مما لاشك فيه أن الأخلاق تهدف إلى ترقية سلوك الإنسان وتهذيب المجتمعات وتنظيم العلاقات حتى تسير الحياة "الاجتماعية السعيدة"، ولا يأتي ذلك إلا عن طريق تطبيق وتكريس القيم الأخلاقية من عدل ووفاء لسلوكيات خيّرة، وهذا ما أثار جدلاً كبيراً بين الفلاسفة والعلماء حول معيار القيمة الخلقية فمنهم من يرى أنها تعود إلى المجتمع، ومن يرى أنها تعود إلى العقل؛ ومنه نطرح السؤال التالي : ماهو مصدر القيمة الخُلقية العقل أم المجتمع ؟ يرى أنصار الاتجاه الاجتماعي بزعامة «دوركايــم» و«ليفي بــرون» أن الأخلاق تتميز بالنسبة والتعدد؛ فالفرد ليس مصدر القيم الأخلاقية وإنما هو "الاجتماع الإنساني" لأن الإنسان مدين بطبعه يدين بدين الجماعة ويتكلم بلغة الجماعة، بذلك تعتبر الأخلاق بمنزلة قوانين سنها المجتمع، كما أكد «ليفي» أنه لا توجد أخلاق بمفهوم ثابت ومطلق ويرى «دوركايم» أن الأخلاق إلزامية وجبرية لأنها صادرة عن سلطة المجتمع، لذا يقول : تبدأ الأخلاق عندما تبدأ الإرتباط بجماعة ما؛ ولهذا فالمجتمع المصدر الأساسي للقيمة الخلقية !!. ومهما يكن من نقد لهذا الاتجاه فإننا لاننكر وجهة نظر أنصار هذا الأساس، لكن النظر إلى الأخلاق بوجهة نظر اجتماعية يجعل منها بحسب «برغسون» "أخلاقا مغلقة" تعدم خروجها عن إطار المجتمع الواحد، غير أن الأخلاق تتعدى حدود المجتمعات فهي "إنسانية وعالمية" وهي "أخلاق مفتوحة"، ونجد هذا التصور عند الدعاة والمصلحين والعلماء؛ «إذ تحولت الأخلاق إلى دراسة العادات والتقاليد ليس من بعد أن تتحول إلى الفضائل ومنه فلن يبقى للأخلاق وجود» !!. في حين يرى أنصار الاتجاه العقلي نقيض هذه الأطروحة حيث أن العقل هو مصدر القيمة الخلقية الأساسي لها ومن أهم مايتميز به الإنسان عن غيره وهو الذي يشرع ويضع مختلف القوانين والقواعد الأخلاقية التي تتصف بالكلية والشمولية أي أن تتجاوز المكان والزمان، ويرى «كانــط» أن القيمة الخلقية للفعل تكمن في مبدئه لا في نتائجه وأن القواعد الأخلاقية مصدرها العقل لا التجربة وهذه القواعد تتصف بشروط أولية لمعرفة العالم الحسي؛ فالعقل هو الذي يمدنا بمعنى الواجب الذي يقوم على الإرادة الحرة، كما أن جميع الناس يملكون بالفطرة المبادئ العقلية وحسب «ديكــارت» "الأحكام العقلية العالمية" ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان حيث يقول : "العقل هو أعدل قسمة بين الناس". إذن فالقيمة الخُلقية الحقة هي تلك التي تراعي ثنائية الإنسان العقل والطبيعة البشرية؛ أي ضرورة التوفيق !!!