التفريق بين العبادات والعادات والتمييز بين ما أصله التوقيف وما سبيله التعليل ووضع الضوابط لكل منهما أمر مستقر عند علماء المسلمين وقد أوضحه إمام المقاصد أبو إسحاق الشاطبي في موافقاته عندما قال "الأصل في العبادات بالنسبة للمكلف التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وأصل العادات الالتفات إلى المعاني"
فمع العبادات - رغم أن لها أسرارا ومعاني - يكون منهج الاتباع والتوقيف ومع العادات - رغم وجود أحكام وموجهات - يكون منطق التعليل والتأويل، فدائرة الثوابت في الأولى واسعة ودائرة العفو في الثانية متسعة، فاقبلوا من الله عافيته واحمدوه على شريعته.
وقد أعاننا سلطان العلماء العز بن عبد السلام بقاعدة جليلة تضبط أنواع المصالح ومسالكها، يقول رحمه الله في كتابه " القواعد الكبرى" الموسوم ب"قواعد الأحكام في إصلاح الأنام" : " أما مصالح الآخرة وأسبابها؛ ومفاسدها وأسبابها، فلا تعرف إلا بالشرع، فإن خفي منها شيء طلب من أدلة الشرع، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس المعتبر والاستدلال الصحيح، وأما مصالح الدنيا وأسبابها، ومفاسدها وأسبابها فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات، فإن خفي شيء من ذلك طلب من أدلته "
ولعل من أسرار صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان هو هذا المنهج الذي يعتمد الاطلاق فيما شأنه الثبات والاستقرار - مع تكيفات في أحوال تطرأ- ويعتمد الفهم والتفسير والاجتهاد والتجديد فيما شأنه التغير من حال إلى حال ومن زمان إلى زمان ومن قوم إلى قوم
وفقنا الله جمعيا وأرشدنا إلى ما فيه الخير والفلاح.
من صفحة جميل منصور