تصاعدت حدة الرد الروسي الاقتصادي على عدم اعتذار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على إسقاط الطائرة الروسية، فقد وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً يفرض مجموعة واسعة من العقوبات الاقتصادية على تركيا، الأمر الذي يظهر مدى غضب الكرملين، بعد أربعة أيام على إسقاط أنقرة الطائرة الروسية.
وذكر المرسوم، الذي دخل حيّز التنفيذ على الفور، أنه سيتم فرض حظر على رحلات الطيران العارض من روسيا إلى تركيا، وسيكون على شركات السياحة الروسية التوقف عن تنظيم رحلات إلى تركيا، فيما أضاف إن أي واردات تركية غير محددة المصدر ستعتبر غير قانونية، بالإضافة إلى وقف أو تقييد أنشطة اقتصادية لشركات وأفراد أتراك.
وتحدث المرسوم، الذي نشره الكرملين على موقعه الإلكتروني، عن الحاجة إلى حماية الأمن القومي الروسي والمواطنين الروس من «أنشطة إجرامية وغير قانونية أخرى». وفي المرسوم أيضاً، أمر بوتين الحكومة بإعداد قائمة بالمنتجات والشركات والوظائف التي ستسري عليها القرارات، فيما يجري تطبيق بعض هذه الإجراءات بالفعل بشكل غير رسمي. وفي السياق، أشار المرسوم الرئاسي إلى منع استقدام الأيدي العاملة التركية اعتباراً من مطلع العام 2016. ويقضي المرسوم، كذلك، باستئناف العمل بنظام «الفيزا» مع تركيا من جانب واحد، اعتباراً من بداية العام المقبل.
وتبيع تركيا لروسيا، بصورة أساسية، أغذية ومنتجات زراعية وأقمشة، بالإضافة إلى كونها من المقاصد السياحية الشهيرة للروس. وذكرت وكالة «إنتر فاكس» للأنباء، نقلاً عن مصدر حكومي قوله إنه يتوقع أن تنشر الحكومة قائمة بالواردات المحظورة اليوم.
وقال المتحدث باسم بوتين، ديمتري بيسكوف، قبل ساعات من نشر المرسوم، إن «هذا الظرف غير مسبوق. هذا التحدي لروسيا غير مسبوق. لذا، وبشكل طبيعي سيكون رد الفعل على قدر هذا التهديد». وأشار المتحدث باسم بوتين إلى أن الرئيس الروسي مستعد لمواجهة تستمر لفترة أطول، مؤكداً أنه «مستنفر تماماً» لمواجهة ما وصفه بتهديد غير مسبوق من جانب تركيا.
ووقّع بوتين المرسوم قبل يومين على انطلاق قمة تغير المناخ في باريس، التي قال إردوغان إنها قد تمثل فرصة لإصلاح العلاقات مع موسكو. وفي هذا الإطار، قال بيسكوف إن بوتين على علم بطلب تركي له بالاجتماع مع إردوغان، لكنه لم يقدم أي دلالة على إمكان عقد مثل هذا الاجتماع. وأضاف بيسكوف لبرنامج «نيوز أون ساترداي» التلفزيوني الروسي «لا أحد يملك الحق في إسقاط طائرة روسية غدراً من الخلف»، واصفاً الدليل التركي الذي يزعم بأن الطائرة الروسية اخترقت المجال الجوي التركي بأنه «رسوم كرتونية».
وذكرت وكالة «تاس» للأنباء أن بيسكوف تحدث أيضاً عن «مصالح معينة» لابن إردوغان في صناعة النفط، وذلك بعدما سبق لبوتين القول إن نفطاً ينقل من أراض سورية يسيطر عليها تنظيم «داعش» يجد طريقه إلى تركيا.
في مقابل ذلك، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول تركي بارز قوله إن «العقوبات لن تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة بين البلدين». وصرح المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان كورتولموش بأن أنقرة تدرس إجراءات في ضوء الخطوات الانتقامية من جانب روسيا، كما نصحت وزارة الخارجية التركية مواطنيها بتأجيل أي رحلات غير عاجلة إلى روسيا.
وفيما كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد صرح سابقاً بأن تركيا لن تعتذر عن إسقاط الطائرة، وأنها استخدمت حقها في الدفاع عن مجالها الجوي، بدا السبت كأنه يستخدم لغة أقل حدّة، فقد قال إن الحادث أصابه أيضاً بالحزن، معرباً عن أمله بإصلاح العلاقات مع موسكو، من خلال القنوات الدبلوماسية.
وفي خطاب صُوّر تلفزيونياً في مدينة باليكشهير في غرب تركيا، أضاف «نحن نشعر بالحزن حقاً بسبب هذا الحادث ... لم نكن نتمنى حدوث ذلك، لكنه حدث للأسف. آمل ألا يحدث مرة أخرى. لم تكن تركيا أبداً تفضّل إثارة توترات واشتباكات، ولن نكون كذلك أبداً». إلا أن الرئيس التركي لم يصل إلى حد الاعتذار، الذي طالبت به روسيا. وقال «طالما لا تتعرض حقوقنا السيادية للانتهاك فسوف يستمر كفاحنا من خلال القنوات الدبلوماسية ملتزمين بالقوانين والاتفاقات الدولية، ونأمل ألا تنمو التوترات مع روسيا وتؤدي إلى مزيد من الحوادث المؤسفة».
من جهة أخرى، سيزور رجب طيب إردوغان قطر يومي 1 و2 كانون الأول المقبل، تلبية لدعوة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وقالت مصادر في الرئاسة التركية إن الزيارة ستشهد انعقاد الاجتماع الأول للجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين، التي أنشئت بعد توقيع إردوغان وآل ثاني، مذكرة تفاهم مشتركة بهذا الخصوص، في العاصمة التركية أنقرة، في 19 كانون الأول 2014.
في غضون ذلك، أعرب وزير الخارجية القطري خالد بن محمد العطية عن ثقته بأن «تركيا وروسيا ستجدان طريقة للحل السياسي والدبلوماسي».