النابغة ولد الشيخ : لايمكن أن يظل نظامنا التربوي مرهونا بتغير السلطة (مقابلة)

اثنين, 11/09/2020 - 10:01

الإعلام نت - السلام عليكم ورحمة الله وأهلا وسهلا بكم في هذا اللقاء الذي أجرته وكالة الإعلام مع الأستاذ النابغة ولد الشيخ الناشط في سلك التعليم ، التقيناه على أبواب افتتاح السنة الدراسية الجديدة وأجرينا معه المقابلة التالية :

1▪︎ السلام عليكم، الأستاذ النابغة أهلا بكم في وكالة الإعلام الإخبارية بداية حبذا لو اعطيتنا تعريفا عن شخصكم؟.

 النابغة: وعليكم السلام و رحمة الله وبركاته ، شكرا للقائمين على وكالة الإعلام الإخبارية على هذه السانحة ، وبعد :
انا مواطن موريتاني من مواليد نواكشوط 1968م ، مررت بمرحلتي الابتدائية والإعدادية ، ثم بمدرسة تكوين المعلمين  ، عملت بولاية الحوض الشرقي و نواكشوط  ، شاركت في امتحان البكالوريا حرا ، ثم حصلت على الليصانص من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية ، قبل أن التحق بالمدرسة العليا للتعليم ،أعمل الآن أستاذا للغة العربية في سلك التعليم الثانوي .

2▪︎ المقصود باقتصاد المعرفة هو أن تكون صناعة المعرفة هي المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي..
فما هي أسس بناء الاقتصاد المعرفي؟، و ما موقع التعليم فيها؟.

ج س 2 :
 اعتقد ان الاقتصاد المعرفي هو أساس التنمية التي تطمح إليها الشعوب ، ويستلزم الاقتصاد المعرفي تحديد الحاجيات الاقتصادية من أجل توجيه التعليم لخدمتها ، بحيث تراعى تلك الحاجة في البرامج وطرق التكوين ، سعيا إلى إعداد الكادر البشري القادر - بخبرته ومستواه العلمي - على سد الحاجة في مختلف ميادين الحياة بعد ترتيب الأولويات، أخذ الواقع الاقتصادي للبلد بعين الاعتبار ،وهذا أمر غائب تماما عن منظومتنا التربوية حتى الآن ، والتي يطبعها الارتجال وغياب التخطيط .
وقد عجزت كل الإصلاحات التي قيم بها حتى الآن عن وضع تعليمنا على السكة من أجل تحقيق الأهداف التنموية والثقافية التي هي مبرر وجود التعليم أصلا.

3▪︎ كيف تقيمون التعليم في موريتانيا؟، و ما أبرز التحديات التي تواجهه في رأيكم؟.

ج س 3 :
الحديث عن واقع التعليم في بلادنا حديث عن جرح غائر في جسد الأمة ، عن مرض عضال لم يجد الأساة المهرة .
ما يطلق عليه مجازا المدرسة في بلادنا لا يتوفر على أي من مقومات المدرسة ، لا من حيث البنى التحتية ، ولا من حيث البيئة والجو العام ، و لا حتى من حيث الكادر البشري الكفء ، فأغلب المدارس عبارة عن بنايات خربة بلا أبواب ولا نوافذ ولا حتى أرضيات صالحة أو سبورات ، وأغلب المدرسين مشغولون بالبحث عن مصدر أخر للدخل بعد أن يئسوا من أن تحسن الدولة ظروفهم ، فهم موجودون في كل المجالات كالتجارة ،و التعليم الحر ، بل وفي أغلب الوزارات الأخرى هروبا من واقع يزداد سوءا يوما بعد يوم ، والتلاميذ في الغالب لا يهتمون بالدراسة وأحيانا كثيرة يفضلون البحث - هم أيضا - عن مصدر للدخل وبطرق شتى قد تصل حد الحرابة والسطو أحيانا ، ولأن الأمر هكذا ، فالتعليم بمعناه الحقيقي غير موجود في هذه البلاد منذ إصلاح تسعة وتسعين سيئ الصيت.
أما أبرز التحديات التي تواجهه فهي :
- أولا : وضع الإطار البشري ( مدرسين و تلامذة ) في ظروف مساعدة على التعليم والتعلم 
- ثانيا : إعداد برامج تراعي خصوصية مجتمعنا و تنوعه وحاجاته .
- ثالثا : العودة إلى تدريس المواد العلمية باللغة العربية التي بالتخلي عنها فقد التلاميذ نسبة كبيرة من القدرة على الفهم والاستيعاب .
- رابعا : إقامة بنية تحتية تستجيب للمعايير التربوية وتساعد على حسن سير العمل .
- خامسا : 
توفير الوسائل التربوية الضرورية  كالحواسيب والكتب والأدوات الهندسية ....
- سادسا :
اتباع سياسة تكوين مستمر يجعل المدرس على إطلاع بمستجدات التربية حول العالم .
ولن يكون كل ذلك مجديا ما لم يتم إبعاد التعليم عن التجاذبات السياسية وجعله هما وطنيا يشترك الجميع في النهوض به ، وفوق ذلك إعداد معايير عادلة للتحويل والترقية يشعر معها المدرس بالأمان من الظلم والغبن.

