أعادت مجموعة العمل حول الاعتقال التعسفي المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أمس للواجهة قضية السيناتور الموريتاني المعارض محمد ولد غده المعتقل منذ أشهر، وذلك في مذكرة توصلت بها الحكومة الموريتانية، ألزمت المجموعة فيها حكومة نواكشوط بإطلاق سراحه السيناتور المذكور لعدم شرعية اعتقاله.
وطالبت المذكرة الحكومة الموريتانية «بتعويض السيناتور عما لحق به من أضرار مادية ومعنوية، مع القيام بتحقيق في ظروف وملابسات هذه الحالة، وعدم تكرار هذا النوع من الاعتقالات التعسفية».
وجاءت هذه المذكرة بعد أن قامت مجموعة العمل بدراسة الرد الذي تلقته من الحكومة الموريتانية بتاريخ 12 مارس 2018 حول الاستفسارات التي كانت قد وجهتها لها بتاريخ 19 يناير 2018 حول هذه القضية.
وأكدت المذكرة التي اطلعت عليها «القدس العربي» «أن اعتقال السيناتور محمد ولد غده يعتبر تعسفيا، مستدلة من بين أمور أخرى، بأن اعتقاله تم بسبب نشاطه في الحملة ضد التعديلات الدستورية، وأنه تم اعتقاله وهو لا يزال يتمتع بحصانته البرلمانية بسبب نشاطه في حملة تجاهل التعديلات الدستورية، وأن احتجازه الاحترازي قد تجاوز الآجال القانونية من دون السماح له بلقاء ذويه أو محاميه، وأنه تم اعتقاله على أساس تهمة «جرائم عابرة للحدود على نطاق واسع» وهي جريمة غير مكيفة في القانون الموريتاني.
وفي يوم 12 مارس 2018، قدمت الحكومة ردوداً إلى مجموعة العمل حول الاعتقال التعسفي المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أكدت فيها «أن اعتقال وحبس محمد غده تما طبقاً للقوانين والنظم المعمول بها، وبالتالي فإن الحكومة الموريتانية تؤكد أن حبس العارض ليس تعسفيا حسب الفئات 1، و2 و5.
وحول مقتضيات تصنيف ولد غده في الفئة 1 لدى المجموعة، أكدت الحكومة «أن محمد غده تم إعلامه تماما بأسباب اعتقاله وأنه استفاد منذ بداية حبسه من جميع الحقوق المعترف به للشخص المحبوس».
وأوضحت الحكومة «أن الجريمة المستهدفة هي الفساد وأن مصطلح عابرة للقارات يصف الإطار الذي ارتكبت فيه الأفعال المجرمة».
وثمنت المعارضة الموريتانية في بيان نشرته أمس «عمل مجموعة العمل حول الاعتقال التعسفي»، مؤكدة «أنه امتاز بالموضوعية والإنصاف.» مجددة «المطالبة القوية بإطلاق سراح السيناتور محمد ولد غده واسترجاعه لكافة حقوقه، وبالوقف الفوري للمتابعات الظالمة التي تطاول رجال الأعمال والشيوخ والصحافيين والنقابيين المشمولين في هذا الملف الذي يتكشف يوما بعد يوم، تضيف المعارضة، مدى زيفه أمام الرأي العام الوطني والدولي».
وطالبت المعارضة «السلطات بتنفيذ مقتضيات المذكرة الصادرة مجموعة العمل حول الاعتقال التعسفي المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تطبيقا لالتزامات موريتانيا واحتراما للمعاهدات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها».
وكانت الحكومة الموريتانية قد فندت في وقت سابق على لسان الناطق باسمها الوزير محمد الأمين الشيخ المعلومات التي ساقها الفريق المختص بمتابعة قضايا الاعتقال التعسفي التابع لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في رسالة وجهها للحكومة الموريتانية وألزمها فيها بالكشف عن أسباب اعتقال السيناتور في ظرف ستين يوما.
وأكد الوزير أن «هذه الرسالة تضمنت معلومات مغلوطة وخاطئة ومكذوبة وهي نتيجة طبيعية لكون هذه اللجنة تستقي معلوماتها من مصدر واحد غير نزيه وطرف في المشكلة ومشاكس»، منبهاً بهذا الصدد إلى «أن من المعروف أن الطرف الواحد لا تبنى عليه حقائق باعتباره منحازاً».
