يعدل الموريتانيون مزاجهم كل صباح بكؤوس من الشاي الأخضر قبل أن ينطلقوا لأعمالهم اليومية، ويعرف عنهم الإدمان على شرب “الأتاي” كما يسمونه، ويتساوى الميسور والفقير في الإقبال على هذا المشروب الشعبي الذي يعتبر أحد أهم أساسيات الحياة اليومية في موريتانيا، ويقدم لإكرام الضيوف وفي الأعياد والمناسبات.
هذا الطقس اليومي الذي اعتادوا عليه في الصباح والمساء منذ القدم حيث تحضر كؤوسه الثلاث وفقا لتقاليد وأوضاع خاصة جعلهم يرتبكون خلال الأيام الأولى من رمضان عندما يذهبون إلى العمل والتسوق دون أن تكون رؤوسهم معدلة بالشاي الذي يغيب منذ السحور.
وقد أحدث شهر الصيام تغييرات في هذه العادة التي لها أوقاتها المخصوصة فالكثيرون يصابون خلال شهر الصيام بالدوخة والتقيؤ والكسل الشديد بسبب توقفهم عن شرب الشاي الأخضر الذي يجري إعداده حسب التقاليد منذ الساعات الأولى من الصباح.
تقول ربة الأسرة الزهرة بنت المختار “إن أكثر ما تخشاه خلال الأيام الأولى من رمضان هو الصداع الشديد الذي يسببه الابتعاد عن شرب الشاي خلال نهار رمضان”، مضيفة أن الأمر يصبح عاديا بعد صيام يومين أو ثلاثة إذ تتعود على ترك الشاي خلال ساعات الصوم ويزول الصداع تلقائيا.
وتفيد الدراسات بأن 99 بالمئة من الشعب الموريتاني يتناولون الشاي رجالا ونساء وأطفالا، معتبرة أن الشاي هو المشروب الشعبي الأول في موريتانيا بامتياز، حيث يتناوله الموريتانيون في جميع الأوقات وكافة الأماكن، بل يعتبر من الموروث الأصيل ومن العادات والتقاليد الموريتانية العريقة.
وعندما يودع الموريتانيون في رمضان شاي الصباح وهو الشاي الأساسي الأكثر أهمية في موريتانيا و”الذهيبي” وهو شاي المساء الذي يعد ثاني أوقات الشاي أهمية حسب العادات والتقاليد، وكلها أوقات تقع ما بين الإمساء والإفطار، تتعكر أمزجتهم ولا تعود إلى صفوها إلا مع شرب أول كأس شاي حيث يبادر الصائمون باحتسائه عند الإفطار في أكواب زجاجية صغيرة نصفها الأعلى ملآن برغوة “الأتاي” ونصفها السفلي ملآن بالشاي.
يقول أحمد موسى (طبيب) إنه لا يعاني من الصداع خلال الأيام الأولى وإنما يحس بإجهاد عام ورغبة في شرب الشاي ويزداد توترا عصبيا، وهو الإحساس الذي يسميه الموريتانيون بـ“آدواخ”، موضحا أن الأمر يتوقف على درجة الإدمان والإفراط في شرب الشاي خلال الأيام العادية.
ويضيف موسى أنه يزداد توترا عصبيا أثناء قيادة سيارته عند العودة من العمل، فلا يحتمل أخطاء الآخرين من السائقين، كما
لا يحتمل مشية المترجلين الثقيلة وسط الطريق.
وتكثر المشاجرات والمشادات الكلامية في السوق على غير عادة الموريتانيين المعروفين بهدوئهم ورباطة جأشهم، يقول موسى إنه لا يكاد يمر يوم دون أن تقع المناوشات بين التجار والزبائن، وعادة ما يكون سبب الخلاف بسيطا لكن غالبا ما يحسم الحاضرون هذه الخلافات بالتهدئة.
وبمجرد رفع أذان المغرب يتناول الموريتانيون التمر ومشروب المذق والشاي الأخضر، ثم يقيمون صلاة المغرب ويعودون مرة أخرى لتناول طعام الإفطار.
وتتنوع وجبات الإفطار عند الموريتانيين؛ فمنها الأطباق الرئيسية كطبق البنافه وهو خضار ولحم، والمخبوزات والحلويات، ومن العائلات من تعود إلى الأكل في العشاء فتتناول طبق الكسكس باللحم، وهو الطبق المفضل لدى الكثير من الموريتانيين، أما في السحور فيتم شرب الرائب أو المذق أو تناول الأرز المسلوق.
وينتهز الباعة المتجولون الفرصة، فيقدمون الشاي على الصينيات لمن أدركه الإفطار خارج بيته أو من ألزمه عمله بالإفطار في المطاعم العامة، وبهذا يعيش الموريتانيون الأيام الأولى من رمضان في عراك شديد بين واجب الصيام الذي يعتبر فريضة دينية والإدمان على الشاي الأخضر.
ويحرص الموريتانيون على اقتناء أفضل أواني الشاي من الأباريق والكؤوس قبل قدوم رمضان، وتربط الثقافة الشعبية تحضير الشاي بتوفر شروط أساسية يختصرها المثل الموريتاني الذي يقول “الأتاي لا بد له من 3 جيمات، الجماعة، والجمر، والجر”، ومعناه أن الشاي لا يصلح إلا بتوفر جماعة من الناس يحضره لها “القيام”، وهو معد الشاي، وعادة ما يكون أصغر الجماعة سنا.
ولا يستمتع الموريتانيون بالشاي إلا إذا كان على جمر ملتهب، ويحرصون على التأني في تقديم كؤوس الشاي؛ حيث يتم تقديمها 3 مرات بتؤدة وفي فترات متباعدة.
وتلزم العادات الموريتانية جماعة الشاي بمتابعة احتساء كؤوسه الثلاث حتى نهايتها ويدفع ضريبة ألف أوقية من اضطرته الظروف إلى مغادرة المجلس قبل اكتمال جلسة الأتاي. ويتفنن الموريتانيون في استيراد عينات الشاي الأخضر من الصين كما يتفننون في تذوقها ويتقنون بواسطة الشم التفريق بين رديئها وجيّدها.
وأفضل عينات الشاي المستوردة من الأسواق الصينية عند الموريتانيين هي التي يسمونها “مفتولة”، ومن العينات الرديئة التي لا يستهلكها سوى الفقراء عينات تسمى الخمرارية وأزرق العين.
وللشاي الأخضر فوائده الصحية المتفق عليها في الأوساط الطبية الشعبية الموريتانية حيث أنه يعالج أمراض البطن ويصفي الذهن، ويؤكد الأطباء الشعبيون أن أمراضا كثيرة اختفت بينها الاستسقاء وأمراض الطحال والكبد منذ أن تعرف الموريتانيون على الشاي الأخضر، لكن هل تظل فائدته مشروطة بالإفراط في شربه كما يفعل الموريتانيون؟
العربي