4▪︎ لا شك أن ثمة ضرورة ملحة لتغيير النظام التعليمي في بلدنا ليتواكب مع ثورة تكتولوجيا المعلومات. 
ما هي نوعية التغيير الذي تنشدونه تحديدا؟.

ج س 4 :
الأمر الذي لا يختلف بشأنه اثنان اليوم هو أن تعليمنا بعيد كل البعد من مواكبة الثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم ، و أن اللحاق بتلك الثورة يشكل تحديا حقيقيا أمام السلطات السياسية والتربوية ، وهو ما يقتضي ثورة حقيقية تستاصل القائم اليوم من أساليب بدائية تقوم على التلقين وتجعل المدرس محور العملية التعليمية خلافا للمنشود من أن يكون التلميذ محور تلك العملية ، ويتطلب هذا الأمر تغييرا جذريا في أنماط التعليم ،وتوفير الوسائل الضرورية لذلك ،وأولها الحجرات الدراسية التي لابد منها لحل مشكلة الاكتظاظ ، إذ لا يمكن تصور تعليم ناجح مع وجود مائة تلميذ في حجرة واحدة مع ما يطرحه ذلك من مشاكل صحية و تربوية ، 
ويتطلب الأمر أيضا إعادة تأهيل الطواقم التربوية لتواكب الثورة التقنية الكبيرة في العالم ، هذا مع توفير ما يتطلبه ذلك من وسائل .
إني أتطلع إلى اليوم الذي أرى فيه التعليم وقد تحول من التلقين وحشو ذهن المتلقي بالمعلومات ، إلى تعليم تفاعلي يكون التلميذ أساسه ووسيلته وغايته ، أتطلع إلى رؤية تعليم بزي موحد تمحي معه الفوارق الاجتماعية بين التلاميذ ، تعليم يحترم خصوصية المجتمع الموريتاني ويوظف تنوعه لخدمة وحدته الوطنية ، تعليم لا تكون فيه اللغة عائقا أمام المتعلم ، ولا تنقصه الوسائل ، يقبل عليه الطالب بشغف ،و يمارسه المدرس راغبا لا راهبا ، مقتنعا لا مدفوعا بالحاجة .

5▪︎ صادق مجلس الوزراء على خارطة طريق إصلاح النظام التربوي. 
هل لديكم معلومات عن طبيعة هذا الإصلاح؟، و ماذا تنتظرون منه؟.

ج س 5 :
ليست لدي معلومات عن خارطة الطريق تلك ، غير أنني انتظر من الإصلاح المزمع ان يبتعد عن الارتجالية ، وأن يُعتمد فيه على الخبرات الميدانية من معلمين وأساتذة ، وأن ينطلق من.حقائق المجتمع و حاجاته ، وأن تكون الحكومة جادة فيه ، ولن يتأتى ذلك إلا بتوفير الوسائل ، واعتماد التكوين المستمر ، والإيمان بان التعليم الحقيقي  هو مفتاح النمو الاقتصادي وضمان الوحدة الوطنية .

6▪︎ في خرجات إعلامية لوزير التهذيب الوطني أكد أن السنة الدراسية:2020\2021 سنة مكرسة لترقية و تهيئة إصلاح التهذيب عن طريق المدرسة الجمهورية. 
فما هو تحديد مواصفات المدرسة التي نريد؟.

ج س 6 :
حقيقة هذا مصطلح جديد على الثقافة الوطنية ، و هو يعني - من بين أمور أخرى - إقامة نظام تربوي تختفي فيه الفوارق الاجتماعية ويستفيد منه الجميع ، ينمي حب الوطن والتضحية في سبيله في نفوس النشء ، يرى فيه الكل أنفسهم ،ويعكس اختلافاتهم وتباين رؤاهم دون المساس بالثوابت الدينية والأخلاقية .
وحين يتحقق كل ذلك يكون بالإمكان حينها الحديث عن مدرسة جمهورية تجمع و لا تفرق ، تحمي الثوابت وتربي الأجيال تربية صحيحة صالحة .

7▪︎ هذه فقرات مقترحة من مخرجات ندوة فكرية تربوية حقوقية تخليدا لليوم العالمي للمعلم نظمها إتحاد الجمعيات الموريتانية الناشطة في مجال المواطنة و حقوق الإنسان.
  أبدؤوا ملاحظاتكم عليها:

أ- عانى التعليم من السياسة فكلما تغيرت السلطة، تم تقديم مقترحات حول الأهداف و طرق الإصلاح لكن الوزارة بدل الاستشراف و تحضير المصادر البشرية و الإجراءات اللازمة تقوم بتكييف المتاح بطريقة إرتجالية.

ب - نرى أن تدريس المواد العلمية بلغة الأم أفضل من تدرسيها باللغات الأجنبية.

ج - مخرجات منتديات التعليم2013 يمكن أن تشكل لبنة قوية لأي إصلاح جديد. 

