مبروك لكل الراسبين..
وحظا أوفر للناجحين
فعام آخر على كرسي الدراسة افضل من عام قادم على رصيف الانتظار.
ما حصل هو مجرد تأجيل موفق للتخرج والبطالة والزواج.
تخيل عزيزي الراسب أنك ستتزوج بعد صديقك الناجح بعام، وأنك ستشغل الكثير من وقتك بالشغف في الجامعة بينما يعاني الناجح من فرط الملل والاحساس المر بالفراغ.
عزيزي الراسب، لقد بذلت جهدا موفقا من أجل رسوبك.
فلم تفوت سهرة ممتعة ولم تكدر صفو ساعاتك بالمطالعة.
لقد منحت وقتا للحياة بإضافة بعض السعادة لبواكير حياتك.
ستتذكر ذلك لاحقا وتضحك متمنيا أن تسترجع فسح الصعلكة التي جعلتك ترسب بجدارة.
علينا جميعا أن نتعاطف مع الناجحين
فما لا يدكونه، هو أنهم وضعوا خطوتهم الأولى في متاهة الضياع.
بعد أشهر قليلة سيجدون أنفسهم في الجامعة، وسيحدثهم المخضرمون هناك، عن الاضرابات والاتحادات الطلابية والعرائض المطلبية، وسيكتشفون الخصومة والخصوم، وسيتعرفون على اعدائهم الأبديين في التيارات والأحزاب، وسينشغلون باجتماعات كسر العظم وقلب الطاولة والصاع الذي يرد صاعين.
وسيحتكون لأول مرة بهرطقة الأحلام ويسمعون حديثا عن الحلم الوظيفي والاكتتابات والمؤمرات والساطات والزواج .
وسيتعرفون على الحب الأول ويتجرعون الغيرة الأولى والانكسار الأول والخيبة الأولى..
سيقتني اغلبهم علبة سجائره الجديدة وسيعيش صراعه الجديد مع الأسرة التي بات عليها أن تعتني بمظهره الخارجي بمايترتب عن ذلك من تبعات مالية.
في الجامعة سيتأكد من مصيره وتتحسس يداه مجسم معاناته طوال العمر..
- الحاجة للمال وتحصيله ( وسيغني كثيرا على سنوات الطفولة والجيب الخاوي)
- " كراكر" العلاقات مع الجنس الآخر التي ستنتهي لاحقا ( لحظة خروج روحه من جسده) .
عزيزي الراسب، لقد فزت بعام إضافي من حياتك ما قبل القذرة.
وكل ذلك كان بمجهودك الخاص، فلم يساعدك والدك ولا اسرتك ولا استاذك في الأمر.
وحدهم رفاقك المخلصون للحياة والشغف ( رفاق السوء) ، من قاموا بمنحك هذا العام الإضافي من الراحة والسعادة.
في العام 97 لم اهتم للبحث عن إسمي في القائمة المعلقة على باب الثانوية العربية.
ولم أحس بلحظة الخيبة، لأنني عومتها افقيا على السنوات القادمة.
فلم أطلب من أحد أن يبحث عن إسمي ولا سألت أحدا عنه.
لست سعيدا بذلك لكنني أيضا لست حزينا فقد كنت أستطيع مغالبة بعض الحائزين على دكتوراه الآداب في ذلك الوقت.
نحن نعيش على مسرح وربما يضعك السيناريو في دور الفاشل.
وكل ما عليك فعله هو أن تتذكر أن اندماجك في الدور وإتقانك له هو من عوامل نجاحك لاحقا.
لذاك عزيزي الراسب
عليك أن تبدي الكثير من الحزن وتتهم الدولة والمصححين وتلعن عام كرونا الذي حطم عامك المفصلي هذا.
وتذكر أن الوزارة فشلت في السيطرة على النتائج واطرح احتمال التلاعب بها.
اصنع دوامتك الخاصة ولا تترك فرصة لأحد أن يلومك، فلابد للأهل أن يتهامسوا عن نفسيتك هذه الأيام وضرورة توفير مناخ مريح لك حتى تستعيد ثقك بنفسك.
باختصار، عليك أن تلعب الدور جيدا لأن مستقبلك لا يعتمد لا على فشلك ولا على نجاحك، وإنما على نوع فشلك أو نجاحك.
وأخيرا تذكر أنك تلقيت تكوينا نفسيا يعزز مناعتك ضد الصدمات القادمة ( وخالك ألا هي من هون لين تموت)، وزميلك الناجح سيكون في لحظة ما أمام المواجهة ولايزال طريا ومبتسما للحياة.
بينما فقدت نصف ابتسامتك ونصف أملك وبزرت مخالبك، كل ذلك نتيجة ما حققته من فشل برسوبك هذا.
وإن بالغت الظروف في إهانة روحك لحظة ما ، فما عليك إلا أن تذكر رؤساء الجمهوريات في العالم الثالث.
وتذكر أن أول قرار يتخذه رئيس الولايات المتحدة هو إخفاء سجل مساره التعليمي وكل َكشوف درجاته .
وفي الختام، ليس عليك أن تتعلم من أخطائك بل عليك أن تنساها.