تزور «الاتحاد» بيوت عقيلات، سفراء دول إسلامية، مقيمات في الإمارات، لتستكشف عادات وتقاليد الشعوب خلال الشهر الفضيل، الذي يجمع ويوحد بين المسلمين في شتى أرجاء العالم، مهما تباعدت المسافات والقارات.. لكن بالطبع، يضع كل مجتمع بصماته الفريدة وفقاً لتراثه وبيئته، على مختلف طقوس شهر الصوم، من استطلاع الهلال واستقبال الشهر، حتى الاحتفال بعيد الفطر. كل هذا ترصده «الاتحاد» على مدار الشهر الفضيل، عبر حواراتها اليومية مع قرينات السفراء.
تكاد تتوحد طقوس رمضان في مختلف الدول العربية والإسلامية، من حيث ما يسدله هذا الشهر الفضيل من سكينة وطمأنينة وراحة نفسية على الصائمين، وما يتخلله من عبادات متمثلة في قراءة القرآن والتصدق والتكافل الاجتماعي والتزاور، لكن تبقى كل دولة من هذه الدول تتفرد بخصوصيات تميزها عن كل دولة، وقد تتفاوت هذه الطقوس والعادات والتقاليد في البلد نفسه على امتداد جغرافيته، إلى ذلك نتعرف اليوم على طقوس رمضان بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، عبر مانة سيد أحمد اعلي حرم سفير موريتانيا، التي جالت بنا في ربوع موريتانيا، مسلطة الضوء على مجموعة من العادات والتقاليد الرمضانية الأصيلة التي يتفرد بها هذا البلد.
تؤكد حرم السفير الموريتاني بالإمارات أن الموريتانيين يستقبلون رمضان بمزيد من الفرح والبهجة، سيما أن الشهر الكريم يحظى لدى هذا الشعب المسلم والبالغ تعداده أكثر من 4 مليون نسمة بأهمية كبيرة تصل حد التقديس، حيث يعتبرون رمضان بابا مفتوحاً للصلاة والقيام وقراءة القرآن والتذاكر، إلى جانب إقبالهم على فعل الخير من تصدق وإفطارات جماعية، ويتسم الشهر الكريم في هذا البلد بإعلانه عبر أجهزة الإعلام الرسمية من إذاعة وتلفزيون، وعند التحقق من قدومه تتلقى الدولة برقيات التبريكات بحلول الشهر الكريم من مختلف أنحاء موريتانيا وأعيانها، كما يتبادل الناس التهاني بين بعضهم البعض.
حلق رؤوس الأطفال
وتضيف: «يستقبل الناس بموريتانيا رمضان بمزيد من الحفاوة والفرحة، حيث تتزين النساء بنقوش الحناء ويحلق للأطفال رؤوسهم لينبت خلال الشهر شعر جديد تيمناً ببركة الشهر العظيم، باعتبار الشعر الذي سينبت للأطفال من جديد هو شعر «مبارك»، يطلق عليه محلياً بـ «رغبة رمضان»، وهي عادة يحافظ عليها في عموم موريتانيا، كما تنظف البيوت وتخرج الأواني الكبيرة، حيث يطبخ الأكل بشكل وافر لاستقبال الضيوف أو للتصدق به، بالإضافة إلى شراء سجادات الصلاة والمصاحف والسبحات، وأيضاً شراء المؤونة الرمضانية الأكثر استهلاكاً كالتمر والدقيق والشعير والأرز».
صلاة التراويح
وتقول مانة، إن صلاة التراويح تعتبر طقساً مقدساً في رمضان سواء بالنسبة للرجال أو النساء، مشيرة إلى أن هناك من الأعيان من ينظم صلاة التراويح في بيته، حيث يتطوع أحد حافظي القرآن لإقامة الصلاة بالناس في البيوت، ولذلك تزين البيوت وتنار المساجد، مع الحرص على قراءة حزبين ونصف الحزب كل ليلة، ويبلغ الإقبال على المساجد خلال الشهر الكريم أوجه، كما تشهد صلاة التراويح إقبالاً خاصاً، وتحرص غالبية المساجد على ختم القرآن الكري، موضحة أن موريتانيا يشتهر سكانها بإقبالهم على حفظ القرآن الكريم.
وأشارت إلى كثرة المحاضرات الدينية والخطب الوعظية، وارتفاع أصوات الشباب والكهول كل يتلوا القرآن على حدة، إما حفظاً وإما قراءة من المصحف الشريف، حيث يمثل رمضان بالنسبة للموريتانيين شهر عبادة وتوبة وموسماً خاصاً للزيادة في التقرب إلى الله، إذ يعيش الموريتانيون هذا الشهر في أجواء احتفالية وإيمانية مفعمة بالمحبة والتسامح والتكافل، كما يتعزز دور الإذاعة والتلفزيون أثناء رمضان، حيث تصبح هذه الوسائل الإعلامية محور اهتمام المستمع والمشاهد الموريتاني، فلا تمر من شارع أو تدخل محلاً تجارياً إلا وانتهى إلى مسامعك صوت المذياع أو التلفزيون صادحاً بالقرآن الكريم أو المدائح النبوية أو محاضرات أحد العلماء البارزين، إلى جانب ذلك فإن الشعراء يوظفون إمكاناتهم لقرض الشعر الخاص بالشهر الكريم والأمداح النبوية والشمائل المحمية.
