إن الأوضاع التي تشهدها موريتانيا اليوم تعد نذير خطر اقتصادي واجتماعي نظرا للجفاف الذي ضرب جميع المرافق الحيوية للبلاد وشل جميع قطاعاتها الاقتصادية. إذ من المعروف أن الاقتصاد الموريتاني هو بالأساس اقتصاد رعوي وهش بطبعه نظرا لقلة الإمكانيات المادية والنقص في البنية التحتية في قطاع الصناعة والتجارة، بحيث تبقي الفلاحة هي القطاع الهام والشريان الحيوي للاقتصاد الموريتاني.
كما أن معظم الشعب الموريتاني تمثل له الزراعة وتربية الماشية أساس مورد رزقه المالي. بالتالي تعتبر عاصفة الجفاف التي حلت مؤخرا بكافة أنحاء الدولة الموريتانية كارثة إنسانية عطلت جميع المصالح الاقتصادية ووضعت البلاد والعباد في أزمة اجتماعية خانقة.
تمثل الزراعة الموريتانية الجزء الأهم في المعاملات التجارية والمالية بالأسواق المحلية وتعتبر تربية الماشية المزود الأساسي للتغذية المحلية مثل اللحوم البيضاء من الدواجن والطيور واللحوم الحمراء من الأغنام والأبقار وأيضا المواد الأساسية مثل الحليب والبيض. كما تعتبر أكبر قطاع مشغل لليد العاملة نظرا لتوفر أجزاء كبري من الأراضي الفلاحية في كامل أرجاء موريتانيا وخاصة انفتاحها على جنوب غرب إفريقيا الذي سهل لها عملية تطوير هذا القطاع وتخصص الاقتصاد الوطني الموريتاني بالأساس في هذا القطاع الفلاحي.
إلا أن أزمة الجفاف الأخيرة أصبحت كابوس وطني وعائق حقيقي للتنمية المستدامة التي شلت النمو الاقتصادي للبلاد وبالتالي ارتفعت نسبة البطالة وحل عجز في الميزان التجاري نتيجة تقلص المبادلات التجارية الفلاحية. كما أصبح الهم البارز للحكومة الموريتانية ايجاد مخرج لهذه الأزمة الزراعية التي تمثل الحدث البارز لدي مختلف الطبقات الاجتماعية الموريتانية التي تسترزق من عوائد الفلاحة. إذ في هذا الإطار سارعت الحكومة بالاستنجاد بالدول الأوروبية وذلك في سياق الشراكة الأور ومتوسطية لإيجاد حلول جذرية لهذه الأزمة الزراعية.
إذ في هذا الإطار خصصت بعض الدول الأوروبية مشروع مساعدة مالية لتحفيز الاقتصاد الموريتاني لتجاوز محنته وذلك بتخصيص 10 مليون دولار كدعم مادي لهذا القطاع. كما تعد هطول الأمطار هي الأساس في الفلاحة الموريتانية التي تسهل جميع المرافق الحيوية وتسهل عملية تسيير المنظومة الزراعية مثل البيع والشراء في الأسواق خاصة في قطاع الماشية كالأغنام والدواجن والأبقار. لكن هذا العامل لا يمثل حل جذري لهذه الأزمة نظرا للظروف المناخية لذلك تسعي الحكومة الموريتانية لإيجاد بدائل لمصدر المياه.
إن الاستثمار في قطاع الفلاحة العصرية يعتبر هو البديل الوحيد ويشكل أهم مخطط لبرامج التنمية الاقتصادية الموريتانية، نظرا لأزمة المياه التي هي مرتبطة بالأساس بهطول الأمطار والتي تعتبر في مجملها غير مضمونة نظرا للتغير المناخي ولعوامل طبيعية وافتقار موريتانيا بالأساس للمياه الجوفية. لذلك يجب على موريتانيا وفق التخطيط الاستراتيجي والتنموي بتقليص الاعتماد على هذا القطاع والتنويع في مجالاتها الاقتصادية مثل تعزيز المبادلات التجارية في بعض المواد الأولية وجلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتركيز على قطاع الصناعة وتطوير مهارات اليد العاملة على غرار المنوال الاقتصادي المغربي والتونسي.
كما أن الأراضي الشاسعة الموريتانية و القريبة من العاصمة نواكشوط تمثل عامل ايجابي لتركيز أقطاب صناعية كبري و تجارية هامة. أما بخصوص الاعتماد على الزراعة الرعوية وتربية الماشية يجب على الحكومة الموريتانية اتخاذ تدابير تعصرية لهذا المجال والاستفادة من الشراكة الأوروبية خاصة منها مع فرنسا وألمانيا وجلب التقنيات الحديثة للتنقيب عن أبار مائية أو إنشاء أنهار اصطناعية أو تحلية مياه البحر وتحويلها الي قنوات سقوية عملاقة.
إن الاستثمار في مثل هذه المشاريع الضخمة في القطاع الزراعي الموريتاني يشكل ثورة حقيقية في ذلك المجال وأيضا يحولها إلي دولة خضراء وأكبر منتج للحوم والزراعة في منطقة شمال إفريقيا. و للتذكير بأكبر المشاريع التنموية في مجال الزراعة العربية نذكر منها دولة السودان التي تحتل المرتبة الأولي في الدول العربية المستثمرة في قطاع الفلاحة و ذلك بالتعاون مع بعض الدول الخليجية و الصين حيث تم استغلال الملايين من الأراضي الفلاحة للزراعة العصرية التي تعتمد تقنيات سقوية حديثة و بالتالي تم كسر عائق الفلاحة الرعوية التي تعتمد بالأساس علي هطول الأمطار.
إن أزمة الجفاف التي حلت بموريتانيا تعد عامل تطوير لمراجعة مخططاتها التنموية الزراعية ورسم خطوط عريضة بعيدة الأمد للاستفادة من الإمكانيات المحلية لتجعلها قطب ايجابي للإنتاج وتطوير مستوي الإنتاجية والقدرة التنافسية محليا أو عالميا. وبالتالي توفر النجاعة و المردودية للمنتجات الزراعية و تربية الماشية في المنطقة العربية. كما أن بعض الدول الخليجية التي تشكوا من عجز في الزراعة يمكن جلبها للاستثمار في هذا القطاع الزراعي الموريتاني الذي يعد رافد من روافد التنمية ويشكل مصدر هام لعوائد مالية محترمة للميزانية الموريتانية. إذ تعد قطر والإمارات من أبرز المستثمرين في المجال الزراعي خاصة في مصر والسودان أما الصين فهي تعد عملاق إنشاء الأنهار المائية الاصطناعية وخاصة منها مشاريع تحلية مياه البحار وتحويلها إلى أنهار سقوية.
إن رهان موريتانيا حاليا للخروج من هذه الأزمة الخانقة يتطلب دراسة شاملة لاستغلال المساعدات المالية التي تقدر بما يقارب 10 مليون دولار للتنمية الزراعية وكذلك الاستفادة من برامج البنك الدولي في مجال التنمية الفلاحية وتطوير انتاج اللحوم والحليب وحتى إمكانية تحويلها إلى صادرات، إذا حققت فيها فائض إنتاجي. كما يمكن لها الاستفادة من برامج جلب الاستثمارات الخليجية ووضع مخطط لإنشاء مشروع ضخم على غرار النهر الاصطناعي العظيم بالجماهيرية الليبية أو برامج تحلية مياه البحر الذي تعد المملكة العربية السعودية الرائدة في ذلك المجال لمواجهة موجات الجفاف.
فؤاد الصباغ باحث اقتصادي