الإعلام نت - رأي: في ظل الظرفية السوسيو-إقتصادية الهشة بشكل فاضح كثيرا ما يتعرض الأشخاص البالغين-الراشدين- للعنف أو النشل من طرف بعض الأطفال و المراهقين الذين تكالبت عليهم الظروف المعيشية القاهرة من جهة و التربية الاسرية المنعدمة من جهة أخرى بالإضافة إلى إنتهاك المجتمع لحقوق الإنسان بشكل عام و حقوق الطفل بشكل خاص و بشكل أخص و اكثر خصوصية حقوق الأطفال الموجودين في حالة هشاشة، فقل يوم و لم تستيقظ العاصمة على جرائم تتسم بأفعال عنيفة تصل للقتل و حرق الأشخاص بالإضافة إلى تنامي معدلات الإغتصاب و القتل الذي يصاحبه في العديد من الحالات، هذه السادية العنيفة التي باتت تطبع الجرائم بشكل متنامي و متسارع ترجع في جوهرها إلى الكثير من الأمور التي تشكل محفزات على إرتكاب الجرائم سواء كان ذلك من طرف الأطفال و المراهقين أو من طرف البالغين الذين يشكلون وقودا لتنامي معدلات الجريمة.
بالرجوع للاطفال و المراهقين فمن المعروف أنهم يعتبرون دائما في حالة هشاشة لأمر الذي يجعلهم في حاجة دائمة للحماية من العنف المركب و الذي يختصر عادة في عبارة ( VEDAN). و عبارة عن كلمة مركبة من خمسة أحرف يشكل كل واحدة منها على حدة بداية نوع من انواع العنف ضد الأطفال و هي : Violence العنف ، Exploitation الإستغلال، Discrimination التمييز، Abus التحرش و Négligence التي تعني الإهمال. و من المعروف أن حاجيات الاطفال للحماية من العنف المرتكب في حقهم يعتبر حقا طبيعيا لهم و واجب على بقية أفراد المجتمع و بشكل خاص دعاة حقوق الإنسان و الفاعلين في نظام حماية الطفل بشكل أخص.
الأطفال و على الرغم من وجودهم الدائم في حالة هشاشة و وجود ترسانة قانونية خاص تحكم طرق التعامل معهم بقصد حمايتهم و مواكبتهم إلا أن الكثير منهم نتيجة لوجوده في بيئة غير سليمة يطور طرقا ذكية لإرتكاب و تنفيذ أعمال خطيرة تبدأ بالسرقة و لا تنتهي بتعاطي المخدرات و القتل، و لأن الحاجة أم الإختراع فأطفال الهامش غالبا ما يطورون طرقا توصلهم لأهدافهم ، فمثلا في أيامنا هذه صار الاطفال يعدون المؤثرات العقلية بأنفسهم سواء كان ذلك عن طريق شرب الكحول المعقم للجروح أو عن طريق إستخدام نوعية من الأمساك التي تمنحهم النشوة، و آخر إكتشافاتهم السلبية هو الخليط المدمر الذي يعيدونه عن طريق وضع الأدوية التي تمنح لمرضى القلب و اصحاب الآلام القوية حيث يقومون بوضح هذه الحبوب داخل علبة مشروبات غازية ثم تناولها و النتيجة الكارثية هي ان الاطفال يصلون لحالة عالية من السادية تجعلهم دمويين و عنيفين بشكل مبالغ فيه و الأدلة على ذلك كثيرة كإرتفاع معدلات جرائم القتل لأتفه الأسباب و انتشار الإغتصاب و خاصة ضد الأطفال و هو أمر يدعوا للقلق و التبصر و التعمق في تشخيص هذه الظواهر المخيفة و ذلك بالتركيز على المستويين الإجتماعي و الإقتصادي.
