يتَّجه رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية محمد ولد عبد العزيز، بعد أن تأكدت نيته بعدم الترشح لولاية ثالثة الانتخابات الرئاسية لعام 2019، إلى اختيار خليفة له، على غرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحسب مقال بأسبوعية ”جون أفريك” الفرنسية.
وفي شهر أكتوبر الماضي ازدحمت قيادة أركان الجيش الموريتاني على نحوٍ غير معتاد خلال 3 أيام متتالية، بالمهنئين لقائد الأركان محمد ولد الغزواني، بعد أن تمَّ تعيينه في اليوم السابق وزيرًا للدفاع.
يرى كاتب المقال جوستين سبيجل أن تعيين الجنرال الغزواني مجرد وزير للدفاع، وهو أول منصب سياسي يتولاه، فاجأ الجميع حتى دوائر السلطة؛ ما يورد تساؤلًا حول حقيقة الإشاعات التي تتحدث بشأن ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد.
ولتعيين الجنرال الغزواني سياقه الخاص؛ فمنذ التزامه بعدم تعديل الدستور ليتمكن من التقدم لولاية ثالثة العام المقبل، مع عدم استبعاده الترشح لاحقًا في 2024، وتأكيده دعم مرشحه الخاص، لم يأل محمد ولد عبد العزيز جهدًا في تمرير عدد من الرسائل تؤكد دوره المحوري في البلاد حتى وإنْ ابتعد عن سدة الحكم.
ورغم وعوده المتكررة، فإن التساؤل حول التزامه بوعده يظل قائمًا، فبالنسبة لكثيرين، يصعب تصديق الرجل كونه يحرص دائمًا على إبقاء قدر من الغموض حول حقيقة نواياه.
في حين أن الدائرة المقربة للرئيس متَّفقة ومجْمِعة على أنَّ الرئيس ”لن يتراجع عن وعده ولن يترشح للانتخابات الرئاسية، لكنه يختبر أشخاصًا ويُفكر بعمق في الموضوع”، يؤكد أحد المقربين.
تحصين النظام
وبالتزامن مع حقيقة عدم ترشيح الرئيس ولد عبد العزيز، فإن الحقيقة الثانية هي أنه سيبقى قريبًا من السلطة التي أرسى دعائمها، وهو ما عبر عنه بقوله لـ”جون أفريك” في مقابلة أجرتها معه شهر فبراير/شباط، ”أنا موريتاني وسأبقى كذلك، وما دمت على قيد الحياة سأهتم بكل ما يجري في بلدي”.
ويترك هذا التصريح، كما يرى المقال وغيره من التصريحات المؤكدة على مواصلة الفعل السياسي، الانطباع بأن الرئيس قد يتولى رئاسة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ويصبح الزعيم الفعلي للأغلبية، أو يتولى منصب الوزير الأول ليبقى فاعلًا في اللعبة السياسية، مع أنَّ الاحتمال الأخير غيرُ واردٍ، يؤكد أحد المقربين.
ومهَّد ولد عبد العزيز للمرحلة المقبلة بخطواتٍ بدأت بقيادته شخصيًّا حملة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهو ما مكن الحزب من ضمان أغلبيةٍ مريحة (89 مقعدًا من أصل 157) في البرلمان، وهيمنة مطلقة على المجالس الجهوية المستحدثة الـ13، التي حلت محل مجلس الشيوخ.
وما أن انقشع غبار المعركة التشريعية حتى باشر ولد عبد العزيز إجراءاتٍ لمواجهة صعود حزب ”تواصل” الإسلامي وتصدره القوى السياسية المعارضة كأبرز منافس للنظام في التشريعيات والبلديات.
وفي الـ24 من شهر سبتمبر الماضي أغلقت الشرطة الموريتانية، دون تقديم تبرير رسمي، مركز تكوين العلماء الذي يديره محمد الحسن ولد الددو ذو، الذي يُعد المرشد الروحي لحزب “تواصل” ويتمتع بتأثير كبير في المنطقة العربية يتجاوز حدود موريتانيا.
وفي مستوى ثالث من تحصين النظام، وضع ولد عبد العزيز رجالًا ثقاتٍ في المناصب الحساسة؛ فأسند رئاسة الجمعية الوطنية لصديقه المقرب العقيد المتقاعد الشيخ ولد بايه، الذي انتخب نائبًا عن الزويرات، وانتُخب نائبًا له المعارض السابق بيجل ولد هميد، الذي حل حزبه واندمج داخل الاتحاد من أجل الجمهورية.
نهج ”عزيز” في الحكم
وفي التعديل الوزاري الذي جرى في شهر أكتوبر الماضي، أكد ولد عبد العزيز نهجه في الحكم، فاختار سيدي محمد ولد محم رئيس الحزب الحاكم، وزيرًا ناطقا باسم الحكومة ومكلفًا بالثقافة والعلاقات مع البرلمان، أما الوزير الأول المنصرف يحي ولد حدمين، فقد عُين وزير دولة مكلفًا بمهمة؛ وهو منصب يوازي نائب رئيس وزراء.
