أعاد وقع الجريمة البشعة التي اهتز على وقعها الموريتانيون، والمتمثلة في اختطاف طفلة بمنطقة باسكنو، شرق موريتانيا، واغتصابها من قبل وحوش بشرية.
أعاد وقع هذه الجريمة للأذهان ذكريات مرعبة اهتز على وقعها الرأي العام الموريتاني حول أبشع جرائم الاغتصاب التي استهدفت الأطفال في السنوات الاخيرة ...
وأود أن أبيّن حقيقة يغفلها كثير من الناس, ويتغافل عنها المغرضون والخصوم الذين يريدون طمس الحقائق واستغفال المجتمع, حيث انّ جريمة الاغتصاب تُعد في الشريعة الإسلامية من أبشع الجرائم وأخطرها على المجتمع, وهذه الجريمة التي تكون عادة مصحوبة بالخطف أو استعمال السلاح أو استخدام العنف والترويع تعتبر من جرائم "الحرابة" التي تهدد أمن المجتمع واستقراره, ولذلك رتب الإسلام عليها عقوبة قاسية وشديدة من أجل تحقيق الردع والوقاية, وتصل العقوبة حدّ القتل والصلب, وقطع الأطراف; ليكون عبرةً على مدى الدهر. وعندما كنت استمع عن هذا الموضوع, وتمّ الحديث عنه من طرف نشطاء في مجال حقوق الإنسان وشخصيات معروفة ومسؤولين, لفت انتباهي أنّ بعض هؤلاء يعتقد أنّ هذه الفعلة التي تمت في موريتانيا هي من العادات والأعراف الوحوش البشرية مفترس. يكون ذلك صحيحاً, أمّا أن ينسب هذا الى الإسلام او الطائفة معينة فهو جهل مركب, ونوع من الكذب الرخيص الذي يراد من خلاله تشويه عقيدة هذه الأمة و وحدتها الوطنية, وجوهر مشروعها الحضاري وتأتي في سياق حملة التشويه الكبيرة التي يقودها تحالف أعداء هذه الأمة مع الجهلة والفاسدين الذين يحاولون إماتة المشروع النهضوي الكبير. من المعروف أنّ الإسلام يحارب الزنا ويمقته مقتاً شديداً ويعده جريمة اجتماعية كبيرة تؤدي الى إثارة الفتنة واختلاط الأنساب وزعزعة أواصر المجتمع, والزنا يكون عادة برضا الطرفين, الذي تحلّه بعض القوانين المعاصرة فكيف اذا تمت إضافة جرائم أخرى, مركبة الى هذه الجريمة, بان تكون باستخدام القوة والعنف والترويع والخطف, واستغفال القاصرات, فهي في نظر الإسلام جريمة مروعة لا يجوز التهاون فيها قال تعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْيُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِيالْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ". ; لأنّها اعتداءٌ على الحق العام واعتداءٌ على المجتمع كلّه, قبل أن يكون انتهاكاً للعرض وإساءة الى الشرف, واعتداءً على الحرية والإرادة
وتسأل النخب الثقافية في هذا البلد نفسها: أيعقل هذا في بلد يمضي واثقا في طريق الحقوق والحريات والديمقراطية، وبلاد من الأوائل التي أقامت وزارة خاصة للمرأة والطفل تغتصب فيها المرأة والطفل؟
ثمة من يقول إنه تقصير قضائي حيث أن القائم بجريمة الاغتصاب في موريتانيا إما يقضي فترة بسيطة في السجن وإما أن تستخرج له شهادة طبية وهمية تثبت أن له اضطرابات نفسية.
الأمر لا يتعلق بالموريتانيا وحدها، بل ببلدان كثيرة، هزتها جرائم بشعة من هذا النوع وتعالت الأصوات المستنكرة والمحتجة بضعة أيام ثم ما تنفك أن تعود إلى صمتها في انتظار جريمة اغتصاب جديدة، أكثر دموية وبشاعة كي تكون مادة دسمة للإعلام.
وعلى ذكر الإعلام.. هل لهذا الجهاز الخطير والحساس دور في التضخيم والفرقعة حتى لنخال بأن جرائم الاغتصاب تقع في كل ثانية وفي كل انعطافة من الشارع، وكأن جميع الناس ذئاب بشرية تفترس بعضها افتراسا؟
مهلا.. لنكن أكثر واقعية ونلقي بنظرة فاحصة ونتتبع خارطة البلدان التي كانت ولا تزال مسرحا مفتوحا ومكشوفا لجرائم الاغتصاب، سنفاجأ حتما بأن بلدانا معروفة برقي مجتمعاتها وتطور قوانينها، تتصدر قائمة الدول التي تعاني من جرائم الاغتصاب.
وفي المقابل، فإن بلدانا محسوبة على مناطق الفقر والتخلف، تشهد تراجعا واضحا في جرائم الاغتصاب والتحرش. هل يعود ذلك إلى مجموعة قيم اجتماعية ودينية، مثلت نوعا من الحصانة والدرع الواقي أم أن الأمر أعقد من كل ذلك؟
يمكن القول إنها ظاهرة الاغتصاب قديمة – جديدة وارتبطت بطبيعة المجتمعات وبِنيتها المحافظة؛ ونقصد بـ”المحافظة” هنا أنه لطالما كانت هناك إحاطة لجرائم الاغتصاب بالكثير من التكتم والسرية من قِبل أسَر الضحايا خشيةً من الفضيحة أو خوفا من المغتصب في ما مضى؛ أما خلال السنوات الأخيرة، فقد ظهر اهتمام كبير من لدن منظمات المجتمع المدني المهتمة بقضايا الاغتصاب.
اهتمام منظمات المجتمع المدني بقضايا الاغتصاب أخرج هذه القضايا من خانة المسكوت عنه، لتصبح مَحط نقاش الرأي العام الوطني بمختلف فاعليه (حقوقيين، باحثين، وإعلاميين)، ناهيك عن الأرقام الصادمة التي تسجَّل حول هذه الظاهرة من لدن جمعيات المجتمع المدني التي تشتغل على قضايا الاغتصاب.
يرى المتخصصون أن هناك مؤسسات رئيسية توزع الأدوار في ما بينها من أجل ترسيخ تربية متوازنة للأطفال هي: مؤسسة الأسرة ودورها الذي يتمثل في الحوار والتواصل الدائم للطفل والمخاطر الخارجية التي يمكن أن تلحق به وتوعيته وتأطيره بسُبل عقلانية واضحة وبسيطة، ناهيك عن دورها الكبير في عملية المراقبة المستمرة، وعدم الوقوع في فترات يُهمل فيها الطفل فيكون عرضة للأذى. والمدرسة من خلال إدراج مناهج متعلقة بالتربية والتعليم الأخلاق المذمومة وتكوين الأساتذة في هذا المجال من أجل تحقيق تنشئة اجتماعية متوازنة للطفل وبناء جيل واع ومدرك. ثم الإعلام الذي يرتكز دوره على خلق النقاش العمومي حول الظاهرة وتمرير رسائل توضيحية من خلال استضافته لمختصين من أجل تحليل الظاهرة، واقتراح أساليب وقائية وتربوية للأطفال والمراهقين، بهدف عدم الوقوع ضحية جريمة اغتصاب.
السؤال المطروح اليوم أمام هذه الظاهرة الخطيرة: أين الخلل؟ من المسؤول؟
هل هي مسؤولية الحكومة أم القضاء أم المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان وهي سلاح ذو حدين أم هي “جرعات مفرطة في الحرية” كما يقول أحد التربويين في موريتانيا.
حفظ الله موريتانيا.