تشير تصريحات ولد عبد العزيز المتكررة، إلى مخاوف ضمنية،من تعسف مأمورية ثالثة ،حيث وعى محمد ولد عبد العزيز، أهمية الخروج الطوعي ،قبل أن يكون لزاما ،و فى ظروف غير متحكم فيها ،ربما تجر عليه ،ما لا تحمد عقباه.
فالرجل تلاحقه، تهم الاستفادة الواسعة من السلطة ،منذ انقلاب ٣أغسطس٢٠٠٥،كما أفلست جوانب هامة من الاقتصاد الوطني و ازداد الفقر و ازدادت هجرة الشباب للخارج، و تراجعت الديمقراطية ،بحكم انتفاخ عدد المنتسبين للحزب الحاكم ،تحت ضغط الشعور بهيمنة السلطة على كافة المنافع تقريبا،و بات رجال الأعمال ،لا يمكنهم ممارسة خياراتهم الحزبية و السياسية ،خارج الحزب الحاكم ،خوفا من الضرائب و الحرمان من الصفقات ،و رغم ما هو متاح من حرية إعلامية ،إلا أن كثيرا من المتواجدين فى الحقل،موقنون بالحرمان،فى حالة سلوكهم ،لتوجه مستقل ،لايخدم الخط السياسي الرسمي !.
عسكرة الكل ،لكن الصحافة الحرة،لها وقعها و تأثيرها ، و المعارضة الممانعة موجودة،و هي شطر من الرأي العام و الشارع السياسي ، يحسب له حساب، فى عرقلة تغيير الدستور و الشروع فى مغامرة مأمورية ثالثة مثيرة .
و مهما تكن دوافع ولد عبد العزيز، لعدم الخوض فى مأمورية ثالثة، غير دستورية البتة ،فإنه بهذا الالتزام بالإحجام عنها ،سيسجل نقطة مضيئة،مقابل ما يمكن أن نتحدث عنه، من سلبيات حكمه العريضة .
و يبقى الأمر مجرد أمل و احتمال ،لكنه من الأهمية بمكان ،ليفتح للتجربة الديمقراطية الموريتانية، فرصة تكريس التناوب ،بصورة ما ،على كرسي الرئاسة .
و لا أستغرب أن يحدث هذا ،و قد يشوبه وجود مرشح رئاسي، محسوب على المؤسسة العسكرية ،الحاكمة، منذو انقلاب عشر تموز ١٩٧٨،إلا أن هذا المرشح ،قد لا ينجح بسهولة و قد لا ينجح مطلقا ، و هذه الاحتمالات ،هي الأخرى دليل على تغير الأمور، نحو أفق و جو جديد،إن لم يهيمن فى الدورة الانتخابية القادمة ،فله الفرصة ربما فى المنازلة التالية .
انسحاب عزيز من حلبة الرئسيات ،انسجاما مع الدستور ،قد يعنى نزع فتيل أزمة دستورية و سياسية و أمنية،بسبب محاولة تعسف مأمورية ثالثة ،كما سيعنى عمليا ،احترام الدستور فى مسألة القفل الدستوري ،و هو فرصة ليحكم الرؤساء و أعينهم على بوابة الخروج ،مما قد يفتح المجال لاحقا ،لمحاسبة المشتغلين بوظيفة الرئاسة و تقليم أظافر غول الاستبداد ،و لو تدريجيا .
حكم مخطار ولد داداه رحمه الله،ثمانية عشر سنة و حكم معاوية ولد الطايع واحد و عشرون سنة ،ضمن مأموريات غير محددة .
إذن آن لنا الالتزام، بدورية حضارية، تتيح التناوب تلقائيا ، و تجعل الحاكم يفكر فى أن له نهاية زمنية دستورية حتمية ،قد تتيح محاسبته،عقوبة أو مكافأة،حسب طبيعة أدائه .
و لأن التناوب على الحكم لم يحصل فى موريتانيا ،إلا عن طريق الانقلابات ،فعندما يتحقق هذا التناوب المأمول، وفق المسطرة الدستورية .
فإن الموريتانيين -على الأرجح الأعم- سيحسبون للرئيس الحالي ،هذه السابقة ،رغم سلبيات حكمه !.