د- يؤثر ضعف دخل المدرسين على الأداء مما يدفعهم للبحث عن وسائل أخرى للعيش. 

ه - مشكلة كثافة الفصول( الإكتظاظ) تحتاج للوصول إلى المعدل العالمي:《20-30 تلميذا بالفصل》.
ج.س7

ملاحظات :
ا- لقد أشرت إلى هذا الأمر سابقا من خلال الدعوة إلى إبعاد المدرسة عن التجاذبات السياسية ، فلا يمكن أن يظل نظامنا التربوي مرهونا بتغير السلطة ، إنه بحاجة إلى الاستمرارية والبعد عن الارتجال والارتهان للأجندات السياسية للأنظمة المتعاقبة . 
ب- ذلك أمر لا شك فيه ، والتدريس باللغة الأم يزيد قدرة التلميذ على الاستيعاب بنسبة ثلاثين في المائة حسب بعض الدراسات ، وعليه فلا مبرر إطلاقا لحرمانه من تلك النسبة.

ج- لو طبقت تلك المخرجات لما ظللنا في المربع الأول ، فهي إساس يمكن البناء عليه و تطويره بما يتماشى مع التطور من حولنا .
د- هذا أيضا مما ذكرته سابقا فما لم يشعر المدرس أن راتبه يوفر له الحد الأدنى من العيش بكرامة و يغنيه عن البحث عن مصادر أخرى للدخل ، فسيظل تعليمنا مشلولا عاجزا عن تحقيق الأهداف المرجوة منه .

ه- مشكلة الاكتظاظ هي مشكلة حقيقية و عائق كبير أمام انطلاقة التعليم ، وبدون حلها لن يكون لكل الإصلاحات اي أثر إيجابي على العملية التربوية ، غير أن حلها يتطلب - إلى جانب الموارد المالية الضخمة - إرادة سياسية حقيقية للقضاء عليها .

8▪︎ هل ترون أن النظام الحالي جاد في إصلاح النظام التربوي بالشكل المطلوب؟.

ج س 8 :
لا أريد ان نكون متشائما ، ولكن حتى الآن فالمؤشرات ضعيفة على إرادة الإصلاح الحقيقي لدى النظام القائم ، وإن كنت أتمنى أن أكون مخطئا في ذلك الحكم .

9▪︎ في تقديركم ما أسباب التسرب من النظام التعليمي في بلدنا؟، و كيف يمكن مواجهتها؟.

ج س 9 :
أسباب التسرب المدرسي كثيرة ومتنوعة ، منها ما هو اقتصادي ومنها ماهو اجتماعي ، فالظروف المعيشية لكثير من الأسر - وخاصة في الشرائح الأكثر هشاشة - تدفع كثيرا من الآباء إلى الزج بأبنائهم  في الحياة العملية بصورة مبكرة حتى يساعدوهم على تحمل أعباء الحياة وهو ما يتطلب بالضرورة التوقف.عن التعلم ، و أما من الناحية الاجتماعية فالزواج المبكر للبنات مثلا يعتبر سببا رئيسيا في تسربهن من المدرسة ، يضاف إلى ذلك عدم قدرة الكثير من الأسر على المواءمة بين محل الإقامة ومكان الدراسة فتضطر تلك الأسر إلى إنهاء دراسة البنات حين تتطلب تلك الدراسة التنقل من الريف إلى المدينة مثلا ، أو حين تكون المدرسة بعيدة بحيث يتطلب الذهاب إليها وسيلة نقل .
وهناك عوائق أخرى تتمثل في أنه 
ما يزال بيننا إلى اليوم من يمنع أبناءه من الدراسة العصرية باعتبارها تقليدا للغرب ، وباعتبار ما تدرسه من علوم بعيدا عن ما يأمر به الشرع مثلا .
كما أن انسداد الآفاق أمام الدارسين من حملة الشهادات لا يشجع على مواصلة الدراسة .

10▪︎ هل من كلمة توجيهية أخيرة خلال هذه المقابلة؟.

ج س 10 :
أتمنى في نهاية هذه المقابلة أن يكون ما قدمته من أجوبة - على تواضعه - مساهمة في إنارة الرأي العام والقائمين على الشأنين السياسي والتربوي من أجل النهوض بتعليمنا الذي طال إهماله وآن له أن يجد العزيمة القوية والنية الصادقة في إنقاذه من الوهدة التي تردى  فيها فترة طويلة من الزمن ، ولن يتأتى ذلك إلا بتضافر جهود الجميع ،وخاصة السلطة الرابعة التي هي المحرك الأساسي لعملية النمو والتطور ، وكذلك زيادة اهتمام الآباء والمثقفين دفعا للسلطات إلى القيام بخطوات جادة وعملية من أجل إيقاف السقوط الحر لنظامنا  التربوي .
شكرا لكم على إتاحة هذه الفرصة ، وفقكم الله لخدمة هذا المجتمع والنهوض به والسلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .

كما أشكرك جزيلا أستاذ النابغة ونرجوا لك أوقاتا ممتعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.