الروسي غاري كاسباروف، بالنسبة للكثيرين، هو أفضل لاعب شطرنج على مرّ التاريخ. الرئيس الروسي #فلاديمير_بوتين يحاول خطف اللقب، لكن على صعيد شطرنج السياسة. كاسباروف معارض شرس لبوتين. لكنّ الكرملين لا يأبه لمعارضة الأوّل. كلّ ما يعنيه ألّا يواجه بمعارضة من رئيس آخر، للصدفة لا يلعب الشطرنج في السياسة، لأنّه ربّما لا يعرف قوانينها.
منذ سنة تقريباً، أخذ السيناتور تيد كروز يلوم ضعف الرئيس الأميركي #باراك_أوباما في مبارزة بوتين، حيث قال: "عرف العالم مباريات كبيرة في الشطرنج. على الصعيد الجيوسياسي، يوشك الروس أن يعرفوا أستاذاً كبيراً في تلك اللعبة، بينما الولايات المتّحدة منكبّة على لعبة الداما".
النائب الاميركي السابق مايك روجرز استرسل أكثر في انتقاد أوباما فقال:"بوتين يلعب الشطرنج، ونحن نلهو بكرات الرخام"(marbles).
بوتين لاعب سيّء!
كريغ سايتل، في مجلّة "فوربس" الاميركيّة، انتقد كلام الرجلين، من زاوية الانجازات التي حقّقتها #الولايات_المتّحدة عبر انضمام دول كانت سابقاً جزءاً من الفلك السوفياتي، الى #حلف_شمال_الاطلسي أو الاتحاد_الاوروبي أو غيرهما. فيذكّر بانضمام بولندا ولاتفيا وليتوانيا وأستونيا الى حلف شمال الاطلسي وباحتمال أن تحذو فنلندا والسويد حذو تلك الدول، بالاضافة الى خطط أوكرانيا للانضمام الى الاتحاد الاوروبي. ويعدّد أمثلة أخرى عن بعض الدول المحاذية للبحر الاسود القريبة من الغرب كتركيا ورومانيا وبلغاريا وجورجيا وغيرها ...
ويضيف أنّ بوتين لاعب شطرنج سيّء. ولتدعيم رأيه أكثر، يستشهد بما قاله توماس فريدمان:
"ضمُّ بوتين للقرم أضعف الاقتصاد الروسي وأعطى الصين صفقة غاز كبرى وأحيى الأطلسي ودفع أوروبا للتفكير في التخلّي عن اعتمادها على الغاز الروسي ... أحسنْت عملاً بوتين. أكثر دولة يهدّدها اليوم بوتين هي روسيا".
خصم بوتين كالأطفال
يصوّر الكاتب جوناثان كيلر، في موقع "أميركان ثينكر" اللعبة السياسيّة من منظار مختلف. فهو إذ يعارض سايتل في تأييده لأوباما، يقدّم مثلاً آخر على طريقة الصراع وإحجام الرئيس الاميركي عن رسم سياسة إيجابيّة لمواجهة بوتين: "في الوقت الذي يحرّك فيه الروس والايرانيّون بيادقهم، عازلين ومهدّدين بيادق الاعداء، أوباما ليس حتّى موجوداً على الطاولة، لكن عوضاً عن ذلك، يتفرّج عليهم بطريقة طفوليّة ..."
كيلر يستعرض الاستراتيجيّة التاريخيّة للغرب في مواجهة الروس ويقارن بينها وبين الاستراتيجيّة الحاليّة التي يعتبر أنّها فعليّاً غير موجودة، بل إنّه لا يعترف حتّى بوجود بقايا لها. فهو يرى بأنّ أميركا خسرت مصر تقريباً وخسرت سوريا وأصبح العالم يعاني من كوارث إنسانيّة وجيوسياسيّة كبرى، لأنّ بوتين عرف كيف يستغلّ الجمود الاميركي. وبالنسبة اليه، نجح أوباما، فقط خلال بضعة أشهر، في تدمير خمسين سنة من التفوّق الغربي في مجال إبعاد روسيا عن شواطئ المتوسّط.
نوبات الغضب والرهان الغبي
يعترف كيلر بالحقيقة التالية:"بما أنّ أوباما مخطئ، تقريباً على الدوام، في ما يتعلّق بالسياسة الخارجيّة، فإنّه سيكون من الغباء الرهان ضدّ بوتين. وينتقد الفكرة القائلة بأنّ التصرّفات الروسيّة مشكلة محلّية لا بعد استراتيجيّاً لها فيؤكّد أنّ دولاً كروسيا وايران والصين وكوريا الشماليّة عندما تواجه مشاكل محلّية تذهب الى حلّها في مناطق النفوذ الاميركي ويضيف:"هي جميعها مشاكل محلّيّة لكن مع نوبات غضب دوليّة". ويوجّه انتقاداً لاذعاً للرئيس الاميركي قائلاً: "إنّ عبارة "غير متكافئ" هي عبارة مفرطة باللطف. أوباما لم يكن موجوداً في اللعبة حتى".
