تم إعداد هذا الكتاب بناءا على مذكرة للحصول على شهادة "دبلوم الدراسات العليا للتكوين في إدارة الأعمال" في جامعة باريس 1 – بانتيون - صوربون Paris 1-Panthéon - Sorbonne. و كان يحمل عنوان : "تمويل التجارة الخارجية في موريتانيا". و في شهر فبراير الماضي، تم الاتصال بالكاتب من قبل المسئولة عن القراء في طاقم التحرير في "الإصدارات الجامعية الأوروبي" Editions Universitaires Européenne – EUE، و أبلغته أن المذكرة لفتت انتباههم وعرضت عليه نشرها. فقام الكاتب بإعادة النظر في هذا العمل وتحديثه على ضوء التطورات التي حصلت على مدى السنوات ال 20 الماضية. حيث تمت إضافت الجزء الاول و مراجعة شاملة للجزء الثالث، وتم نشر الكتاب يوم 01 يونيو 2015 تحت عنوان: "النظام المصرفي الموريتاني وتمويل التجارة الخارجية".
بعض النقاط التي أثيرت في الكتاب
النظام المصرفي هو محرك التنمية. هذه الحقيقة تنطبق بشكل خاص على تنمية القطاع الخاص. و أما دور القطاع العام فهو يتمركز حول التنظيم والإشراف على القطاع الخاص للحفاظ على المصالح العليا للبلد.
إن القطاع المصرفي من خلال قدرته على تعبئة الموارد المالية والتنظيم الذي يحظى به والصرامة التي تميز النصوص و التطبيقات المتعلقة به، وقدرته على تجاوز الحدود الجغرافية، و الثقة التي يحظى بها لدى الشركات الوطنية والشركاء الأجانب والمستثمرين، أصبح في الواقع، وبعيدا عن أية اعتبارات سياسية، المسئول الأول عن وجود ومستوى و نمو المبادرة الخاصة، التي بدورها تمثل قاطرة النمو والتقدم التكنولوجي والصناعي في مختلف القطاعات.
إن المصرف مؤتمن على موارد ومدخرات الأفراد والشركات الخاصة منها و العمومية الوطنية و الأجنبية. و هذا الامتياز يحمله مسؤولية قانونية و خلقية اتجاه زبائنه و الدولة و المجتمع. حيث يحظر عليه التلاعب بالأموال المودعة و إساءة التصرف فيها: كاستعمالها لأغراضه الخاصة بعيدا عن الحدود و الرقابة اللذين يفرضهما القانون، أو المخاطرة بها كاستعمالها في عمليات غير مرخص لها و لا توجد فيها شفافية و ضمانات كافية. و يحظر أيضا على المصرفيين استعمال الموارد و المعلومات التي يحصلون عليها بفصل موقعهم للقيام بمنافسة غير مشروعة لزبائنهم و للجمهور بصفة عامة.
إن المصارف تشارك في إنشاء العملة، والتضخم، وقد تساهم بسياساتها في إضعاف أو تقوية النسيج الاقتصادي للبلاد.
وهي من هذا المنوال تدير مصلحة ذات طابع عمومي، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنظام العام، ولا يمكن تحت أي ظرف من الظروف أن تعامل على أنها مؤسسات خصوصية، شأنها شأن المتاجر و الدكاكين العادية.
إن دور النظام المصرفي وفقا للوائح وممارسات القطاع المتفق عليها عالميا، تتمحور في تعبئة الموارد المالية المستقرة شيئا ما و استخدامها لتمويل المشاريع والمبادرات المجدية لأجل توليد الموارد اللازمة لتمويل النمو والتنمية بشكل عام.
أين تقع البنوك الموريتانية من هذا المنطق؟
في محاولته للإجابة على هذا السؤال وغيره، قسم الكتاب تاريخ النظام المصرفي إلى ثلاث مراحل، كل واحدة منها تعكس التطلعات و الممارسات الرئيسية للنخب التي كانت مسئولة أنذاك عن القطاع و عن الشأن العام بصفة أكثر شمولية.
