تحاول بعض المصادر الإعلامية وبعض التحليلات السياسية أن تضع اسم موريتانيا على رأس قائمة الدول التي يُقال بأنها ستطبع قريبا مع العدو الصهيوني. لا أملك ـ بكل تأكيد ـ أية معلومات عما يدور في مطبخ الخارجية الموريتانية، ولكن ذلك لن يمنعني من محاولة الإجابة على السؤال العنوان بمنطق تحليلي بحت يعتمد على التحليل والاستنتاج أكثر من اعتماده على المعلومات. يمكن القول ـ وبالمنطق التحليلي البحت ـ بأن موريتانيا كانت أكثر قربا إلى التطبيع في الأسابيع الماضية منها في الوقت الحالي أو في المستقبل القريب. لقد واجهت موريتانيا ضغوطا قوية خلال الفترة الماضية لتكون ضمن "الدفعة الأولى" من لائحة المطبعين، وقد جاءت هذه الضغوط من الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، ومن دولة الإمارات الشقيقة التي تربطها علاقات قوية مع موريتانيا. فمن الراجح جدا أن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته قد مارس خلال الفترة الماضية ضغوطا قوية على موريتانيا ليزيد بها لائحة الدول التي استطاع أن يجرها إلى التطبيع من قبل مغادرته للسلطة، ومن الراجح أيضا أن دولة الإمارات قد مارست هي الأخرى ضغوطا قوية على موريتانيا لتزيد بها عدد الدول التي جرتها إلى مشروعها التطبيعي، فمن المعروف بأن المشروع التطبيعي الحالي تقوده دولة الإمارات وهو "محسوب لها". لقد تمكنت موريتانيا أن تتجاوز تلك الضغوط القوية، وأن تنجو من التطبيع في الفترة الماضية التي كانت صعبة جدا، فكيف لا تنجو منه الآن، والرئيس اترامب الذي كان يمارس الضغوط من أجل التطبيع سيترك السلطة، ولن يُمارس خلفه ـ حسب أغلب المحللين السياسيين ـ نفس الضغوط التي كان يمارسها سلفه على بعض الدول العربية من أجل جرها إلى التطبيع مع العدو الصهيوني. كما أن الإمارات لن تمارس مستقبلا نفس الضغوط التي كانت تمارسها في آخر أيام اترامب، ذلك أن الإمارات والسعودية ومصر ستنشغل في الفترة القادمة بتحسين علاقتها مع بايدن الرئيس الأمريكي الجديد الذي انتصر انتخابيا على الحليف اترامب، ولن يكون جر الدول إلى التطبيع مع العدو الصهيوني هو أولوية بايدن في المرحلة القادمة. لقد قاومت موريتانيا ضغوطا قوية في آخر أيام اترامب، وتمكنت بذلك من النجاة من شر التطبيع، فكيف لا تتمكن من مقاومة الضغوط في عهد بايدن، هذا إن سلمنا بوجود تلك الضغوط، وحتى إن سلمنا بوجود تلك الضغوط، فإنها ستكون ـ في كل الأحوال ـ أقل حدة بكثير من الضغوط التي مورست في آخر أيام اترامب في السلطة. في اعتقادي بأن هناك ثلاثة عوامل قد تجعلنا نستبعد من الناحية التحليلية البحتة أي تطبيع قريب لموريتانيا مع العدو الصهيوني، وهذه العوامل الثلاثة هي : 1 ـ أن الضغوط على موريتانيا مستقبلا لن تكون بحجم الضغوط عليها في الأسابيع الماضية، وهذا ما بيناه في الفقرات السابقة من المقال، ولذا فما دامت موريتانيا قد تمكنت من تجنب شر التطبيع في الفترة الماضية، فإن احتمال تجنبه في المستقبل القريب سيكون أقوى. 2 ـ صحيحٌ أن المملكة المغربية قد طبعت، ربما مقابل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادتها على الصحراء الغربية، ولكن الصحيح أيضا هو أن المغرب العربي الكبير لا زال في أغلبه خارج دائرة التطبيع، ولذا فبإمكان موريتانيا مستقبلا أن تربط موقفها من التطبيع بموقف الدول المغاربية فإن طبعت تلك الدول طبعت هي، وإن رفضت تلك الدول التطبيع رفضته هي. 3 ـ من الراجح أن ملف التحقيق سيحال قريبا إلى القضاء، ومن المعروف بأن الرئيس السابق كان قد قطع العلاقات مع العدو الصهيوني، ومن المعروف أيضا بأن الشعب الموريتاني شديد الحساسية اتجاه أي شكل من أشكال التطبيع. يعني هذا بأن أي خطوة في اتجاه التطبيع في الفترة القادمة ستكون بمثابة أكبر هدية يمكن تقديمها للرئيس السابق قبل أو خلال فترة إحالة ملفه إلى القضاء. حفظ الله موريتانيا.. محمد الأمين ولد الفاضل [email protected]