في تصريح صحفي بمناسبة المولد النبيوي الشريف قال العلامة عبدالله بن بيه – رئيس مجلس الإمارات للإفتاء – “أن المولد النبوي الشريف هو حدث كبير و عادة تحتفي الامم بأمجادها و الاحداث العظيمة في تاريخها و لا يوجد أكبر أعظم من مولده صلى الله عليه وسلم “
و أضاف العلامة ابن بيه “: وهو نعمة أنعم الله بها على عباده وهو رحمة أيضا كما قال الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ( [الأنبياء:107] والاحتفال بهذه الرحمة والاحتفاء بها من طبيعة الأشياء و لايوجد نص يخالف ذلك من كتاب ولاسنة . و ان كان بعض العلماء رأى غير ذلك. بسبب مسألة الاختلاف في تقسيم البدعة.”
وعن رأي العلامةعبدالله بن بيه قال :
“ورأينا أنه عمل محمود . وهذا – أي الإحتفال – الذي عليه الآن أكثر أقطار الأمة الاسلامية . ومن هذا المنطلق يحتفى به ويحتفل بالاجتماع لذكر مناقبه و الصلاة والسلام عليه . مالم يكن في المجالس أمر غير محمود.”
وهذاهو رأينا فيه وإن كنا لا نخاصم من يقول بغير هذا الرأي . وقد سبقنا كثير من العلماء والذي نختاره أنه من البدع المستحسنة .
و كلما شهد الشرع باعتباره فإنه لايعتبر من البد المنكرة . و الاحتفاء بالمولد شهد الشرع بالاحتفاء به
فقد قال تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 157 )
التعزيز هو التوقير و التعظيم و من جملة تعظيمه الاحتفاء بمولده و أن يتذاكر الناس سيرته العطرة حتى يقتدوا بها و يتأسوا بها. فهذا امر مستحسن إن شاء الله و من عمل به محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد عمل بخير.
و في ختام تصريحه هنأ العلامة عبدالله بن بيه الحكام و المحكومين بمناسبة المولد النبوي “سائلا الله تعالى أن يعيده على الأمة بالخير والمجد السؤدد و السلام و الوئام”.
وهنا نص فتوى معالي العلامة عبدالله بن بيه – رئيس مجلس الإمارات للإفتاء –
السؤال : ما حُكمُ الاحتِفالِ بِعِيدِ المَولِدِ النَّبَوِيِّ وما يَتَرَتَّبُ عَليهِ مِن أَعمالٍ كَعُمرَةِ المَولِدِ النَّبَويِّ وزِيادَةِ الطاعَاتِ فِيهِ؟
وإذا كانَ ذَلِكَ بِدعَةً فَما قَولُنا فِي كَلامِ ابنِ حَجَر رَحِمَهُ اللهُ فِي إقرارِهِ لِتِلكَ الاحتِفالاتِ؟
الجواب
هذه المَسألةُ ـ عِيدُ المَولِدِ النَّبَوِيِّ ـ مَسأَلَةٌ اختَلَفَ العُلَماءُ فِيها. فَمِن قائلٍ بأَنَّها بِدعَةٌ مَكرُوهَةٌ حَتَّى وصل البَعضُ إلى التَّحرِيمِ.ومِن قائلٍ إنَّها بِدعَةٌ مُستَحسَنَةٌ.
والخِلافُ يِرجِعُ فِي الأَصلِ إلى تَقسِيمِ البِدعَةِ فَهُناكَ مَن قالَ بِالبِدعَة المُستَحسَنَةِ وهُم الشّافِعِيَّةُ وعَلى رَأسِهِم العِزُّ بنُ عَبدِ السَّلامِ والقَرافِيُّ ـ وهوَ مالِكِيٌّ ـ لَكِنَّه قالَ بِهَذِهِ المَسأَلَةِ وفَصَّلَها تَفصِيلاً طَويلاً. جَعَلَ ما يَشمَلُهُ دَلِيلُ النَّدبِ ودَلِيلُ الاستِحبابِِ مُستَحَبّاً وما يَشمَلُهُ دَليلُ الوجُوبِ يَكُونُ واجِباً فِي البِدعَةِ وما يَشمَلهُ دَلِيلُ الكَراهَةِ يَكُونُ مَكرُوهاً، إلى آخِرِهِ.
