يحتاج التعليم لمسؤول يُرفع له شعار «فلان لا اتولي» (مقابلة)

أحد, 08/22/2021 - 18:39

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرحب بأستاذي

الأستاذ إسلمو أحمد سالم ضيفي في هذا الحوار الذي نحاول من خلاله تشخيص واقع التعليم على وقع نسب النجاح الهزيلة في المسابقات الوطنية هذا العام، ونحاول كذلك استشراف سبل انتشاله من الواقع الحرج الذي يعيشه من واقع تجربته كمدرس ، ذو تجربة طويلة في الأقسام النهائية لإحدى أهم المواد في هذه المرحلة مادة الرياضيات.

1 - بداية أستاذي الكريم أود منكم تقديم لمحة مختصرة عن نظرتكم لواقع التعليم؟

ج: يعاني التعليم في جميع مراحله من اختلالات كبيرة مترامية ، تنخره من أساسه حتى التعليم العالي ، و أهم هذه الاختلالات 
- الضعف العام في مستويات التلاميذ في جميع المواد،  الذي تعد نتائج البكالوريا أهم تجلياته ، و لعل الوضع الكارثي على مستوى مؤسسات التعليم العام في مدن الداخل .
-  ثبات و جمود في البرامج التعليمية  ، التي ظلت تكرر منذ عقود ، و غياب الكتاب المدرسي،  و اختفاء النشاطات الثقافية و التربوية و الرياضية  الموازية للتعليم ، لتتحول العملية إلى ميكانيكا شحن و تفريغ يغيب فيها الاحساس بالمعلومة و استيعابها،  و تغيب المحفزات و التأثيرات السلوكية لعملية التعليم. 
- مغادرة أغلب الكفاءات للقطاع ، لضعف المستويات المادية للمدريسين ، و توجههم  للبحث عن الترقية ذات الطابع السياسي أو الزبوني  ، أو ممارسة نشاطات موازين ستجعل مردوديتهم التربوية محدودة .
-  الفوضوية  الكبيرة التي يعاني منها تسيير المصادر البشرية المتوفرة ، و استئثار مناطق على حساب أخرى، ففي حين تستحوذ العاصمة و المدن الكبرى على خيرة المدرسين،  لا تكاد تجد أقسام المناطق الهشة مدرس لتجميع لعدة مستويات.  
- اكتتاب عدد كبير من المدرسين ضعيفي المستوى لعدم رقابة الاكتتاب و عدم شفافية مسابقاته،   هو ما أوجد جيلا من المدرسين الذين يهتمون للاستثمار في الامتحانات و الرقابة، و أنتج تلاميذ يجهلون أغلبية المواد.
- غياب دور المفتشين و لجان المتابعة ، و اقتصار دور الإدارات الجهوية على العمل الإداري دون التربوي ، و هو أحد التجليات السلبية للامركزية التي لم ترفق لأدوات تنفيذ كاملة 
- غياب التكوين المستمر،  و الدراسات و الإحصاءات و التبادل التربوي مع دول المحيط الجغرافي، و غياب التنسيق ببن الهيئات المختلفة للتعليم،  و عدم تحيين البرامج و تحديث طرق تناولها .
- ضعف دخل المدرس مما أفقد المدرس مهنيته و جعله يركز لقوت يومه ، مع ما يلاحظه في القطاعات الأخرى  من زبونية في الترقيات و  التحويلات، و ما يعيشه محيطه من فوضى عارمة غنى فاحش من مال الدولة بطرق سهلة ، و تبدو و كأنها مأمونة. 
- غياب المختبرات و قاعات العرض ، و الاكتفاء بالدروس النظرية ، و عدم ربط التلميذ بالمعاينة الميدانية للظواهر، و المؤسسات و المنشآت ذات الصلة بمعارفه ..
- فوضوية المدارس الحرة و استقطابها للكفاءات من المدرسين و نخبة التلاميذ ، و انشغال هيئات التأطير و المتابعة بالتعليم في هذه المدارس و الاهتمام بنتائجها و تلاميذتها عل حساب المسؤوليات التربوية و الإدارية في التعليم العام.
- نمطية الامتحانات الوطنية،  و اهتمام المدرسين بهندسة النجاح على حساب الأهداف المعرفية و الانعكاسات السلوكية لعملية التعلم. 
- التدريس باللغة الأجنبية، مما  كون حاجزا عن الاستيعاب ، وأظهر ضعف المدرسين  و أدائهم،  و التلاميذ و ضعف النتائج   .
- بروز المدارس الأجنبةبمناهج غير وطنية كالمدارس الفرنسية و المدارس التركية استقطب أبناء الطبقات الغنية و أبناء السفراء ، و استقطاب المدارس الحرة الوطنية  لأبناء الطبقة الوسطى،  فيما بقيت الأغلبية الساحقة في المدارس العمومية،  مما ينذر بانقسام دائم و شروخ مجتمعية عميقة ..

