طالعتنا في الأيام الأخيرة ـ منذ خطاب الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في المسيرة الوطنية التي قادها بنفسه والتي ركز فيها على عبارة التعليم وكررها مراراً ــ طالعتنا منذ ذلك الوقت الكثير من الخَــرَجات الإعلامية لبعض المسؤولين والناشطين السياسيين ممن يدعون إلى أن التعليم هو الحل الأمثل لمشكل هذا البلد...!
وإلى هؤلاء وإلى رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز وإلى الشعب الموريتاني أريد أن أوجه هذه الكلمة التي هي عبارة عن تجربة شخصية، إضافة إلى ما جمعته من تجارب أخرى ممن أعرفهم أو لا أعرفهم ممن تعلموا ـ مثلي ـ ولكنهم تألموا وتندموا وهم في هذا البلد كأنما هم عار وشنار والسبب أنهم متعلمون ...!
وأود أن أتوجه إلى رئيس الدولة بهذه التساؤلات التي تطرح نفسها، ولا أظنكم سيدي الرئيس إلا تعلمون أنها واقع لا فكاك منه: فهل تعلم سيدي الرئيس أن المتعلمين هم ذيل هذا المجتمع؟ وهل تعلم سيدي الرئيس أن راتب بوَّابٍ في البنك المركزي الموريتاني أحسن بكثير من راتب معلم أو أستاذ؟، وهل تعلم أن الظروف المعيشية والاجتماعية لسمسارة السيارات والقطع الأرضية في بلادنا تفضُل بسنوات ضوئية ظروف الأستاذ الجامعي والأكاديمي؟ وهل تعلم سيدي الرئيس أن كلمة التعليم عبارة سهلة النطق صعبة التطبيق؟ وهل تعلم سيدي الرئيس أن إنشاء المدارس لا يعني إصلاح التعليم؟.
التعليم سيدي الرئيس هو تكوين الكوادر البشرية، وتحسين مستوياتها المادية والمعنوية، ورد الاعتبار لها من خلال منح الامتيازات الكثيرة للمدرسين، إذا كنتم تفكرون في نهضة شاملة على غرار رئيس الوزراء الماليزي مهـاتيــر محمد الذي حقق طفرة في بلاده خلال عشرية واحدة، وكان رهانه الوحيد على التعليم. ولكن لم يقل لهم التعليم فقط.
ولا أظنكم سيدي الرئيس لا تعلمون بواقع التعليم، وما يشهده من تدنٍ في المردود والمستوى، وغياب الرقابة والمستويات المتأخرة التي تحصدها موريتانيا سنويا في مجال التعليم.
سيدي الرئيس إن قطاع التعليم هو أحد أسوأ قطاعات هذا البلد فسادا، وهو وكر للمحسوبية والجهوية والزبونية، ويتم فيه تعيين الرجل غير المناسب في المكان المناسب، فيتم تعيين الطالب في الوظائف العليا من التعليم العالي في حين أن أستاذ ذلك الطالب مزال شحاذا لا يجد وظيفة رسمية، ومن يقول هذا الكلام هو دكتور يحمل دكتوراه دولة بمرتبة الشرف الأولى فبعض الطلاب الذين درستهم هم يديرونني في مؤسسة التعليم العالي الرسمية التي أنا مجرد متعاون معها، حتى أنني لم أتقاضى فلساً واحدا من هذه المؤسسة منذ أكثر من خمس سنوات من الخدمة، والتهميش والألم المتواصل في مجتمع لا يرحم المتعلمين، مع العلم أنني رئيس رابطة الأساتذة المتعاونين بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية.
ولعل الأدهى من كل ما تحدثت عنه هو أن مخرجات مراحل التعليم في موريتانيا منذ مراحله الابتدائية إلى المراحل الجامعية العليا كلها مستويات ضحلة ركيكة الإنتاج والإخراج، وأنا في هذا الحديث العفوي أريد أن أنبهكم سيدي الرئيس إلى أنني لا أحمل في نفسي أي انتماء سياسي سوى انتمائي لهذا الوطن وأنني أمجد كل ما قيم به من إصلاحات وأنني أدعمكم في مسار الإصلاح وأهنئكم به فكلماتكم حول التعليم لاقت ترحيبا في نفسي وطربت لها كثيرا لأنني أتلمس فيها أملي الضائع كأستاذ ومدرس ومتعلم أولا وأخيرا.
سيدي الرئيس نحن نثـمن كثيرا الإنجازات التي تم تحقيقها في تنمية هذا البلد والتي من أهمها أننا اليوم نستطيع أن نتحدث بحرية عن هذه المواضيع بشفافية وبصراحة لم تكن موجودة قبل اليوم، ولكن لأننا نبصركم بما تعرفونه، ونذكركم بما لا تجهلونه، فالتعليم سيبقى أمراً ضروريا ومهما جدا ولا سبيل إلى التطور والتقدم والرفاه إلا به. ولكن إصلاحه ليس أمرا سهلا والنهوض به خطوة جبارة وليست أمراً بسيطاً، ونحن نشجع خطوة أنكم تؤكدون على أهميته وندعوكم إلى الاهتمام كثيرا بهذا الملف ومساعدة عمال قطاع التعليم ورد الاعتبار لهم. فقد قال الحكماء قديما:
إن المعــلم والطبيــب كــلاهما ..... لا ينصـحـان إذا هُـما لم يُـــكرما
وفي الختام سدد الله خطاكم ويسركم لما فيه السداد سيدي الرئيس...