وأوضح «أن من الأكاذيب التي تضمنتها هذه الرسالة أن المعني (السيناتور السابق غده)، اعتقل على خلفية تكوين لجنة للتحقيق في صفقات التراضي وهذا أمر، يقول الوزير، يجانب الحقيقة لأن هذه اللجنة لم تشكل إلا بعد التعديلات الدستورية التي ألغت مجلس الشيوخ، والكل يعرف أن البرلمان يشكل اللجان كيف شاء ومتى شاء ولم تكن في يوم من الأيام سبباً في اعتقال أحد».
وقال: «كما تضمنت هذه الرسالة أن المعني معتقل بسبب معارضته للتعديلات الدستورية، والكل يعرف أن هذه التعديلات عارضها معظم الشيوخ ولم تكن تلك المعارضة سبباً في اعتقال أي منهم».
وشدد الوزير الناطق الحكومي الموريتاني على «أن الكل مطلع على التسجيلات التي أثبتت أن المعني كان يتولى توزيع رشاوي ليس فقط على بعض الشيوخ لمنعهم من التصويت لصالح هذه التعديلات، وإنما على بعض المعارضين للقيام بنشاطات مخلة بالأمن ولبعض الشباب للقيام بالفوضى».
يذكر أن مجموعة العمل حول الحبس التعسفي من قبل لجنة حقوق الإنسان التي أسست بموجب قرار اللجنة رقم 1991/42، تعمل حاليا بموجب مأمورية من ثلاث سنوات ممنوحة لها بقرار مجلس حقوق الإنسان رقم 33/30 الصادر بتاريخ 30 سبتمبر 2016.
ويأتي اعتقال السيناتور غده بعد نجاحه في إقناع غالبية أعضاء مجلس الشيوخ الموريتاني بالتصويت يوم 17 مارس 2017 ضد التعديلات الدستورية التي مررتها الحكومة عبر استفتاء شعبي نظم يوم الخامس من أغسطس 2017 وقاطعته المعارضة، مع تمكن السيناتور غده من تمويل نشاطات المعارضة الموريتانية المضادة لتعديل الدستور بالتنسيق مع المليونير الموريتاني المعارض محمد بوعماتو.
ويوجد السيناتور الشاب ولد غده منذ سبتمبر الماضي رهن الاعتقال القضائي التحفظي في ملف يضم 13 شيخا وصحافيين ونقابيين إضافة لرجل الأعمال محمد بوعماتو ومدير أعماله محمد الدباغ اللذين صدرت بحقـهما مـذكرتا اعتـقال دولـية.
يذكر أن ولد غده كان قد اعتقل يوم 18 أغسطس 2017، إثر بيان للنيابة العامة بنواكشوط، أعلنت فيه عن وجود تحقيقات بسبب «جرائم عابرة للحدود على نطاق واسع وأجنبية على أخلاق وقيم مجتمعنا»، بعد ذلك تم اتهام محمد غده يوم 31 أغسطس 2017 من قبل قاضي تحقيق بأفعال «الرشوة» طبقاً للقانون رقم 2016/014 حول محاربة الفساد والصادر بتاريخ 15 إبريل 2016، وفي يوم 1 سبتمبر 2017، تم وضع محمد غده في الحبس المؤقت بالسجن المدني بنواكشوط.
وفي يوم 11 أكتوبر 2017، تم إخراج محمد غده من زنزانته لتقديمه لأول مرة إلى قاضي تحقيق حيث أكد محاموه «أنه عومل معاملة شريفة وإنسانية، حيث تم تقييده ومنعه من الأكل ومن شراب الماء».
ويؤكد محامو السـيناتور غده «أن اعتقاله ليس قانونيا بصفته سيناتوراً يتمتع بالحصانة الدبلوماسية المنصوص عليها في المادة 50 من الدستور الموريتاني والتي تنص على أنه «لا يـرخص في متابعة أو توقيف عضو من أعضـاء البرلمـان أثناء دوراته لأسـباب جنائية أو جنحية ما عدا التلبس بالجريمة إلا بإذن من الغرفة التي ينتمي إليها»، وهـو ما يـرى المـحامون «أنـه لم يطـبق على محـمد غده خـلال اعـتقاله يـوم 10 أغسـطس 2017».
الجزائر تايمز