حقل الإعلام.. مقارنة بين القوة والركود

جمعة, 08/27/2021 - 22:20

تقوى كل أمة بإعلامها أولا ثم بشعبها ثم بسلطتها السياسية، وذلك لأهمية الدور الإعلامي الذي تلعبه الصحف والقنوات الفضائية المواقع...، لذا فإن تنقية الحقل الإعلامي وتنظيمه يجب أن تكون من أولويات الأولويات.

فالدول والتنظيمات الكبرى الآن هي التي وضعت الإعلام في صدارة أسلحتها الحربية، وهذا ما نلمسه في موقف الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي (روسيا)، حيث اعتمدت الدعايةَ الإعلامية آليتها الأولى، وبعد عشرات السنين أدركت روسيا أن فوز الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الباردة كان نتيجة توظيف الإعلام بدل المدافع الدبابات، فجاء ردها المتأخر في إنشاء مجموعة قنوات RT، التي توغلت في الشرق الأوسط وأوربا وأمريكا اللاتينية، وكرد على تلك الهجمة الإعلامية الروسية، اتهمت أمريكا الإعلام الروسي بالتدخل في القضايا السياسية الداخليه للبلد، فالولايات المتحدة الأمريكية بوصفها نموذجا للقوة والتأثير على المستوى الدولي، لا تقوم بأي هجوم عسكري إلا وقبله هجمات "بروبوغاندية" تُكسبهم الرأي العام العالمي، وذلك ما يمنح الإشارة الخضراء أمام الكتائب والمدرعات في شن حملاتها.

أما في حرب العراق فقد اتهم الرئيس الأمريكي آن ذاك "جورج بوش" العراق بالتحالف مع تنظيم القاعدة، فلاقى هذا الاتهام تسويقا إعلاميا مهولا، ما أدى مباشرة إلى زرع فكرة أن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل لن يكون في مصلحة الغرب، وقد أفلح ذلك مع الرأي العام العالمي، فكان الإعلا هو من فتح الباب أمام غزو العراق، وبالمقابل ورغم قوة العراق عسكريا إلا أن عدم وجود إعلام بحجم الإعلام الأمريكي، كان من بين العوامل المؤدية إلى سقوط العراق.

 يقول البروفيسور الأمريكى جوزيف ناى أنه لايهم «جيش من الذى فاز، وإنما خطاب من الذى فاز».

وإلى جانب تشكيل الإعلام السياسي سلاحا فتاكا في أيادي التنظيمات والشخصيات الفاعلة في المجتمع الدولية، يكون الإعلام نفسه وسيلة ضد الأنظمة الداخلية، ويتجلى ذلك في توعية الشعب سياسيا، حتى يلم بأبعاد المشهد السياسي الداخلي ولا ينجرف نحو كل خطاب سياسي مهما كان تأثيره.

يقول المفكر السياسي وأحد أعلام القومية العربية عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد " الذي يعد من نوادر التأليفات السياسية في المنطقة العربية "‫لا يخفى على المستبد مهما كان غبيا أن لا استعباد ولا اعتساف إلا مادامت الرعية حمقاء تخبط في ظلامة جهل وتيه عماء‬"، ولا يمكن للشعب أن يدرأ نفسه عن التخبط في ظلام الجهل إلا إذا كان إعلامه ناجحا. 

واستخلاصا لما أسلفنا به، فإن دعم الإعلام وتقويته ومنحه الاستقلالية والحرية وتسخير جميع الآليات فيما يخدم الحقل ويساعد في إنعاشه هو زرع حصاده مضمون، وما كبتتهُ أمة إلا ودهستها الدول وهمشتها الشعوب واحتقر محكومُها حاكمَها وحاكمُها محكومَها، وكل منهم نفسه.

 

 

محمدسالم بن جدو