لا يكاد المخرج الموريتاني عبد الرحمن ولد أحمد سالم يتذكر بدايته مع السينما، "فدور العرض كانت مرابع الصبا وحاضنة الذكريات الأولى"، بلغته الساخرة ودعابته المعتادة يحكي ولد أحمد سالم ذكريات طفولته المرتبطة في أغلبها بالفن السابع وبدار السينمائيين في نواكشوط لاحقا.
يتحدث عن مراوغاته مع والديه اللذين كانا يمنعانه من الذهاب إلى السينما فيتظاهر بالاستسلام، ثم يتسلل إلى قاعات العرض حيث يلتقي أقرانه، ويستمتع بالأفلام رغم أنه لا يفهم لغتها.
مع الزمن –يقول ولد أحمد سالم- "بدأت أشعر بأن هنالك لغة عالمية هي لغة الصورة، أستطيع من خلالها التخاطب مع كل شعوب الأرض فانجذبت إلى السينما وزاد ولعي بها".
لكن هذا الحب اصطدم بالواقع، فقد شهدت السينما سنوات عجافا بفعل تضافر عوامل ثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية دينية زاد من حدة تأثيرها رحيل روادها المؤسسين من أمثال همام أفال ومحمد ولد السالك، وهجرة بعض آخر من السينمائيين الشباب.
أغلقت دور العرض واحدة تلو الأخرى وتحولت إلى محلات تجارية أو عمارات سكنية، وغابت السينما عن ثقافة الجمهور واهتماماته، تماما كما اختفت من أولويات الحكومات المنشغلة بالتقلبات السياسية.
لكن ذلك لم يحطم طموحات ولد أحمد سالم وإن أجلها، فقد ظل -كما يقول- "محكوما بهاجس بعث الفن السابع" فالتحق بالمسرح ثم شارك مع زملائه في تمثيل "إسكتشات" بثها التلفزيون العمومي -تمثيليات قصيرة- اعتمدت أسلوبا كوميديا في تناول بعض القضايا الاجتماعية والسياسية قبل أن يلتحق بالمدرسة الدولية للسمعيات البصرية والإخراج في فرنسا.
أراد نقل تجربته لزملائه فأسس "دار السينمائيين الموريتانيين" التي أخذت على عاتقها إعادة الحياة للفن السابع، والقيام بجهود مصالحة بين الجمهور الموريتاني ولغة الصورة، وتجميع من يوحدهم الإيمان بهذا الفن.
ويقول ولد أحمد سالم إن المهمة الأساسية للدار هي "زرع فيروس لغة الصورة والفن السابع في أكبر قدر من الشباب، وإعادة العلاقة بين الجمهور وهذا الفن، لذلك ركزنا على تكوين الشباب وتشجيع إنتاج أفلام تعالج قضايا تهم الإنسان الموريتاني، تحترم قيمه وتخاطبه بلغته، ولإيصال تلك الرسائل كان أسبوع نواكشوط للفيلم القصير الذي أصبح مناسبة سنوية لها جمهورها المتزايد".
محمد ولد إدومو: الدار كونت جيلا من السينمائيين بموريتانيا (الجزيرة)
من جانبه، يرى مدير أسبوع نواكشوط للفيلم القصير الشاعر محمد ولد إدومو أن أهم ما قدمته دار السينمائيين للفن السابع هو تكوين جيل من الشباب الناطقين بلغة الصورة، وإنتاج عشرات الأفلام، وكسر العلاقة الجامدة بين الموريتانيين والشاشة الكبيرة.
ويقول ولد إدومو في حديث للجزيرة نت إن "الإقبال الذي يشهده أسبوع الفيلم اليوم يؤكد أن دار السينمائيين حققت نجاحا كبيرا في سعيها لإعادة العلاقة بين الموريتانيين والسينما، ففي دورته الأولى كان الحضور لا يتجاوز حوالي ثلاثين شخصا، أغلبهم من الأصدقاء، أما اليوم فحضوره يعد بالمئات ومن مختلف الأعمار والأجناس".
ورغم تلك النجاحات فإن هذه الجهود لم تستطع حتى الآن تطبيع العلاقة بين الموريتانيين والسينما، ولم تتمكن من القضاء على النظرة السلبية تجاه الفن السابع في موريتانيا، حيث تضافرت عوامل ثقافية ودينية واجتماعية لتشكيل صورة نمطية عنه.
ويقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة نواكشوط محمد ولد سيدي أحمد فال بوياتي إن السينما لم تستطع تقديم نفسها "بطريقة تمكنها من التصالح مع البيئة الثقافية والاجتماعية"، فطريقة النشأة وطبيعة المحتوى وضعتاها في تصادم مع المجتمع الموريتاني.
ويضيف بوياتي في حديث للجزيرة نت أن السينما دخلت إلى موريتانيا كجزء من "المدرسة الكولونيالية الفرنسية، إما عن طريق الفرنسيين أنفسهم أو من خلال الدائرين في فلكهم".
ويشير إلى أن مضمونها كان غريبا على المجتمع ثقافيا ودينيا، فلغة الأفلام أجنبية ومضمونها لا علاقة لهما بقضايا المجتمع، والأبطال غرباء في أشكالهم وملابسهم، ومن ثم كانت الصورة التي علقت بالذهنية العامة مرفوضة، على حد تعبيره.