الزواج في موريتانيا مرهون بتكافئ النسب

جمعة, 11/25/2022 - 16:52

(الإعلام نت):
 

"منعوني من الزواج به لأنه ليس من قبيلتنا"
بصوت مثقل بالانكسار، هكذا أرجعت فرحة سبب عدم زواجها من الرجل الذي كانت تريده أن يكون شريك حياتها.

فرحة التي تتبنى أفكار تقدمية منذ دراستها في داكار، تعرفت على زميل لها موريتاني الجنسية في كلية الطب السنغالية " آنتا ديوب"، ومع مرور الوقت، قرر الطرفان أن يتوجا علاقتهما بالزواج، مباشرة بعد تخرجهما..

وحين حان الموعد المنتظر، تقدمت والدة الشاب "الهادي"، إلى أهل فرحة من أجل  عقد قرانها مع ابنها، قبل أن تعود خائبة بعد التدقق في نسب الخطيب.

تقول فرحة: 
"لست ممن ينسج علاقاته عن طريق القبائل، ودرست مع الهادي 7 سنوات في الطب، دون أن يعرف أي منا قبيلة الآخر.
لكن لشدة سذاجتنا نسينا أننا ننحدر من مجتمع تتحكم فيه القبيلة والطبقية منذ استقلال البلاد، وهو مالم نضع له حسبانا، مما جعلنا ننجرف وراء العاطفة والأفكار التي مازال يرفضها المجتمع ويصنفها ضمن قائمة الزندقة والإلحاد.

جرحني رفض أهلي لخطبة الهادي وجعلني في موقف لا أحسد عليه، كما أنه أحرجني كثيرا"."

وتضيف فرحة:
"من المؤسف أنني فشلت في إقناع أهلي، ولم يتركوا لي فرصة الاختيار في أهم قرارات حياتي، رغم أنني أبلغ من العمر 29 عاما، وخريجة جامعة "آنتا ديوب السنغالية العريقة".

عائلة فرحة تنتمي لقبيلة توصف ب"أشراف" المجتمع، ويتواجد بعض أفرادها في مراكز النفوذ وصنع القرارات، مما عزز رفضها لخطبة الهادي، وتهديده بالسجن إن عاود الكرة.

يقول الهادي ولد الشيخ:
" بطبيعة الحال أحزنني الأمر كثيرا، لكن أكثر ما آلمني ووخزني، هو اقتناعهم بأن عائلتي لا ترقى لمستواهم في النسب."

بحسب المراقبين، فإن ظاهرة الأنساب غالبا ما تكون عائقا في الزواج، خاصة في الداخل الموريتاني، حيث يتعصب الأهل للقبيلة، وغالبا ما تكون المرأة هي أكثر من يدفع ثمن ذلك.

الشيخاني "اسم مستعار"، تزوج من فتاة لا تنتمي لقبيلته، وقد أرغمته ممارسات العنصرية والترفع عليها، على طلاقها مكرها.

يقول الشيخاني:
"تزوجت سرا من فتاة انجذبت لها تنتمي لعائلة تمارس الفن "التقليدي"، ولم أخبر أهلي بذلك، لأنني كنت أدرك حساسية الأمر بالنسبة لهم، لكن بعد مرور شهرين، جلبتها معي إلى قريتي، وأعلنت لهم عن زواجي منها، وأخبرتهم من تكون.

قوبلت بالرفض فورا من أهلي، وحين وصل الأمر إلى العائلة، غضبوا علي جميعهم بما فيهم جدي، وأصبحت القضية وقتها، حديث القرية."

ويضيف الشيخاني:
"شعرت بالكثير من الإحراج، خاصة أن الفتاة لم تتلق ترحيبا وسط عائلتي، أحرى أهالي القرية، وكنت في نظيرهم كمن ارتكب جريمة نكراء.

بعد ذلك تشجعت هي وطلبت مني الطلاق للمحافظة على علاقتي مع أهلي، وقد فعلت ذلك مكرها ومنكسرا في آن واحد.

أكثر ما يغضبني في هذه القضية، هو أنني أعيش في مجتمع متحجر منغلق على نفسه، يربط تقاليده بالدين، ولا يمكنني الخروج منه، مراعاة لوالدي."

انتشار هذه الظاهرة وتمددها بين الأجيال، يعود إلى غرس قيم القبلية في الصغار وتربيتهم على مبادئها، وحضور اجتماعاتها، مما يجعل الانسلاخ من هذه الظاهرة، شيئا مستحيلا، رغم بعدها عن الدين الإسلامي، بحسب الإعلامية والناشطة النسوية عزيزة عبد الله.

تقول عزيزة:
"عادات المجتمع الموريتاني، تجعل من القرارت الخاصة بالأفراد، شأنا عاما، يخضع لآراء الجميع.

الزواج  في موريتانيا مرتبط بالعائلة، وحتى القبيلة، مما لا يتيح للمقبل على هذه المرحلة حرية الاختيار بشكل خاص، بسبب مراعاة المصالح العليا للعادات، وهذا من أبرز انتشار ظاهرة الطلاق في موريتانيا.

على المجتمع أن يدرك أن الزواج مصلحة مشتركة بين شخصين، ولا تقبل أي تدخل كان."

وتضيف عزيزة:
" المجتمع الموريتاني يربي أبناءه على قانون الطبقية، والتمييز بين الأفراد، ويتوارث هذه القيم، جيلا بعد جيل."

عزوف "قبائل الزوايا" عن الزواج من القبائل الأخرى، يعود إلى حرب قديمة دارت بين الزوايا وبني حسان، بحسب الخبير الاجتماعي باب ولد سيد أحمد علي.

يقول ولد سيد أحمد علي:
"حرب بني حسان والزوايا رسمت نظاما اجتماعيا جديدا في موريتانيا، فقد جعلت بني حسان تتربع في سلم الهرم  الاجتماعي، والزوايا المهزومين يعوضون خسارتهم باللجوء إلى الثقافة والدراسة.

وقد أدى هذا التحول إلى تمييز بين الطرفين، على اعتبار أن قيمهما مختلفة، وكذلك تصوراتهما ورؤيتهما للحياة، وقد انعكس ذلك بشكل مباشر على الزواج."

ويضيف ولد سيد أحمد علي:
"صار الزوايا متشبثون بقيمهم الجديدة، ممتنعين عن الزواج من بني حسان، أو حتى الاندماج معهم، يعد سيطرتهم على المجتمع، وبالتالي كان عزوفهم عن الزواج من بني حسان، وسيلة لرفضهم واحتجاجهم على قيم القبائل الحسانية، ومبادئهم، وسيطرتهم."

الحديث عن هذه الظاهرة، يستحضر حادثة مماثلة شغلت الرأي العام الموريتاني لأكثر من أسبوعين، حين تزوجت إحدى مشاهير التواصل الاجتماعي تنتمي لقبيلة يصنفها المجتمع على أنها من الأشراف، مع شاب فنان، ينتمي لأسرة تمارس الفن التقليدي، وهو ما لم تتقبله عائلة الفتاة، وقد استعانت بالسلطات حتى تطلقا.
وقد أثار التدخل القبلي حينها، غضبا كبيرا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مستنكرين ترفع قبيلة الفتاة، عن باقي مكونات المجتمع، وتشبثهم بنسبهم، خاصة في هذا الزمن.

واستبعد أغلب المتفاعلين مع تلك القضية، تحرر موريتانيا، من الفكر القبلي، ومن سياساتها.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا .
حمن يوسف