السيد بوكار أمادو با ، رئيس جمعية النهوض بالبولارية في موريتانيا ومدير مجلة "فويرى بامتارى"(مقابلة)

اثنين, 12/20/2021 - 09:35

السيد بوكار أمادو با ، رئيس جمعية النهوض بالبولارية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية ومدير مجلة "فويرى بامتارى".

1) شاركتم في الأيام الوطنية للتشاور حول إصلاح التعليم التي اختتمت في 20 تشرين الثاني (نوفمبر)، ما هي انطباعاتكم لدى نهاية هذه الأيام؟

السيد بوكار أمادو با : في البداية أود أن أشكر مجلة القلم لإتاحة الفرصة لي من أجل التحدث عن موضوع مهم لمستقبل بلدنا مثل إصلاح نظامنا التعليمي. لقد شاركت جمعية النهوض بالبولارية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية بالفعل في هذه الأيام التشاورية إلى جانب شقيقتيها الجمعية الموريتانية لترقية اللغة والثقافة السوننكيتين وجمعية ترقية اللغة الولفية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، في إطار منسقية الجمعيات الثقافية. وبصفة عامة خرجنا من هذه الأيام بشعور من الرضى، حيث ساهم وجودنا في دفع غالبية المشاركين للإسهام في الدفاع عن اللغات الوطنية. ونعتقد أنه قد تم اتخاذ خطوة مهمة في اتجاه إنشاء نظام تعليمي أكثر توافقية وإنصافًا بمشاركة جميع الفاعلين في التعليم.

***

2) ما هي حسب رأيكم أوجه التقدم أو التراجع التي لاحظتموها في نهاية هذه اللقاءات؟

السيد بوكار أمادو با : أي تراجع؟ لقد وصل نظامنا التعليمي إلى نقطة لم يعد يستطيع فيها التراجع، فقد وصل إلى الحضيض! الواقع أننا لاحظنا تقدمًا ورغبة أكثر حزماً في إخراج تعليمنا من هذا الركود، سواء فيما يتعلق بالأساليب أو بإعادة التأكيد على بعض المبادئ المهمة. فهذه هي المرة الأولى التي يكون فيها الإصلاح موضع "مثل هذا الإعداد الطويل" مع إشراك جميع الفاعلين. لقد اعتدنا على الإصلاحات السريعة تحت ضغط أوضاع الأزمات. يبدو أن هناك مبدأين يوجهان هذا الإصلاح: ترسيخ المساواة وتكافؤ الفرص في طلب المعرفة، وتوحيد النظام التعليمي.

**

3) وفقًا للتقرير النهائي، سيعاد فتح معهد اللغات الوطنية الذي طواه النسيان. هل تعتقد أن الشروط قد استوفيت لإعادة فتحه؟ وإلا فما الذي يجب القيام به من أجل إحيائه؟

السيد بوكار أمادو با : عندما اتخذت اللجنة العسكرية للخلاص الوطني القرار السياسي الشجاع في أكتوبر 1979 بإنشاء معهد للغات الوطنية وكلفته بمهمة تجربة اللغات الوطنية البولارية والسوننكية والولفية من أجل إدخالها في نظام التعليم بدأنا من النقطة صفر حيث لم يكن لدينا سوى الإرادة الصادقة -الشيء الذي لا يمكن إهماله بالطبع!- لكسب الرهان ورفع جميع لغاتنا الوطنية إلى نفس المستوى، وهو ما تم التأكيد عليه مجددًا في محضر اجتماع اللجنة العسكرية للخلاص الوطني المنعقد من 8 إلى 18 أكتوبر 1979، من خلال التأكيد على الرغبة في تطوير نظام تعليم وطني يقوم على "إضفاء الطابع الرسمي على جميع لغاتنا الوطنية" ... و"إنشاء معهد لكتابة وتطوير اللغات الوطنية" و"التعليم بلغاتنا الوطنية التي يجب على المدى الطويل أن توفر نفس المنافذ التي توفرها اللغة الوطنية الأخرى، أي اللغة العربية ". وقد خضع معهد اللغات الوطنية بعد أن عمل من 1980 إلى 1988 لثلاثة تقييمات: تقييمان قام بهما مكتب اليونسكو بداكار في عام 1982 ثم في عام 1984، وتقييم وزارة التهذيب الوطني في عام 1988، وخلصت جميع هذه التقييمات إلى أن التجربة كانت ناجحة وأوصت بتعميم التعليم باللغات الوطنية. إذا بناءً على عمل معهد اللغات الوطنية السابق يمكن القول إن الشروط قد اكتملت بالفعل في عام 1986 لكسب رهان تعميم التعليم باللغات الوطنية، ولذلك فإن المعهد الجديد يستفيد اليوم من كل هذه الخبرة التي اكتسبها المعهد السابق، خاصة أن غالبية الأطر الذين عملوا في المعهد السابق (مشرفون ومدرسون، ....) ما زالوا على قيد الحياة وينشطون في الجمعيات الثقافية الثلاث المذكورة أعلاه، فبالاستفادة القصوى من هذه الموارد البشرية لا يتطلب الأمر من المعهد الجديد سوى استغلال إرث المعهد القديم وتحديثه من أجل النجاح -في وقت قصير نسبيًا- في تعميم التعليم باللغات البولارية  والسوننكية والولفية.