شراب الصائم
وتؤكد حرم السفير الموريتاني المعتمد في الإمارات أن المجتمع الموريتاني لا يزال محافظاً على عاداته وتقاليده الرمضانية الراسخة رغم التغيرات الكبيرة التي طرأت عليه، ويشهد هذا الشهر زيادة في المظاهر الدينية، من إقبال على الصوم والعبادات التي تشمل الأطفال الصغار أيضاً الذين يشكل لهم رمضان مدرسة دينية كبيرة، وعلى صعيد طقوس الإفطار في رمضان تقول مانة أن للموريتانيين عاداتهم في وجبات الإفطار، مثل الحرص على تناول بعض التمر، ثم القيام للصلاة في المساجد أو البيوت، وعند الانتهاء منها يشربون شرابا يسمونه «الزريك»، كما يطلق عليه «شراب الصائم»، وهو عبارة عن خليط من اللبن الحامض والماء، أما الحلويات، فالمشهور عندهم منها التمر المخلوط بالزبد الطبيعي، وتضيف في السياق ذاته: تتشكل المائدة الرمضانية من العديد من الأصناف والأطباق والحلويات التقليدية، كما طرأت عليها بعض الإضافات المتمثلة في أطباق الدول المجاورة أو العالمية، ورغم ما تحتويه هذه المائدة إلا أن الموريتاني يتجنب السكريات، ويفضل الإفطار على «الزريك» والزبدة مع التمر.
طقوس الشاي
ومن العادات الأصيلة لدى الشعب الموريتاني، إقباله على شرب الشاي في جميع الأوقات، كما يحتل هذا المشروب مكانة مهمة خلال رمضان، إلى ذلك تقول مانة: «إلى جانب مائدة الإفطار، فإن صينية الشاي تحتل مكاناً بارزاً في البيت والتي تحتوي على الكؤوس والإبريق والنعناع والسكر وحبوب الشاي، الذي يعد على الطريقة التقليدية، ويحرص الموريتانيون على شربه، بجانب التمر والزريك، ويتم ارتشاف من 3 إلى 4 كؤوس من الشاي قبل صلاة التراويح، كما ترافق كؤوس الشاي أكل طاجين اللحم الدسم، بينما يستمر الشباب في شرب الشاي طيلة الليل، حيث يعتبر ذلك من الطقوس لدى الموريتانيين، ومن عادات الموريتانيين أيضاً الفطور في البراري وبين الكثبان الرملية للاستمتاع بطبيعة الصحراء.
تسحروا يا عباد الله
على الرغم من التطور الذي شهدته المائدة الرمضانية الموريتانية بسبب الاحتكاك بالثقافات الأخرى، إلا أن الموريتانيين يركزون في رمضان على الوجبتين الرئيسيتين: الفطور والسحور، إلى جانب الشاي الأخضر المعد وقت الفطور، ويتكون الفطور عند الموريتانيين من التمر والنشاء المعد من حبوب متعددة، «القمح، والحبوب، والذرة، أو الشعير والفول السوداني» والطاجين باللحم، حيث تقول مانة: وجبة السحور، تتكون غالباً من الأرز والحليب، أو الكسكس واللحم، ولا يزال الموريتانيون يحرصون على الاستيقاظ لتناول وجبة السحور التي يعلن عنها في المساجد، ومن العادات الاجتماعية في هذا الخصوص أن يخرج الأطفال بعد صلاة التراويح يلعبون بالكرة وعندما يقترب وقت السحور يعملون على طرق الأبواب والمناداة «تسحروا يا عباد الله»، ولأن مجتمعنا مجتمع تقليدي فإنه روح التكافل والترابط تشيع فيه إلى حد كبير خلال رمضان وباقي أيام السنة، كما أن بعض العوائل تجهز صينية سحور وتأخذها للمساجد ليتمكن كل محتاج أو متأخر عن بيته من تناول سحوره.
