إن المتغيرات التي شهدتها البلاد خلال مايقارب العام تقطع في الجواب أن شيئا ما لم يكن عفويا منذ رحلة الرئيس السابق وما كانت هذه الأحداث لتقع لو لم يسافر يوم التنصيب .. كما يقطع هذا العام بأن سياقًا لاهثا من الزمن يعتمد على جناحين هما ازدواجية الوجه والقناع ، .. في هذا السياق يبدو انقلاب ولد القزواني نقيضًا لتجربة الفعل ورد الفعل ، حيث العمل يسبق التخطيط .. والانقلاب في حد ذاته امتداد طبيعي للنقيض الذي كان ينموا داخل هذا البناء !
وإذا كان ولد الغزواني بحكم ميوله السياسية الباكرة في حكمه إلى صف المعارضة ..فقد كانت ملامحه الشخصية التي تطبع الذات الفردية بفكر وسلوك محددين ، من بين العناصر التي وفرت له الحظ في تمثيل هذه القوى المعارضة بهدوء من موقع السلطة العليا !
لذلك لست أميل إلى تسمية ماحدث -منذ 1 اغسطس 2019 وما بعد سفر ولد عبد العزيز - بأنه مؤامرة.. إن ما جرى ليس أكثر من تكريس للانقلاب الصامت الذى وقع سلميا بمجرد غياب ولد عبد العزيز إلي تركيا ..هكذا إذن بدأت المفارقة ، فوق السطح السياسي، صارخة.. فبرنامج الرئيس الجديد شيء مجهول وجملة التعيينات تتناقض أساسًا بين شعار المعلن من اعلى والواقع المتفجر من أسفل .. وقد كانت الواجهات الجديدة - التعيينات - عناصر تؤكد قيام الانقلاب.. لم يكن السؤال وقت ذاك لماذا ؟ بل كان ما هو القادم المجهول ، إذا وثبت من أعماق اللاشعور أحاسيس غامضة تذكر العقل الواعي بأن النظام الجديد بوزرائه بدأ يرسم طريقه ومدلوله الجديد .. فلم يكلف الناس عناء الضحك الساخر وتأليف النكات كما درج الحال في كل تصرفاتهم .. كان الشعور المبهم أن الانقلاب قد تم.. وكأنه لم يتخذ سمته بعد، ولميكتمل تمامه بعد .. ولكن شيئا يمكن شمه في رائحة نهب صندوق كورونا ، ولكن دون أن يلمس لمس اليد .. لقد شعرت الجماهير شعورًاغامضًا ، ازدادت حدته مع الأيام ،بأن موريتانيا كلها تحترق على مراحل ، وقد انزعجت خواطرهم تمامًا لنهب أموال البنك المركزي الذى تلاه البنك القطري ولم يستطع النظام أن يقدم للجماهير ما يسمح لها أن تتنفس عن جزعها المكتوم مما يجري، حتى وقع الحادث الكبير ' رفض ولد عبد العزيز للاستدعاء' ليغطي على الجرائم السابقة فتم توجيه الإعلام الأجير اليه .. و رغم أن التقرير والتحقيق الأمني كلاهما ، إما وجد حارسا مسكينا أو موظفا بسيطا يوجه اليه الاتهام و إلا قُيدت ضد مجهول..
وظلت احداث مشابهة تسيطر على الأحداث من يوم حكم النظام الجديد ، وظلت تتواصل كالقدر العاتي ، لا يملك الناس لها دفعا ولاتفسيرا .. ومرة لم يكن السؤال عمن فعل هذا ، ولا كيف ، بل لماذا ؟ كان التساؤل عن السبب مشروعا أكثر من أي تساؤل آخر عن الفاعل أوالوسائل .. فقد بدت التخبطات في احدى اللحظات وكأنها أمر محتم الوقوع حتى اصبح الناس يستيقظون صباح كل يوم على ما يشبه النكتة مستفسرين عنها !
والشائعة في نواكشوط كالنكتة ، سرعان ما تنتشر كاللهب في أكوام القش من شمال البلاد إلى جنوبها وشرقها إلى غربها .. وهي لا تحتاج إلا إلى الهمس في الأذن دون مناقشة فتصبح كإحدى الحقائق على هذا الفضاء الأزرق .. ولأنها كذلك فهي مثقلة دائما بوجهة نظر جديةمكثفة بالعواطف المنحازة مع أو ضد !
وهكذا جاءت لجنة التحقيق البرلمانية كنتيجة حتمية للتغطية على الأحداث و الأعطاب التي صاحبت هذا النظام منذ البدء .. وجاءت أيضًا لتمارس الضغط على ولد عبد العزيز لعله يُساير النظام الذى يفتقد إلى الأضواء وجاءت أيضًا للذين يمثلون القوة المادية من أجل الانتقام..وقد زُينت بكثير من المبالغات التي تذكي الفتنة !
و قد التقت لجنة تقصي الأكاذيب بعدد من وزراء العشرية والله وحده هو الذي يعلم إن كانت دعوتهم هي ثورة الشيطان أم أنها ثورة مضادة للشيطان .. ومهما يكن فإن الشيطان كان حاضرا بقوة فقد أبرز لنا أن خطوطه العريضة حين حضر إلى اللجنة وزير العدل السابق إبراهيم داداه ليشهد في قضية جزيرة ' التيدره' لأمير قطر وأبرز لهم في ذلك اسم اسلك ولد أزيد بيه كشاهد ولكنه.. و لما حضر إلى لجنة التحقيقبين عليهم وشمة العار كوشم تنين على صدر بحار !
كانت جزيرة ' التيدره' هي اقرب سلاح يتوازى مع الخيانة العظمى .. فرتأت لجنة التحقيق من منظور من يقف وراءها انها مناسبة لتشويه سمعة الرئيس السابق ولكنها - لجنة- لم تفكر فى النتائج كالسفيه الذى لا يهمه الا اللحظة التي يعيشها....
ورغم أن هذه الشائعة وأخواتها التي اطلقها الإعلام الموجه تبددت تدريجيا وبدات الحقائق تحل مكانها غير أن الرواسب ظلت عالقة بالأذهان ان لم تكن راسخة .. والراجح أن أسئلة لجنة تقصي الحقائق البرلمانية كانت تلتقط جزئيات الواقع ومتورطة فى مبالغات تعتمد علىالصدفة فضلًا أنها مطبوخة في إناء امتلا إلى آخره بالتناقض ، ولكنه في النتيجة لم يخرج عن إطار التحقيقات الإدارية التي تنتهي عمليًا إلى أن الفاعل غير موجود لان الاتهامات تنبع من فراغ .. فكثرتها وتشعبها و اختلاط بعضها بالبعض