***

4) في الوقت الذي نتجه فيه نحو إضفاء الطابع الرسمي على اللغات الوطنية البولارية والسوننكية والولفية وإدخالها في نظام التعليم ما هي المكانة التي ستحتلها هذه اللغات إلى جانب اللغة العربية في هذا النظام؟ هل تم إغلاق النقاش المفتوح حول كتابة هذه اللغات بالحروف العربية أو اللاتينية؟

السيد بوكار أمادو با : كما جاء في الملخص العام للمشاورات فإن "كل لغاتنا الوطنية متساوية بالنظر إلى شعارنا الوطني: شرف، إخاء، عدل". لذلك يجب أن تتمتع بنفس المكانة في جميع قوانيننا، ولاسيما في الدستور. ولهذا السبب فإن الجمعيات تطالب بإضفاء الطابع الرسمي على اللغات البولارية والسوننكية والولفية بنفس الدرجة التي تحظى بها اللغة الوطنية الأخرى، أي اللغة العربية. والمنطق السليم -كما تقول- يقتضي ترسيم اللغات الوطنية الأخرى، وهذا القرار سيؤكد الإرادة المعلنة لدى الدولة لتطوير هذه اللغات وجعل جميع لغاتنا -على الأقل في قوانيننا- في نفس المستوى.

كما نعلم فقد كان أحد الأسباب التي قدمتها وزارة التهذيب الوطني في عام 1987 لقصر تجريب البولارية والسوننكية والولفية على التعليم الأساسي هو عدم وجود نصوص قانونية، وفي عام 1999 عندما أنهت الدولة هذه التجربة الثرية كان ذلك بمجرد قرار سياسي، لذا فإن إضفاء الطابع الرسمي ضمان للاستدامة، وعلى أي حال سيجعل ترسيم هذه اللغات التراجع أكثر صعوبة. إذن ما هي المكانة التي ستحتلها اللغات الوطنية الأخرى إلى جانب اللغة العربية في هذا النظام؟ يجب أن تكون جميعها لغات للتدريس واكتساب المعرفة، ويجب أن يتعلم كل طفل موريتاني جميع المواد بلغته الأم، وهو ما يوصي به جميع المختصين في مجال التعليم، ولكن أيضًا لنضمن- أخيرًا- تكافؤ الفرص والإنصاف في الوصول إلى المعرفة.

بالإضافة إلى ذلك، لا أعتقد أن النقاش حول كتابة اللغات الوطنية ظهر خلال أيام المشاورات، وعلى كل حال، فهذه المسألة لم تظهر في أسئلة وزارة التهذيب الوطني، وبالنسبة لجمعيات اللغات فقد تم تجاوزها.

***

5) بينما تستخدم دول أخرى لغات دولية مثل اللغة الإنجليزية على سبيل المثال، يبدو أننا نتجه نحو تدريس العلوم والرياضيات ... باللغة العربية. أليست هذه خطوة إلى الوراء؟