على الرقعة السوريّة، يبدو بوتين واثقاً أكثر في كيفيّة تحريك بيادقه، على عكس أوباما الذي غالباً ما تتناقض تصريحاته مع أفعاله، وأفكاره مع تحرّكات جنوده. وفيما يبقى على العالم بَعد، التكيّف مع هذا التخبّط على مدى سنة كاملة، تبدو مراقبة سياسات بوتين فوق الاراضي السوريّة أكثر من مهمّة. فبعدما نجح في فكّ الحصار المفروض عليه بعد أحداث أوكرانيا عبر خطابه في الجمعيّة العموميّة السبعين للامم المتّحدة، يتّجه الآن الى فكّ الحصار العسكري عن الرئيس السوري بشّار الاسد. ومع أنّه يمكن للطريق أن تكون طويلة قبل تحقيق هذا الهدف، إلّا أنّ لعبة الشطرنج تقضي بأن يخطّط اللاعب لخطوات لاحقة متتالية، لا أن يكتفي بواحدة وهو ينتظر خصمه ليتحرّك، وسيّد الكرملين أجاد فهم القانون ... وتطبيقه.
نقاط قوّة بوتين
مجلّة "ذا ويك" البريطانيّة تشير الى أنّ تصرّفات بوتين تندرج ضمن الواقعيّة السياسيّة. بينما رؤى أوباما تصنّف ضمن تقاطع شائك بين الواقعيّة والمثاليّة الدوليّة. وتضيف أنّ من إيجابيّات بوتين قدرته على "فهم قويّ لنقاط الضعف لدى خصومه وارتياحه لفاعليّة القوّة الصريحة". والجزء الأوّل من هذه الايجابيّة يميّز لاعب الشطرنج المحترف عن ذاك المبتدئ. وترى المجلّة أنّ استخدام بوتين لجيوش الحلفاء وسياسة التدخّل الحاسم جعلت روسيا تسيطر على القرم، أبخازيا وترانسدنستريا المنطقة التي انفصلت عن مولدافيا. "وقطعة وراء قطعة يبدو بوتين أنّه يعيد بناء الكتلة السوفياتيّة" كما تقول صحيفة "ذا وول ستريت جورنال". وفي المقابل فإنّ واشنطن فازت بالقليل وخسرت القليل بحسب "ذا ويك".
لكنّ الأخيرة تؤكّد على أنّ موسكو كسبت الأرض إنّما خسرت بالمقابل صداقة الشعب الاوكراني على مدى جيل بالحدّ الادنى. وخسرت روسيا أيضاً الأوروبّيّين الذين سيذهبون للتفتيش عن مصادر جديدة للغاز حارمين إيّاها من مصادر تمويل مهمّة. ويقول بيتر ويبر في المجلّة نفسها:"انطلاقاً من هذا المعيار، السياسة الخارجيّة لبوتين تعتبر أكثر ترابطاً وأهمّية. لكن كمعظم البشر أفضّل العيش في أميركا-أوباما".
فلننسَ ما ورد في المقدّمة!
يصنّف كثيرون تردّد وغموض أوباما على أنّه تردّد ظاهري يخفي مكيدة مدبّرة لإغراق الروس في الوحول السوريّة والاوكرانيّة. لكنّ التصنيف في هذه الحالة لا يجاور الدقّة. وللقارئ خير مثال على ذلك، ما كتبه بهذا الخصوص زبغنيو بريجنسكي صاحب كتاب "رقعة الشطرنج الكبرى: المتطلّبات الأميركيّة ومتطلّباتها الجيواستراتيجيّة". بريجنسكي، وفي تغريدة على التويتر منذ حوالي عشرة أيّام، أوضح مفهوم الغموض في السياسة كاتباً :"الغموض قد يكون غطاء لاستراتيجيّة ما أو علامة على غيابها. يبدو أنّ الولايات المتّحدة تتبع الجزء الثاني من المعادلة في الشرق الاوسط".
ما زال بوتين يثبت حتى الآن أنّه لاعب شطرنج متفوّق على أوباما. ولا بأس من قلب المعادلة الواردة في مقدّمة المقال. فلا يعود الكرملين آبهاً بمعارضة أوباما لسياساته بقدر ما سيكون منزعجاً ربّما من معارضة غاري كاسباروف له.
فبعد ثلاثة أيّام يطلق كاسباروف، الرجل الذي تفوّق في الشطرنج على السوبر كمبيوتر "آي بي أم"، كتابه الجديد:"الشتاء مقبل. لماذا فلاديمير بوتين وأعداء العالم الحرّ يجب أن يتمّ إيقافهم".
وبهذا، يظنّ كاسباروف أنّه عبر كتابه يستطيع القول لبوتين:
! checkmate cesar