ما كل من درج اسمه في قائمة تكتل معارض بمعارض! ما كل من استلم ترخيص حزب سياسي و استدعى من لغة الرفض القديمة - قدم الطبقة السياسية في بلادنا -خطابا لذات الحزب السياسي بمعارض! ما كل من جاب الشوارع متظاهرا بالتظاهر ضد نظام سياسي معين- ولو أعجبك- بمعارض! ما كل من زخرف الكلام، و جامل الأنام مستغلا جهل الجاهل و قلة ذات يد الفقير البائس لتمرير مزيف كلامه - و لو حرص بعضنا - بمعارض!
المعارضة شيء من حب الوطن و تقديسه يقر في قلوب بعض ابنائه ، فتصدقه تصرفاتهم كلما قرروا تحويل ألأفكار المستنيرة إلى سلوك بناء، و المعلن من القول إلى الملموس من أفعال سياسية، و المشهود من مواقف وطنية، حرام على أصحابها أن يروا حيث لا يتوقع منهم الشعب أن يقفوا لحظة واحدة.
المعارضة بذلك، كفاح من أجل الوطن أو لا تكون! مغامرة في سبيله أو لا تكون! غربة من أجل سواد عينه أولا تكون!
لا تعني المعارضة، حسب هذا التعريف أن يكون الفعل المعارض، ضربا من التهور أو نوعا من عدم التعقل، بل تعني - بدل ذلك- أن يصدر الشخص المعارض- طبيعيا كان أم معنويا- في جميع حركاته و سكناته المقاربة لأهدافه، و تطلعاته السياسية عن عقل راجح، و نفس نقية، طاهرة الدخيلة، نبيلة، و جازمة في قصدها المعارض، و ضمير يقظ و صادق مع الله أولا ثم مع الشعب الذي تحمل جزء من أمانته قد لا يقل أهمية عن ذلك الذي تحمله من هم في سدة حكمه، و في قلب ممارسة السلطة العامة باسمه.
من هنا، ينتفي احتمال أن يختلف المعارضون حد تشويه صورة المعارضة و أذية جمهورها الصادق في الوقت الحرج، و ما يفتحه ذلك الإختلاف في الوقت الخطإ من فرص لتأويله بأكثر من دلالة لا تخرجه -بحال من الأحوال- عن الرعونة السياسية التي يستحيل السقوط فيها من طرف العقلاء دون سبق إصرار و سابق ترصد يعنيان في المحصلة، أسوء اختراق يمكن أن تمنى به معارضة في تاريخ البشرية من طرف خصومها السياسيين، و من هنا- كذلك - يسهل أن نفهم جميعا في هذه الأيام، لماذ تحصل كل تلك المماطلة و لأي سبب يكون كل ذلك التسويف من طرف معارضتنا "الوطنية" في موضوع تسمية مرشح اجماعها أو مرشحي عدم اجماعها لخوض غمار رئاسيات 2019.
في زمن وعي الشعوب، ما عاد شيء يخفى على أحد... تسمية مرشح أو عدة مرشحين من طرف طيف سياسي كل واحد فيه يعرف - كما الجميع يعرف - من هو تاريخا سياسيا، و من يكون سابق و حاضر علاقة بمصلحة الوطن، ليس بالتحدي المرهق كثيرا لغير المرهقين أصلا بالتزامات ربما -صيغت بنودها بليل الإلتفاف على تطلعات الشعب، لقاء تحقيق مصالح ضيقة، شخصية و أسرية في الغالب، و قبلية في أحسن أحوالها.
حيال موضوع المرشح الموحد، بدت الموالاة في نظرنا، - متجاوزي ثنائية الموالاة و المعارضة - أكثر احتراما للمواطنين و أقل استخفافا بعقولهم من المعارضة بكثير، بل إنه لا مجال للمقارنة - البتة- بينهما في هذه النقطة على الأقل ، فقد عمد النظام في الوقت المناسب إلى اختيار الرجل الانسب لعدة اعتبارات من بين أغلب رجاله لمهمة المنافسة على مقعد رئيس الجمهورية ، و لم تتردد الموالاة كإطار سياسي و حاضنة شعبية للنظام - في حدود المعلن إلى حد الساعة من مواقف - في إظهار علاقتها الإيجابية و بوادر حسن نيتها تجاه مرشح نظامها السياسي، في الوقت الذي بدت فيه المعارضة - و على رؤوس الأشهاد - أعجز من أن تتفق على غير عدم الإتفاق بشأن مرشح موحد لها في انتخابات رئاسية باتت على الأبواب! بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك إمعانا في تكريس عجزها عن اتخاذ قرار من أي نوع، و مبالغة في احتقار الشعب - الذي انهكته بحضور مهرجاناتها الكرنفالية و مسيراتها العبثية، حين لم توفق في الخروج على الناس بأي شيء، مهما كان مجرد بيان يوضح عدم إتفاقها المعلوم مسبقا بشكل رسمي و نهائي.
المعارضة بذلك تبدو كما لو كان من بين أصحاب الأمر فيها من يصدق فيه المثل الشعبي، " إلود امعاك الي ما يبقيك تجبر" أو بالأحرى من بينهم من عهد إليه بمهمة تفويت الوقت و إضاعته في المفاوضات المطيلة من عمر الخلاف حتى يتم الأمر لأهله في الجهة الأخرى، مهمة كتلك لا يستبعد أن تجد من ينهض بها... في صفوف من عرف عن بعض متصدريهم هروبه من الجلوس مع النظام على طاولة المفاوضات في العلن و تحت الأضواء الكاشفة، حتى إذا جن ظلام المرحلة أكثر، و اختلط حابل اللحظة السياسية بنابلها عرف عنه أو على الأصح، سرب من سره ( الوراني) ما حاك في نفسه و كره أن يطلع عليه الناس من دخول مع ذات النظام في مفاوضات سرية. ( أرجوا أن لا تكون ذات الشنشنة المعهودة في كل من قرروا طعن شعوبهم من الخلف من عهد "ابن العلقمي" إلى يوم الناس هذا.).
يحصل كل ذلك من "معارضة البلاد" من لعب بأعصاب العموم السياسي، و ضحك على ذقونه في إحدى أحرج فتراته السياسية، و أسنحها بفرص النجاح في تأسيس ديمقراطي سليم، في الوقت الذي لا يكلفهم تجنيب البلاد حالة الإرباك التي أوقعوا المشهدالسياسي فيها بشكل عام، أكثر من دقيقة انصاف تفضي بهم لاختيار أكثرهم تضحية في معارضته و أجدرهم بما أبلى في سبيل الوطن عموما و المسيرة النضالية للمعارضة بشكل خاص، ليكون رجل المرحلة الذي يهيؤونه من بعيد لخوض غمار الرئاسيات، لكنه " الحسد السياسي" مصطلحا سياسيا جديدا تنجح معارضتنا الوطنية "الباسلة" في إضافته لقائمة المصطلحات السياسة الحديثة، وحده الذي يمنعها من إسناد الأمر إلى أهله في الوقت المناسب، و يعقلها عن الإعتراف لمن قامت لجدارتهم بالتقدم للمهام الصعبة - من رموز المعارضة - شهود من تضحيات نضالية كبيرة، لا يحتاج أحد في تأكيدها إلى سند من مزايدات، أو بهارات من رتوش.
*سيد احمد ولد امصيدف، كاتب و مدون.*