السيد بوكار أمادو با : في الواقع اللغة الإنجليزية هي اليوم لغة التواصل والعمل الرئيسية عبر العالم، وهي أيضًا إلى حد بعيد لغة العلم الرئيسية واللغة الأم الثالثة بعد الصينية والإسبانية، ومع ذلك لا أعتقد أن الاتجاه السائد في العالم هو اللجوء في السياسات الوطنية إلى اللغات الأجنبية لاختيارها كلغات للتدريس في التعليم الأساسي. على أي حال، يعلمنا تقرير حديث صادر عن البنك الدولي أنه: "عندما يبدأ الأطفال تعليمهم بلغة يتحدثونها ويفهمونها فإنهم يكتسبون المزيد من المعرفة ويكونون أكثر قدرة على تعلم لغات أخرى وقد يتقدمون في مواد أخرى مثل الرياضيات والعلوم ويكون من المرجح أن يواصلوا تعليمهم ويتمتعوا بتعليم يناسب ثقافتهم وظروفهم المحلية، كما أنه يساعد على وضع الأسس الأمثل لاكتساب لغة ثانية في المدرسة لاحقًا. هذا بالإضافة إلى أن السياسة السليمة بشأن لغة التدريس تساهم في تحسين مسارات التعلم والتعليم وتقلل من الإنفاق القومي على كل تلميذ، وبذلك تجعل من الممكن استخدام الموارد العمومية بشكل أكثر عقلانية من أجل توسيع نطاق الوصول إلى تعليم جيد لجميع الأطفال. "

وكما ورد في "تدابير الإصلاح" في التقرير العام للأيام التشاورية: "في بداية الدراسة يتم تعليم العلوم باللغات الوطنية لضمان اكتساب جيد للمعرفة وتجنب تعريض الأطفال للصعوبة المزدوجة المتمثلة في إتقان لغة التدريس واكتساب المحتوى المقدم. "

إن استخدام اللغات الأم - وخاصة في التعليم الأساسي - لا يعتبر سيرا ضد التيار، بل إنه يتماشى مع توصيات المختصين في مجال التعليم. وفي الواقع فإنه من الأفضل للأطفال أن يبدأوا التعلم بلغتهم الأم، وخاصة العلوم والرياضيات. لذلك من المنطقي أن نتجه نحو تدريس العلوم والرياضيات باللغات الوطنية، أي باللغة العربية والبولارية والسوننكية والولفية، على الأقل حتى نهاية الأساسي. كما يجب علينا إدخال الفرنسية والإنجليزية في وقت مبكر بما يكفي حتى يتمكن التلاميذ من إتقانها لسد الحاجة للانفتاح وللمزيد من الدراسات المتقدمة في العلوم.

***

6) في رد فعل تحدث سي ماهامادو (فليل؟) أحد الناجين من إينال عن "الظلم اللغوي". هل تشعر أن جميع الأطفال الموريتانيين سيحصلون على نفس الفرص في الذهاب إلى المدرسة؟ وهل يساعد هذا التوجه في تعزيز الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي في البلاد؟

السيد بوكار أمادو با : هذه هي رغبتنا ومعنى التزامنا بالنهوض باللغات الوطنية. أنا أعتقد أن إدخال التدريس باللغات المحلية الثلاث الأخرى سيعزز بلا شك تكافؤ الفرص والمساواة في الوصول إلى المعرفة، أي باختصار المزيد من العدالة اللغوية في المدرسة. إن إعادة تأهيل معهد اللغات الوطنية سيساعد في تطويرها جميعًا، غير أن الخطوة المهمة التي يجب اتخاذها لضمان المزيد من "العدالة اللغوية" هي إضفاء الطابع الرسمي على اللغات الوطنية الثلاث الأخرى واستخدامها في جميع مجالات الحياة في البلاد. وسيمكن التعليم باللغات الوطنية –على النحو المقرر- كل طفل من التعلم من خلال لغته الأم، ولكن أيضًا سيمكنه من تعلم لغة وطنية واحدة أخرى على الأقل، كما أن هذا سيساهم بالتأكيد في تعزيز الوحدة الوطنية لأن الموريتانيين سيكونون قادرين على التواصل بشكل أفضل مع بعضهم البعض، وسيكون لديهم شعور بالتمتع بنفس الحقوق اللغوية.

***

7) هل أنتم ممن يتساءلون لماذا لم تنتظر الحكومة الحوار السياسي المرتقب للتوصل إلى إجماع وطني حول المدرسة، وهي قضية سياسية بارزة؟

السيد بوكار أمادو با : لا، لقد تدارس الفاعلون في مجال التعليم بفضل النهج المتبع حتى الآن الجوانب التربوية والفنية من مشاكل التعليم في جو ملؤه الصفاء والهدوء، والنتائج التي حققوها ستمكن صانعي السياسات من اتخاذ قرارات سياسية أكثر استنارة.