2 - تعكف الوزارة الوصية منذ مدة على خطة لإصلاح القطاع نالت استحسان البعض في حين اعتبرها البعض مجرد تخبط، كما أنشئ مؤخرا مجلس أعلى للتعليم واختيرت لرئاسته إحدى أهم الكفاءات في المجال الوزيرة السابقة الأستاذة نبغوها حابه، فهل ترون أننا في الطريق الصحيح أم أن الأمر على خلاف ذلك؟
عانى التعليم من السياسة ، فكلما تغيرت السلطة ، تم تقديم مقترحات حول الأهداف و طرق الإصلاح  ، لكن الوزارة،  بدل الاستشراف و تحضير المصادر البشرية و الإجراءات اللازمة لتنفيذ الطلب ، تقوم بتكييف المتاح بطريقة ارتجالية ، تؤثر على مستوى التطبيق و تخفض من مستوى النتائج .
و في اعتقادي أن المشكلة ليست طرح الخطط و اختيار الأشخاص،  و إنما يعود بنا دائما إلى ضرورة شن حرب ضد الفساد لا هوادة فيها،  حتى تثق أن البرامج ستطبق . و في نظري أن أول خطوات انتشال التعليم تبدأ بانتشال المدرس من وحل الحاجة للاستثمار في معلوماته و كرامته الشخصية،  بتوفير دخل يفرغه لعمله التربوي . و في اعتقادي أن الاستمرار في تدريس المواد العلمية بغير اللغة المرتبطة بوجدان التلاميذ ضرب من العبث ، و هذا لا ينفي أو يتناقض مع تدرس اللغة الفرنسية و إيجادتها. 
الوزارة وجدت أمامها تركة ثقيلة و لن تستطيع ، و إن مع المجلس الأعلى للتهذيب، القيام بتغيير ملموس ما لم نحول قضية التعليم إلي قضية رأي عام أو كارثة طبيعية أو وباء بحب التصدى لمواجهة أزمته على جميع المستويات..

3- يعاني التعليم العمومي في البلد من ظاهرة عزوف المدرس عن الأرياف وسعي جميع عمال القطاع بشتى الوسائل لدخول العاصمة، فما السبب؟ وكيف ترون الحل؟

يؤثر ضعف دخل المدرسين على الأداء مما يدفعهم للبحث عن وسائل أخرى للعيش،  قد تكون بالسعي بطرق زبونية للتفريغ،  أو الاستغلال البشع لطاقاتهم الجسمية في أعمال أخرى حرة،   مما يؤثر على الأداء و التحضير و الإبداع . و مدرس الريف لا يستطيع العيش بدخله و لا الاتكال على مضيفيه،  مما يجعل مكان العمل طاردا،  و أعتقد أن التحسين من دخل المدرس ، و تحويل المناطق الهشة إلى مناطق استقطاب للمدرسين سيشجع على الاستقرار ، مما يؤثر على تفاوت المستويات التعليمية و يقضي على الاحتقان الاجتماعي الذي بسببه الشرخ التعليمي و الاقتصادي ..

4 - يعتقد البعض أن خصخصة التعليم هي السبب الرئيسي في الوضع الذي نعيشه كيف ترون الأمر؟

شكلت المدارس الحرة ملاذا للمدرسين من أجل التعويض عن ضعف الدخل ، كما انها شكلت نقطة استقطاب لأبناء الطبقة المتوسطة من أجل تعليم أبنائها ، حيث أعتقد أنها بديل للتعليم العام الذي فقدت السيطرة عليه.

