديد، وتنويع العرض التربوي في هذا المستوى من التعليم، وفق الأولويات الاقتصادية والتقنية والتكنولوجية والعلمية والثقافية للبلد، مع مراجعة الخريطة الجامعية، بحيث تكون أغلب الولايات تتوفر على مؤسسات جامعية تتناسب مع مقدراتها الاقتصادية، وحتى لا تبقى غالبية مؤسسات التعليم العالي في نواكشوط فقط، حيث يدرس الآن أزيد من 90% من الطلاب.
 
يتعين الشروع في التحضير لهذا الإصلاح في أسرع وقت ممكن، لأن الظروف الآن ملائمة، على الأقل من حيث اقتناع أغلبية الموريتانيين بفشل منظومتنا التعليمية في وضعها الحالي وضرورة إصلاحها إصلاحا جوهريا وشاملا.