***

8) بالنظر إلى التقرير النهائي هل لديكم شعور بأننا نتجه بالفعل نحو المدرسة الجمهورية التي ينادي بها رئيس الجمهورية ولد الغزواني؟

السيد بوكار أمادو با :  إنها خطوة، فالتقرير لوحده لا يضمن أننا في طريقنا إلى مدرسة جمهورية، لأننا ما زلنا في مرحلة النوايا. علينا أن نضع النوايا موضع التنفيذ، وهذا هو التحدي الأكبر. إننا نحتاج إلى إرادة حقيقية للتغيير على جميع الأصعدة، سواء فيما يتعلق بالأساليب أو بالأشخاص، لذلك لا يزال الوقت مبكرا لإصدار هكذا حكم.

***

9) هل يمكنكم تذكيرنا بشكل موجز بإنجازات معهد اللغات الوطنية؟ هل في الإمكان تسريع وتيرة رسملتها لإعادة فتحه؟

السيد بوكار أمادو با :  لقد تم إنشاء معهد اللغات الوطنية سنة 1979 بهدف "تنظيم وتنسيق وتعزيز جميع البحوث التطبيقية في مجال جميع اللغات الوطنية، وهو في هذا السياق مسؤول في المرحلة الأولى عن إعداد مدخل لتدريس اللغات البولارية والسوننكية والولفية، وتكوين الموظفين وتطوير المواد التعليمية ودراسة الانعكاسات العملية و الجوانب المالية لهذا المدخل والمشكلات التي يطرحها استخدام هذه اللغات في وظائف اللغة المختلفة (لغات تعليم، لغات معلومات وتواصل، لغات اقتصاد وعمل، إلخ.) "

وبعد عامين من التحضير (التجهيز تكوين المدرسين والاستقصاءات الاجتماعية واللغوية وتطوير الكتب المدرسية وما إلى ذلك) بدأ بتجربة التدريس باللغات الوطنية في الفترة من 1982 إلى 1988، وقام بتدريس اللغات الوطنية البولارية والسوننكية والولفية كلغات أولى وكلغات تدريس لباقي المواد في جميع مراحل الدراسة التعليم الأساسي؛ وقام بتدريس اللغة العربية كلغة ثانية. لقد تم تقييم هذه التجربة عامي 1982 و 1984 من قبل مكتب اليونسكو في داكار وفي عام 1988 من قبل وزارة التهذيب الوطني (وبلغ معدل النجاح في الاختبار: 75٪). لقد خلصت هذه التقييمات إلى نفس النتيجة، وهي أن التجربة أسفرت عن نتائج جيدة جدًا، وأوصت بتعميم التدريس باللغات الوطنية البولارية والسوننكية والولفية.

وكان الأطفال الذين خضعوا لهذه التجربة قادرين بشكل عام على إكمال تعليمهم الثانوي والعالي بسهولة وأصبح الكثير منهم الآن أطرا سامين (مهندسين وأطباء، إلخ). أنا شخصياً أشرفت على تدريس مادة الرياضيات لبعضهم في ثانوية البنين 2 الحالية (إعدادية البنين سابقا)، وبشكل عام كانوا يتقنون اللغة الفرنسية أفضل من تلاميذ التعليم العمومي التقليدي (رغم أنهم لم يدرسوا هذه اللغة في مرحلة التعليم الأساسي سوى سنتين في الصفين الخامس والسادس)، وكانوا غالبًا أفضل منهم بكثير في المواد العلمية (نتذكر أن أحدهم كان الأول في بكالوريا الرياضية لاحقًا).

خلال هذه التجربة تم إجراء العديد من البحوث من أجل تطوير اللغات الوطنية، حول المصطلحات (التدريس، الرياضيات، العلوم الطبيعية، قواعد اللغة، اللسانيات، التاريخ، الجغرافيا، مفردات البيئة المدرسية، السياسة، الإدارة، العدل، الصحة، النظافة، التنمية الحيوانية، إلخ.)

وفي سنة 1985 تم تدريس اللغات البولارية والسوننكية والولفية كلغات ثانية للتلاميذ العرب في بعض المدارس على وجه التجريب، وقد استقبل التلاميذ العرب هذه اللغات بحماس كبير، وكانت النتائج مشجعة، لكن وزارة التهذيب الوطني أمرت بوضع حد لتلك التجربة لأسباب نجهلها.

اقرأ النسخة بالفرنسية