فَجَعَلَ البِدعَةَ تَنقَسِمُ إلى خَمسَةِ أَقسامٍ. هَذا التَقسِيمُ أَيضاً لَم يَقبَلهُ بعضُ العُلَماءِ. فقالُوا: إنَّ البِدعَةَ إذا أطلقت فهِيَ بِدعَةٌ مُستَقبَحَةٌ وجَعَلوا قَولَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ نِعمَتِ البَدعَةُ هَذِه فِي صَلاةِ التَّراويحِ بِدعَةً لَفظِيَّةً.
وهَذا ما يَقُولُه تَقِيُّ الدِينِ بنُ تَيمِيَّةَ والشّاطِبِيُّ فِي كِتابِهِ ( الاعتِصامِ ).وكَثِيرٌ مِن العُلَماء مَن المالِكِيَّةِ والحنابِلَةِ يَتَّجِهُونَ هَذا الاتِجاهَ.
وقَضِيَّةُ المَولِدِ أَلَّفَ فِيها بَعضُ العُلَماءِ كَالسِيوطِيُّ تَأييداً وأَلَّفَ فِيها بَعضُ العُلَماءِ تَفنِيداً، فَلا أَرى أَن نُطِيلَ فِيها القَولَ وأن نُكثِرَ فِيها الجدل.
فَحاصِلُ الأَمرِ؛ أَنَّ مَن احتفل به فسرد سيرته صلى الله عليه وسلم والتذكير بمناقبه العِطرة احتفالاً غير مُلتَبِس بِأَيِّ فِعلٍ مَكرُوهٍ مِن النّاحِيَةِ الشَرعِيَّةِ ولَيسَ مُلتَبِسَاً بِنِيَّةِ السُنَّةِ ولا بِنِيَّةِ الوجُوبِ فإذا فَعَله بِهَذِهِ الشُّروطِ التي ذَكَرتُ؛ ولَم يُلبِسه بِشَيءٍ مُنافٍ للشَّرعِ، حباً للنبي صلى الله عليه وسلم فَفِعلُهُ لا بَأسَ بِهِ ـ إن شاءَ اللهُ ـ وهو مُأجَورُ فقد ذَكَرَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَةَ، قالَ: إنَّهُ مَأجُورٌ على نيته؛ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي ( اقتَضاءِ الصِّراطِ المُستَقِيمِ ) أَمّا مَن تَركَ ذَلِكَ أيضاً يُرِيدُ بِذَلِكَ مُوافَقَةَ السُنَّةَ وخَوفاً مِن البِدعَةِ فَهَذا أَيضاً يُؤجَرُ ـ إن شاءَ اللهُ ـ فَالأَمرُ لَيسَ كَبِيراً ولَيسَ مُهَوِّلاً ولا يَنبَغِي أَن نَزِيدَ فِيهِ عَلى ما يَقتَضِيهِ الحالُ.
فَهُناكَ بَعضُ الأَقطارِ الإسلامِيَّةِ التي تَحَتَفِلُ بِالمولد وتَقُومُ بِبَعضِ الطّاعاتِ فِي الأَيّامِ المُفَضَّلَةِ واختَلَفَ العُلَماءُ فيها بَينَ مَن كَرِهَها وبَينَ مَن أَجازَها كَما ذَكَرَ كُلَّ ذَلِكَ الزَّقّاقُ فِي مَنهَجِهِ وغيره مِن كُتُبِ المالِكِيَّةِ الذِينَ أَفاضوا فِي هَذهِ المَسأَلةِ وفِي تَفصِيلِ البِدعَةِ وهَل المُحدَثاتُ بِدعَةٌ مكروهة أو أنها تنقسم إلى أقسام كما ذهب إليه القرافي، فَالمَسأَلَةُ فِيها خِلافٌ. وَنَظرَتُنا للمُصالَحَةِ بَينَ المُسلِمِينَ بِمُحاوَلَةِ تَحجِيمِ هَذهِ الخِلافاتِ هِيَ دائماً نَظرَةٌ مُيَسِّرَةٌ.
وهَذا التَّيسِيرُ لَيسَ مُنطَلِقاً مِن فَراغٍ فَهوَ تَيسِيرٌ يَرجِعُ للكِتابِ والسُنَّةِ وما أَمَرَ به النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ مِن إصلاحِ ذاتِ البَين