عجيب أمر الكنتي فى هيامه العزيزي: يقرأ بعض الكتاب ويتجاهل بعضه، يذم ممدوحه من حيث يريد أن يتملقه، ويحاول تغيير مجرى التاريخ الحي بإسقاطات لا تستقيم.
عزيز بالنسبة للكنتي مجرد "جاسوس وطني وضابط صغير" مثل فلادمير بوتين، و الكنتي بهذا يعتبر التجسس المنهيَ عنه فى الذكر الحكيم محمدة وخصلة تليق بقائده الذي يتمسك ويتبخر به، ويوم تدول دولته سيتبخر عنه، عملا بمشهور المذهب السّرْتي.
فى استلهامه الشيوعي الجديد لوى الكنتي عنق التاريخ تزلفاً لعزيز الذي هو أقرب فى شعبويته إلى بوريس يلتسن منه إلى "الجاسوس" فلادمير بوتين.مسار بوريس يتماهى مع نهج عزيز فى البدايات التي هي شرط تصحيح النهايات.
فعندما أسند إليه الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي إدارة لجنة الحزب فى موسكو ،سنة ١٩٨٥، أطاح بوريس ب٢٣ من ٣٣ من قادة اللجنة،بحجة أنهم يعرقلون الإصلاح الاقتصادي ( البرسترويكا)، وقد فعل عزيز الشيء ذاته مع كل الضباط الذين يتوجس اعتراضهم على مخططاته.
ثم تفرّغ بوريس يلتسن لمشاكل موسكو كالاكتظاظ السكاني، وتكدّس القمامة...وأنفق وقتاً كثيرا فى لقاءات شعبية طويلة رغبة منه فى "الاطلاع المباشر على أحوال ومشاكل المواطنين"،وكان خطابه شعبويا حدّ السقوط.
وعلى هذا النهج سار "رئيس الفقراء" فى أحياء الصفيح،وحملة تنظيف العاصمة، ولقاء الشعب،ووصْف معارضيه بالعجَزَة، وبعض مواطنيه بالمفْرطين فى الإنجاب...
و يوشك ممسوك الكنتي أن يستنسخ نهايات يلتسن الذي رفض رفاقه قيادته العرجاء فكراً وممارسة، وعزلوه فى جلسة صاخبة للجنة الحزب، تقول بعض الأوساط إنه أصيب على إثرها بتوعك فى القلب.
لا يريد الكنتي الحديث عن أوجه الشبه هذه، ولا عن الصراع لاحقا على السلطة بين يلتسن وغورباتشوف، ولا عن دور الكتائب البرلمانية فى هذا الصراع، ولا عن تداعياته التي أدت إلى ثورة فى الكرملين و ضربات تحت الحزام، ومؤامرات وخيانات أفضت تراكماتها إلى تفكك الاتحاد السوفياتي.
التاريخ الحي ليس كالهواتف متعددة الشرائح نغير شبكاتها حسب المزاج،فأحداثه وشواهده لا تزال ماثلة أمام الأعين،عصية على التلاعب والتزوير.