أزياء رمضان
كباقي البلدان العربية والإسلامية، يستعد الشعب الموريتاني كغيره من الشعوب لإحياء ليالي الشهر الكريم وهو في أبهى حلة، بحيث تلبس الأزياء التقليدية الجديدة، مع عدم التكلف فيها، حيث توضح حرم السفير: نولي عناية كبيرة للعبادة، ونتأهب لصومه وإقامته ونجهز له الملابس النظيفة والجميلة، وتتحنى النساء ونحلق للأطفال رؤوسهم، وتكثر الزيارات، وصلات الأرحام، وتمتلئ المساجد بالشيوخ والأطفال والشباب والنساء، وتزدهر كذلك بعض الألعاب الترفيهية التقليدية في رمضان خاصة بالنساء «السيك»، وأخرى بالأطفال والرجال، لك أغلب الوقت يذهب للتعبد والنوم للاستيقاظ للسحور، ويحرص الجميع على ارتداء الملابس التقليدية النظيفة، ويحرص البعض على شراء الجديدة منها كل حسب قدرته الشرائية، بينما تتغير الأمور في الأيام الأخيرة من رمضان، حيث تمتلأ الأسواق وتغلق الشوارع القريبة منها تجنباً للازدحام المروري، وذلك لشراء ملابس العيد ومؤونته من حلويات وغيرها من المستلزمات.
العادات والتقاليد
ولا تقتصر العادات والتقاليد في موريتانيا على التعبد وفعل الخير، بل تتعداه إلى بعض الممارسات الاجتماعية المتأصلة في الذاكرة الجمعية للمجتمع الموريتاني، ومنها إحياء ليلة القدر ليلة السابع والعشرين من الشهر والتي ينتهي فيها تصفيد الشياطين، وحسب قولها «من العدادات التي نقوم بها ليلة القدر تسخين الإبر وكي الجسم بها، وذلك تجنباً لشر الشياطين التي تنزع عنها الأغلال ليلة السابع والعشرين من رمضان، وفي هذه الليلة تتحول العاصمة نواكشوط وباقي المدن إلى منارة لقراءة القرآن، بحيث يتلى في جميع المساجد ليعلو صوته في كل مكان وفي هذه الليلة تختتم صلاة التراويح.
فعل الخير
ويزيد خلال شهر رمضان فعل الخير والتصدق ليعم الخير على الفقير والغني، ويعتبر الموريتانيون كباقي شعوب العالم شهر رمضان شهر الخير والكرم، كما يتسم الشهر المبارك بإشاعة الخير والفضيلة بين الموريتانيين كافة، فلا تكاد تجد فقيراً أو محتاجاً خلال رمضان وفق «مانة» وعلى الصعيد الرسمي تقوم الدولة بإرسال عشرات الشاحنات المحملة بالتمور والأرز والقمح والسكر والحليب والزبدة وغيرها من المواد الاستهلاكية إلى مختلف أنحاء البلاد، ليتم توزيعها في المساجد على الصائمين لتساعد في وجبات الإفطار، وتشرف الجمعيات والمؤسسات الخيرية على توزيع الأطعمة والأغطية على المرضى في المستشفيات، كما يتم تقديم مساعدات مادية لسكان البوادي والمناطق النائية.
خروف لأم الزوجة
يحتل عيد الفطر السعيد في موريتانيا مكانة عظيمة، حيث يبدأ الإعداد له خلال العشر الأواخر من رمضان، من ملابس جديدة للكبار والصغار، والتزين، ومن الطقوس المتأصلة والعادات الجميلة التي لا يزال الموريتانيون يمارسونها بكل فخر، حسب حرم السفير: تحظى الأم بمكانة عظيمة في العائلة، لهذا تحرص زوجات الأبناء على إهداء الأم يوم عيد الفطر الذهب والملابس أو النقود والعطور، بينما يحضر زوج البنت كبش لبيت أم زوجته (نسيبته) ويعتبر سلوكاً معيباً في المجتمع إذا لم يقم بذلك، بينما يوزع جزء من الذبائح على الفقراء نطلق عليه بل «الدم».
زينة لليوم وليست للقوم
من العدادات الأخرى المتأصلة في المجتمع الموريتاني حرص النساء على التزين قبل العيد ويومه، حيث تزدهر صالونات الشعر والحناء، ويعتبر ذلك طقساً مقدساً يطلقون عليه زينة لليوم لا للقوم، وهي تترجم فرحة الموريتانيين بهذا اليوم، وهي زينة ترفع شأن صاحبتها وسط القوم.
أنجيونة
يحظى الأطفال في موريتانيا بتكريم خاص يوم عيد الفطر، من خلال الهدايا العينية والنقدية، وهي عادة دأب على ممارستها الشعب الموريتاني منذ القدم ويطلق عليها «أنجيونه»، أي العيدية في صبيحة يوم العيد، حيث ينطلق الأبناء مع آبائهم لزيارة الأهل والأقارب وكبار السن، في حين تحضر موائد العيد الذي يمتاز في أغلب موريتانيا بالذبائح، وهي عادة مقصدها التوسعة على الفقراء وإدخال السعادة على الأسرة، وترسيخ الوحدة والأخوة والتكافل، و«أنجوينة» تصل الأطفال من غير طلب.
الاتحاد - لكبيرة التونسي (أبوظبي)