_____
*شاهد عيان*
و انا امر هذا الصباح بدوار العيادة المجمعة ( أكلينك) لمحت مراهقا مفتول العضلات و هو يدخل يده في جيب أحد المارة ناشلا لمحفظته بإحترافية عالية و سرعة غير اعتيادية. إلتفت المراهق -النشال- بشكل تلقائي ليدرك أني شاهدت كل ما حدث. هذا الأمر أربكه و دفعه لإسقاط محفظة الضحية -شاب ترسم ملامح البراءة و الطيبة على محياه- بشكل متعمد مبديا نوعا من التراجع التكتيكي عن مواصلة عملية النشل او على الأقل محاولة قراءة أفكاري كشاهد على ما حدث فبحسب خبرة هذا النوع من الأطفال و الاحداث المماثلة كثيرة ربما اكون إنتهازيا احاول الإستيلاء على غنيمته فقط و هو طبعا لن يسمح بذلك! و حتى لا تحدث بلبلة كبيرة و يتحول تدخلي إلى فعل سلبي قمت بخفة بتنبيه الشاب -الضحية- إلى محفظته ليأخذها و يتفحصها في صمت و سلمية ترجمها تغاضيه عن تفاصيل سقوطها و عدم سؤاله عن الذي الحديث مكتفيا بالدعاء لي و له و لجميع المسلمين. و بعد ذلك اشرت على المراهق الذي على ما يبدوا أعتاد الفشل و النجاح في هكذا مهام مراهقاتية فتوقف بثقة عالية وسط جموع الكادحين و كأن الأمر مجرد حادث اعتراضي! ...إنتهى
في الحقيقة كفاعل في نظام حماية الطفل - خبرة ميدانية في المجال كمقدم خدمات لليونيسيف في اطارة مشروع تحت وصاية وزارة الشؤون الإجتماعية و الطفولة و الأسرة- فهمت نفسية المراهق و تفهمت الأمر غير المبرر الذي قام به. و بالإستناد إلى تجربتي في مجال مواكبة و دعم الأطفال (المراهقين) و الشباب على المستوى النفسي و الإجتماعي تمكنت من إحتواء مشكل الطفل و بالتالي تقديم النصح له بشكل مختصر ليتفهم الأمر و يشكرني بروح منكسرة و ألم يعتصر في القلب و بعدها واصل كل واحد منا طريقه لتبقى الأسئلة التي تطرح نفسها هل قمت حقا بالتصرف الصحيح و ذلك من خلال تغليبي لمبدأ المصلحة العليا للطفل بمنحه فرصة للتغيير و عدم دخول السجن على الإستعان برجال القانون المنتشرين في المنطقة؟ أم انه كان ينبغي تجاهل الجانب الإنساني و تطبيق القانون الذي يعاقب على السرقة و لا يفرق بين قيمة الأشياء المسروقة؟ ما هو دور نشطاء حقوق الإنسان في هكذا حالات؟ و ما هي الآليات النموذجية لتحديث المصلحة العليا للطفل؟
في الحقيقة الكثير من النشطاء الحقوقيين و دعاة حقوق الإنسان تغيب عنهم أهم المباديء التي أسس عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الأمر الذي يدفعهم لإرتكاب هفوات كبيرة تكون في العادة عن حسنة نية و جهل بالآليات المثالية و لعل الدليل على ذلك نشر صور الضحايا و معلوماتهم الشخصية التي تنص مباديء الحماية على أنها ينبغي ان تدخل في خانة سرية المعلومات كذا التعامل الإعلامي الذي يصاحب الكثير من حالات العنف ضد الأطفال الذي يحفز أهالي الضحايا على التكتم على الإنتهاكات خوفا من نظرة المجتمع السلبية خاصة حين يتعلق الأمر بالإغتصاب. إن الحقيقة البديهية هي كون احد أهم فروع حقوق الإنسان هي حقوق الطفل التي تم تلخيصها في "اتفاقية حقوق الطفل" التي يحتفل هذه الأيام بالذكرى 31 لتوقيعها ، و تتضمن هذه الإتفاقية مبدء مهما جدا هو مبدأ مراعاة المصلحة العليا للطفل و الذي يعد أولى ركائز حماية الأطفال المعرضين للخطر، هذا المبدأ للاسف يغيب عن الكثير من ضحايا العنف و الجرائم المرتكبة من طرف هؤلاء الاطفال حيث يلجؤون في العادة لسلطة القانون و هذا حقهم الطبيعي كضحايا ، و لكن الأمر السيء هو ان هذه الخطوة ينتج عنها تعريض الطفل (المراهق) لخطر الإنحراف و الإعتياد على مخافر الشرطة و مفوضيات القصر و ولوج مراكز تأهيل و دمج الأطفال التي تعتبر بمثابة رصاصة الرحمة حيث يخرج الطفل في الغالب مجرما مع وقف التنفيذ، و هو ما يؤدي في النهاية إلى إكتساب المراهقين مناعة سلبية ضد النظم الأخلاقية التي تتنافي مع العنف و النشل و السرقة و بالتالي إعتناق فكر الجرم العنيف. و دورنا كدعاة حقوق الإنسان هو مناهضة كل الإنتهاكات و سد الذريعة ثم السعي لإغلاق الأبواب امام كل ما يؤدي للإنحراف و ولوج عالم الجريمة التي باتت اليوم تتسم بالعنف المبالغ فيه من طرف المجرمين الذين يرتكب أغلبهم جرائمه تحت تأثير المخدرات و المؤثرات العقلية و الشواهد على ذلك كثيرة. هذه الامور مجتمعة ينبغي على النشطاء في مجال حقوق الإنسان الإلمام بها و اخذها بعين الإعتبار خاصة حين يتعلق الأمر باحداث يكون الأطفال طرفا فيها، و يبقى تحديد المصلحة العليا للطفل من مسؤوليات الفاعلين في نظام حماية الطفل من حقوقيين و موظفيين و مرشدين اجتماعيين و رؤساء و أعضاء جمعيات المجتمع المدني العاملة في الميدان.
عبد القادر محمد، إقتصادي وناشط حقوقي