المرحلة الأولى تمثل ولادة وترسيخ النظام المصرفي في بيئة ناشئة. و قد عرفنا هذه المرحلة، للأسباب التي ذكرناها في كتاب بعنوان: "البنوك الحكومية -"مولود ميت" أو "النهب المنظم للموارد المصرفية".
المرحلة الثانية هي خصخصة القطاع: حيث نشهد دخول رأس المال الخاص والتسيير الحر. و قد تم تعريف هذه المرحلة ب"خصخصة البنوك ومسخ والوظيفة المصرفية من خلال انتشار المجموعات المالية. "
وتتميز هذه المرحلة بظاهرة خطيرة بشكل خاص. إذ أن المصرفيين الجدد دأبوا، فور و صولهم إلى الموقع الذي يمكنهم من اتخاذ القرارات، باستعمال الموارد المالية المتجددة (ودائع القطاعين الخاص و العام) على إنشاء سلسلة من الشركات في جميع قطاعات الاقتصاد (الصيد، العقارات، والبناء والأشغال العامة، المياه والكهرباء، تمثيل الماركات التجارية، التجارة العامة ...)، من أجل تنفيذ المشاريع الممولة من قبل الحكومة وشركاء التنمية في تلك المجالات، وتوفير السلع والخدمات، وذلك بهدف زيادة ثرواتهم الخاصة على حساب أصحاب الودائع، ودافعي الضرائب والدولة، حيث يستعملون الموارد المالية المؤمنة في رقابهم (الودائع) لأغراض غير قانونية و في تستر محكم للتهرب من رقابة السلطة الوصية و من مرافق الضرائب.
و قد تم انتهاك الحياد المصرفي خلال هذه الفترة بشكل دائم و منتظم.
أصبح المصرفي، عوضا عن قيامه بتمويل حاجيات أصحاب المبادرات و المشاريع الاقتصادية و الصناعية، يواجههم بمنافسة شرسة، غير عادلة و غير مشروعة. إن المصرفي هذه الوضعية يوفر ائتمان متواصل لشركاته في الوقت الذي يضع جميع العراقيل و يغالي في اتخاذ التدابير الاحترازية و يرفع معدل الفوائد إلى حد يمكنه في المستقبل القريب من الاستيلاء عن أي نشاط خارج مجموعته عن طريق الحجز ثم التمليك، خاصة و أن لديه جل المعلومات المتعلق بالنشاط المستهدف.
المرحلة الثالثة " الجيل ثالث أو "البنوك الجديد"
منذ عام 2005، منحت ثمانية (8) تراخيص جديدة، من بينها أربعة (4) لبنوك أجنبية، وبذلك وصل عدد البنوك التجارية العاملة في البلاد إلى ستة عشر (16). ويبدو أن هذا الإجراء يعكس عدم ثقة السلطات الوصية على قدرة بنوك الجيل الثاني في دعم التنمية في البلاد و النهوض بالاقتصاد، وقد فشلوا في ذلك فشلا ذرعا على مدى العقود الماضية.
أمام استحالة إعادة هيكلة العقليات وتغيير منطق هذه البنوك، التي عاشت، منذ نشأتها، على حساب الدولة، بالاستخدام المفرط لقدرتها على خلق العملة النقدية واستعمالها السيئ لتجريد الخزينة العامة من آخر أوقية يمكن الاستيلاء عليها، لم تجد السلطات المالية خيار آخر سوى اعتماد مصارف جديدة لكسر احتكار الجيل الثاني و إعطاء فرصة للمنافسة الحرة أن تقوم دور "الانتقاء الطبيعي" لبنوك الجيل الرابع الذي قد يرقى تحت رقابة محكمة و شفافية لازمة إلى القيام بدوره في التنمية بشكل صحيح.
إن الرخص الجديدة تعكس تنوع أكبر لمالكي أسهم البنوك المعنية، الأمر الذي قد يساعد في خلق التوازنات لتعزيز الرقابة الداخلية و الفعالة في تسيير البنوك.