وتصدرت المؤسسة العسكرية قائمة “تغييرات” ولد عبد العزيز، فأوكل قيادتها إلى الجنرال محمد الشيخ ولد محمد الأمين خلفًا للجنرال الغزواني المتقاعد، والذي أوكلت إليه وزارة الدفاع، في حين أسند منصب القائد العام المساعد للأركان للجنرال إسلكو ولد الشيخ الولي.
ويتميز نهج ولد عبد العزيز في إرساء دعائم حكمه بالسرعة في اتخاذ القرار وتنفيذه دون توجس أو حرج، ويقول متابعون إنَّه يستمد هذه الخصائص من طبيعة تكوينه العسكري ومعايشته الطويلة للرئيس السابق معاوية ولد الطائع؛ بصفته قائدًا لكتيبة الأمن الرئاسي.
ويعتبر ولد عبد العزيز جديدًا نسبيًّا على الممارسة السياسية التي بدأ فيها بشكل علني إثر انقلابه على سيدي ولد الشيخ عبد الله صيف عام 2008، وهو انقلابٌ واجه إثره عزلة دولية ورفضَ طيف واسع من الطبقة السياسة المحلية، وبالتالي فإنَّ هاجس البحث عن الشرعية لم يُفارقه أبدًا.
ويرى كاتب المقال أن ولد عبد العزيز، الذي انتُخب عام 2009 وأعيد انتخابه عام 2014، لا يكل من تعزيز سلطته وإبراز إنجازاته على المستوى الأمني، وبالتالي ”فهو في حملةٍ انتخابية دائمة”، يُعلق أحد مقربي الرئيس.
وفي ضوء أن ولد عبد العزيز يُمسك بزمام السلطة؛ الجهاز التنفيذي والبرلمان والجيش، فإنَّ السؤال مع ذلك يبقى مطروحًا؛ هل سيكون التناوب ممكنًا وسلسًا في 2019؟ وهل سيُسلم السلطة بزمامها، وهو راضٍ، لخليفةٍ سيختاره هو نفسه؟
معارضة منقسمة
وبخصوص ”الخليفة” المنتظر، يُبرز المقال أنَّ أسماء بعينها يجري تداولها منذ مدة، منها وزير الدفاع محمد ولد الغزواني، ووزير المالية المختار ولد أجاي، ورئيس الجمعية الوطنية الشيخ ولد بايه، والوزير الأول السابق يحي ولد حدمين.
إلا أنَّ اللافت وما يثير مزيدًا من الغموض أنَّ الأربعة يتفادون بحرصٍ شديد إظهار أي نوعٍ من الطموح أو التطلع لمنصب الرئيس.
وفي أفق الاستحقاق الذي يوصف بالأهم في تاريخ البلاد، قرَّرت المعارضة المشاركة عكس موقفها في عام 2014، وشعارها الأبرز : إلا ولد عبد العزيز.
ويقول محمد ولد مولود، وهو زعيم اتحاد قوى التقدم ورئيس المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، إنَّ لجنة تعكفُ على صوغ أنجع الإستراتيجيات الانتخابية لخوض الاستحقاق الرئاسي، مضيفًا أنَّ ”المرشح الموحد له ميزات إيجابية بادية، وهو خيارنا المفضل إلى الآن’”.
وإلى الآن، لا يلوح في الأفق اسمٌ بعينه كمرشحِ امتياز للمعارضة، وهنا يقول قيادي في المعارضة : ”لا جدال في أنَّ مشروع المرشح الموحد هو مشروعٌ وطني لكنه طوباوي، فالمعارضة مفككة وخائرة القوى”.
ومن جانبه، يقفُ الزعيم التاريخي لنضال العبيد مسعود ولد بلخير المخاصم لرفاقه في المعارضة التاريخية، في صفٍ وحده مبديًا انفتاحًا على الحوار مع السلطة، وقد وضع لدى رئاسة الجمهورية ”خريطة طريق” ضمنها عدة شروط لتحقيق التناوب المنشود.
ويقول ولد بلخير إنَه ”حليف للنظام في عيون الجميع”، ويأسف أنَّ النظام لم يحبّه أبدًا، بل يمضي إلى أنَّ النظام يريد تدميره هو وأحمد ولد داداه الزعيم التاريخي للمعارضة، دافعًا بتمسكه بعدم تعديل المواد القانونية المحددة للسن الأقصى للترشح؛ وهي 75 سنة وهي بالضبط سن الزعيمين المعارضين. ويرى ولد بلخير أنَّ الهدف من ذلك منعه هو ولد داداه من التقدم للرئاسيات المقبلة.
ومقابل موقف ولد بلخير، يؤكد محمد ولد مولود أنَّه وولد داداه متفقان على عدم المساس بشروط الترشح قبل الاستحقاق الرئاسي، فمن غير المبرر أن يطالبا بتعديل سن الترشح وفي الوقت ذاته يمنعان ولد عبد العزيز من فتح عدد المأموريات.
والإشكال في موضوع سن الترشح صلته الوثيقة بعدد المأموريات، وقد أقسم الرئيس مرتين في حفل التنصيب، لتنصيص الدستور على ذلك، على احترام المقتضيات الدستورية المتصلة بالمأموريات الرئاسية والتي تشكل أهم مكتسبات المرحلة الانتقالية 2005-2007.
مقابلة مع "جون آفريك" / إرم نيوز