بدلا من شراء طائرة جديدة من طراز "بوينغ 737 ماكس 8" بمبلغ 112 مليون دولارا (41 مليارا من الأوقية) تتسع ل 175 راكبا, فقد كان بالإمكان تعزيز الأسطول بشراء 8 طائرات جديدة من طراز "Embraer ERJ-135" (الصورة), التي تتسع الواحدة منها لنقل قرابة 40 راكبا, لأن حجمها يُناسب الرحلات المحلية داخل ولايات الوطن, وبإمكان أسطول منها تغطية مُعظم احتياجات السوق المحلية, كما أن إضافة رحلات جوية داخلية سيُنعش الحركة الجوية الداخلية, ناهيك عن كونه سيزيد من أرباح شركتنا الوطنية التي لن يكون لها مُنافس على مستوى الداخل, في حين أنها تلاقي مُنافسة أكبر في تسيير رحلاتها الخارجية من طرف شركات أخرى, خصوصا أن خدماتها لا تزال تحتاج بعض التحسين, كما أنها إحدى الشركات القليلة على مستوى العالم - إن لم تكن الوحيدة - التي لا تزال لا تتوفر على موقع حجز التذاكر عن طريق الانترنت (An Online Reservation Portal). بهذا الأسطول يُمكن بسهولة تخيُّل سيناريو فتح خط جوي بين انواكشوط والنعمة بمعدل رحلتين إلى 3 رحلات يوميا أو (انواكشوط - العيون) أو (انواكشوط - سيلبابي) أو (انواكشوط - ازويرات), و هو ما سيساعد في التخفيف على بعض المواطنين, الذين يتكبدون عناء السفر برًّا في رحلات طويلة و شاقة, خصوصا المرضى و أصحاب الحالات المستعجلة مِمَّن يتطلب علاجهم النقل على وجه السرعة إلى انواكشوط. عند الحديث عن الطائرات الكبيرة فإن عملاقي الطيران (الشركة الأمريكية بوينغ) و(الأوروبية إيرباص) تتبادران إلى الأذهان, لكن شركات أخرى مثل شركة "امبراير" البرازيلية و "بومباردير" الكندية تصنع بعض أحسن الطائرات, خصوصا من فئات الأحجام الصغيرة و المتوسطة, وعلى سبيل المثال فإن نصف المسافرين داخل الولايات المتحدة يُسافرون في طائرات من هذا النوع, كما أن هذه الطائرات تُعد من أكثر وسائل الطيران أمنا, ففرصة الوفاة في حوادث هذا النوع من الطائرات هي 1 على 30 مليون, أي أنها آمنة جدا. يتم استخدام هذه الطائرات بشكل واسع من طرف شركات الطيران المحلية الصغيرة (Regional Airlines) في الولايات المتحدة (أي التي تُعنى بالنقل بين الولايات الداخلية), مثل شركة "Republic Airways", التي تملك أكثر من 185 طائرة من هذا النوع, كما أن كل شركات الطيران الأمريكية الكبيرة تقريبا تستخدم هذه الطائرات, مثل شركة "Delta Airlines", التي تَظهَر إحدى طائراتها من طراز "Embraer ERJ- 135" في الصورة, و كذلك شركة "United Airlines" و "American Airlines", و التي تستخدم مجتمعة مئات من هذه الطائرات. على أن شراء طائرة جديدة لم يكن أصلا خطوة ناجعة من الناحية الاقتصادية, لأنه كان بالإمكان شراء طائرة مستعملة بأقل من نصف أو ثلث الثمن الذي دُفع من أجل شراء الطائرة الجديدة, كما أنه لو كان تم استخدام ال41 مليارا التي صُرفت في الطائرة الجديدة من أجل اقتناء طائرات مُستعملة من طراز "Embraer ERJ-135", لكان بإمكان "الموريتانية للطيران" أن تكون اقتنت قرابة 20 طائرة صغيرة مُستعملة, أو (10 طائرات صغيرة بسعة 40 راكبا و 4 متوسطة تتسع الواحدة منها إلى ما بين 80 و 90 راكبا), ولِمَن قد يدفعهم الفضول إلى التساؤل: أليس شراء طائرة جديدة أحسن من شراء طائرة مُستعملة؟ فالجواب القاطع هو لا! وقد خَلُصَ مُعظم الاقتصاديين الذين أجروا بحوثا عن هذا الموضوع إلى أنه باستثناء ما يُسمّى ب (Bragging Rights), أو (حقوق التفاخر) المرتبطة باقتناء الأشياء الجديدة بدافع الخُيَلاَء والعُجْبِ, فإن شراء الطائرات المستعملة هو أنجع كثيرا من الناحية المالية من شراء الطائرات الجديدة, خصوصا أن الطائرات تتمتع عادة بجداول صيانة استثنائية تجعل أكبر الطائرات عُمرا تُضاهي أحدثها سِنًّا من ناحية الجاهزية الميكانيكية والأمان. لم أكن لأكتب عن هذا الموضوع لولا أنني لم أرَ من تطرق إليه بما يليق به من اهتمام, فصرف هذا المبلغ الفلكي من أجل شراء طائرة جديدة في بلد يُعاني فيه المواطنون فقرا مُدقعا وتنهار فيه قطاعات التعليم والصحة هو أحد أكثر القرارات الارتجالية غباء, كما أن ما طغى على هذا الموضوع لم يكن جانبه الاقتصادي الأهم, بل الجزئية الثانوية (والصحيحة) المتعلقة بكون موريتانيا كانت أول بلد إفريقي يقتني هذا الإصدار الجديد من فئة "737 ماكس", لكن ما أهمية هذه القضية بالنسبة لموريتانيا و للموريتانيين؟ ثم إن التطبيل الذي صاحب هذه الجزئية كان مُصِمّا لدرجة جعلتك تُحِس و كأن الطائرة صُنعت في موريتانيا, وبالمناسبة, فقد سبقت 10 دول حول العالم موريتانيا في اقتناء الطائرة المذكورة. سيُفِيق الذين احتفلوا بشراء الطائرة الجديدة بعد أيام من نشوة الفرحة, بعد أن يُدركوا أنها أصبحت طائرة مستعملة و أن قيمتها قد نزلت في السوق, لكن الدّيْن الذي استُلِف من أجل شرائها سيبقى يُثقِل كواهلهم لسنين قادمة, وسيكشف قادم الأيام ما إذا كان شراء الطائرة الجديدة سيُساعد على نهوض شركة طيراننا الوطنية (وأتمنى ذلك), لكن ما علّمتنا التجارب هو أن ما دفع بمعظم شركات الطيران لإشهار إفلاسها لم يكن قِدم أساطيلها و لا نقص عدد طائراتها, بل سوء خدماتها و ضعف قدرتها على التنافس. #التوعية_قبل_التعبئة #موريتانيا_الغد