إنه إضافة إلى ما سبق ذكره، فقد اتخذت تدابير و إجراءات من طرف سلطات الوصاية و القضاء، تدعم ما ذهب إليه الكتاب في بحثه عن أسباب التغيرات التي عرفها القطاع في العقد الجاري. إذ تم سحب اعتماد إحدى المؤسسات المالية (FCI)، و تفليس و تصفية أحد البنوك الجديدة بسبب التوقف عن الدفع (موريس بنك)، كما تم توجيه أنذار لأحد البنوك بالإلتزام بالقواعد المعمول بها تحت التهديد بتعين مسير" (GBM) .
هذه التدابير، بالتناغم مع التحقيقات و الملاحقات التي هزت البيئة الاقتصادية والمالية، بشكل عام، شكاة ضربة قوية للتيار المحافظ. و قد تكون إعلانا عن تغييرات كبيرة من شأنها أن تضع حدا للخمول والتراخي الذين تضرر منهم القطاع منذ نشأته.
ومن بين تلك التغيرات ينبغي ذكر سلسلة من عمليات التفتيش والتحقيقات مع المحاسبين العموميين المتورطين، و مسئولي الوزارة و الخزانة العامة، وكبار المديرين التنفيذيين للشركات والمؤسسات العامة، والحكم بمسؤوليتهم من قبل المحاكم. وقد عززت هذه الإجراءات لدى المواطنين (المحايد) الشعور بنهاية الإفلات من العقاب الذي كان يشكل القاعدة، ويعطيه انطباع أن حربا مفتوحة ضد جريمة "ذوي الياقات الأيضاء" قد بدأت منذ حين.
هل استوعبت النخب الفكرية من و سياسيين و مثقفين و رجال أعمال و تجار ... مضمون و أبعاد هذه الرسالة؟
هل تستطيع البنوك الجديدة أن تعيش و تنموا، خارج منطق البنوك القديمة التي ولدت و عاشت في وضعية "العاجز" الذي يتلقى الدعم من دافع الضرائب، الذي أدمنت تلك البنوك على امتصاص كل قطرة من العرق تسيل على جسده المتيبس"، حيث تظهر هذه البنوك في بعض الأحيان نموا كاذبا مبني على حساب الدولة التي أنفقت المليارات من الأوقية تم الاستيلاء عليها بشتى الوسائل المنافية للقانون؟
الفوز بالرهان ليس مؤكدا و الحذر من باب الحيطة أحرى.
هذه النقاط، وغيرها تم تناولها في الكتاب.
و قد حاول الكتاب أن يحمل تحليلا موضوعيا، يستند إلى وقائع وأفعال وقرارات عملية، فهو يصف الماضي والحاضر كما وقعا ويضعهم في مقارنة، ليبرز بطريقة موضوعية التقدم أحرز منذ استقلال البلاد إلى يومنا هذا و يستشرف الخيارات المتاحة في ظل تأثير الماضي و الحاضر على المستقبل القريب.
وقد تم، أيضا، تناول بعض قضايا الساعة في هذا الكتاب، بشكل مباشر أو غير مباشر. و من بين تلك القضايا الإحصاء البيومتري، ومكافحة الاختلاس وإساءة استخدام المنافع العامة، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ...
وتطرق الكتاب، أيضا لقطاع الصيد البحري الذي نوقش من زاوية تكتشف الإساءة التي تعرض لها والتي أودت بحيوية و مستقبل هذا القطاع، الذي يقول بعض الاقتصاديون عنه أن مساهمة في نمو و إثراء البلاد يمكن أن تتنافس مع تدفقات النفط و آثاره في دول الخليج.
إن أي معلومة مذكورة في هذا الكتاب، تستند إلى مصدر خارجي موثوق وفي بعض الأحيان إلى مصادر رسمية. وأما الأحكام و المواقف الصادرة فإنها تحاول أن تتماشى قدر الإمكان مع ما تمليه قراءة موضوعية غير متهاونة.
و قد وصلتنا طلبات بتعريب الكتاب و نرجوا من الله التوفيق لعمل الخير.
يمكن الحصول على الكتاب على عنوان "دار النشر الجامعي الأوروبي" : www.editions-ue.com
متوفر في انواكشوط في مكتبة 15-21 وفي نواذيبو مكتبة المنار
الكاتب : عمر محمد المختار الحاج
محامي