لكن المدارس الحرة تحولت مع الوقت  إلى مؤسسات للإشهار،  تغزو فكر المراهقين و ذويهم ، و تجعل منها قبلة للتلاميذ تحت تأثير إعلام غير نظيف في بعض الأحيان ، فيروج للمساعدة و الاقتراب من المواضيع في الامتحانات الوطنية، فتتكدس الاعداد دون رقابة، في قاعات هي في الواقع غرف منازل،  و قد فشلت الوزارة في متابعة و تنظيم هذا القطاع،  و هو يحتاج لمسؤول يرفع له شعار (فلان لا اتولي) ، و تجب مراقبته و تطبيق القوانين فيه ، و استحداث قوانين تحدد إعداد التلاميذ ، و أعداد الساعات المستغلة من المدرسين.
تصور معي  أن يدرس مدرس 18 ساعة في التعليم العمومي و ما يقارب ال30 ساعة في الخصوصي،  مع حصص التقوية و حصص المنازل ، فأين هو أوقات الراحة و  أوقات التحضير و أوقات التصحيح .
و أعتقد أن محاربة آثاره السلبية تكمن في الحد من حاجة المدرسين له من الناحية المادية، و فرض قوانين صارمة تنظمه و تلزمه بالمعايير التربوية ..

أعتذر منكم عن الإطالة، وكسؤال أخير، بوصفكم أحد العارفين بخبايا القطاع؛ ما هو تصوركم لإصلاحه وإعادة الاعتبار للمدرسة الجمهورية وللمدرس، وهل تتصورون إصلاحا في ظل التسليع الذي يشهده التعليم الخاص؟

اعتقد أن الفساد المستشري في التعليم يحتاج أن يكون علاجه في إطار محاربة شاملة للفساد بجميع أنواعه. 
كما أنه ينبغي أن ينظم تشاور عام ببن جميع الموريتانيبن للاتفاق على قضية اللغة و الثقافة الجامعة و الهوية المشتركة. 
و أعتقد أنه من المهم أن نقوم بما يلي :
-  القضاء على المدارس الأجنبية و تنظيم  المدارس الحرة  و مراقبتها .
- استخدام اللغة العربية كمادة تدريس لكل المواد،  و اعتبار اللغتين العربية و الفرنسية لغتين إجباريتين و مادتي إقصاء في الامتحانات و المسابقات الوطنية، مما يضمن جودة المستويات فيهما،  و كذلك  إدخال اللغات الوطنية في التعليم بطريقة تضمن أن يتقن كل متخرج إحدى هذه اللغات الوطنية إضافة للغتين،  العربية و الفرنسية . 
- مراجعة رواتب و علاوات  المدرسين بطريقة تضمن أن تتحول الفصول إلى بئات مغرية  ، و كما ينبغي  إستعادة موظفي القطاع المتخصصين في التعليم من القطاعات الأخرى.  

- مراجعة البرامج،  بالتنسيق مع المحيط الإقليمي و المحيط الثقافي ، لما يتماشى و تحقيق الغايات التربوية والتعليمية،  و تفعيل دور المفتشين و المنعشين التربويين و بعثات التاطير و المتابعة و التفتيش و روابط آباء التلاميذ،  و النشاطات الثقافية و  الرياضية لغرس القيم و تنمية الروابط بين التلاميذ  .
- إخراج الامتحانات الوطنية من قوقعة النمطية السائدة،  وكذلك ينبغي تجميع المدارس القروية في مؤسسات جمهورية كبيرة ، و يجب القيام  بالتميبز  الإيجابي لصالح المناطق الهشة للقضاء على الفارق التعليمي .

- وضع معايير واضحة و تلقائية للتحويلات و التقدمات و الترقيات و التعيينات في القطاع ، و تفعيل نظام العقوبة  و المكافأة ، و تنظيم ندوات و ملتقيات دورية لتبادل الخبرات  بين الخبراء و المدرسين. 
- القضاء على مدارس الامتياز و المدرسة العسكرية ، لجعل تلاميذ الجمهورية في نفس الظروف دون تمييز  ، و فرض زي موحد و رفع العلم يوميا ، و حفظ النشيد الوطني و معرفة الرموز الوطنية ، من أجل غرس روح الوطنية و المساواة بين الأجيال .

 

 

أستاذي الكريم إسلمو أشكركم جزيل الشكر على الوقت الذي خصصتم لنا رغم المشاغل.