في سنة 2010 عقدت الحكومة الموريتانية أول مؤتمر للمعادن ، وقد عكس الإقبال على هذا المؤتمر ونوعية المشاركين فيه أهمية قطاع المعادن الموريتاني ، حيث شارك في المؤتمر 513 مندوب يمثلون 52 شركة من 26 دولة حول العالم.
نعم كل هذه الوفود لشركات عالمية مهتمة بالاستثمار في قطاع المعادن الموريتاني، لكن ما قد يغيب عن المتلقي لهذه المعلومات التى توحي بحجم الثروة التي تملتكها موريتانيا هو أنها من أفقر بلدان العالم و من أكثرها تخلفا و من أضعفها أداء في مؤشر التنمية البشرية ومن أكثرها انتشارا للفساد والمحسوبية والزبونية.
تعتمد موريتانيا بشكل كبير على قطاع المعادن حيث تصل مساهمة هذا القطاع في الدخل القومي 29% (إحصائيات 2013) ، وعلى الرغم من انخفاض أسعار هذه المواد في السوق الدولية خاصة الحديد ، إلا أن كمية الإنتاج ظلت في ازدياد متواصل حسب تقرير الشفافية الدولية (EITI).
بنية قطاع المعادن
في سنة 2013 بلغ عدد الشركات المحلية والدولية العاملة في قطاع المعادن الموريتاني 80 شركة ، تعتبر اسنيم أكبر هذه الشركات و تصدر أكبر حصة من إنتاجها من الحديد إلى الصين بنسبة 78% ، الشركة الموريتانية للنحاس MCM: وهي شركة خصوصية تعمل في منطقة أكجوجت، توظف 1000 عامل وتنتج 32000 طن من النحاس، و100,000 أوقية من الذهب (2.8 طن ذهب). ويبلغ دخلها السنوي 191 مليون دولار.
شركة تازيازت TASIAST MAURITANIA: تدير ثاني أكبر منجم للذهب 250 كلم شمال العاصمة انواكشوط تعمل من سنة 2007 ضمن أسوء اتفاقيات الاستغلال التي شهدها التاريخ حيث تصل نسبة الدولة من هذه الاتفاقية 4% مع وجود الكثير من إشارات الاستفهام والغموض الذي يلف هذه الاتفاقية. تنتج الشركة 140000 أوقية ذهب (4 طن سنويا) وتوظف الشركة 480 عاملا.
الموارد الطبيعية لموريتانيا
حسب تقرير الوكالة الأمريكية للعلوم الجيولوجية USGS2013Mauritania فإن موريتانيا إحدى الدولة الإفريقية القليلة التي تمتلك مخزونات هائلة من المعادن وفي مقدمتها : الحديد الخام ، الذهب بشكل أساسي كما توجد احتياطات مهمة من النحاس ، الفوسفات ، الجبس ونشر التقرير الاحتياطات الموريتانية من المعادن على النحو التالي:
النفط : 120 مليون برميل
الغاز : 1.2 تريليون متر مكعب
الذهب : 25 مليون أونست
النحاس : 28 مليون طن
الحديد : 1.5 مليار طن
الكوارتز : 12 مليون طن
الجبس : 9 مليار طن
الفوسفات : 29 مليون طن
مدخلات القطاع حسب تقرير EITI2014
في آخر تقرير لمنظمة الشفافية في قطاع الاستخراج عن مدخلات القطاع في موريتانيا 2014 ، أوضح التقرير أن الحكومة استلمت 390 مليون دولار تشكل مداخيل قطاع الاستخراج وأكثرها على شكل ضرائب ، ثلاثة أرباع هذا المبلغ جاء من قطاع المعادن وهذا المبلغ موزع على النحو التالي:
25% حصص للمستثمرين المشاركين في مشاريع الإنتاج
21% تذهب إلى خزينة الدولة
11 % ضرائب وروسوم تم استحداثها خلال العام 2014
ضعف كفاءة البيانات
في مايو 2015 كتبت كريستينا برغرمن منظمة الشفافية الدولية أن المؤشرات والبيانات المقدمة من طرف الحكومة الموريتانية تنقصها الدقة بشكل كبير ، وهو ما يجعلنا أمام تحديات كبيرة للتأكد من صدقية هذه البيانات. على الرغم من أن جميع الشركات العاملة في قطاع المعادن قدمت تقارير عن عملها لكن لم تقدم أي من هذه الشركات شهادة تدقيق من المدققين الماليين الذي أشرفوا على تدقيق الحسابات، كذالك لم تقدم أي من الوكالات الحكومية الخمس أي دليل على صحة ودقة المعلومات المقدمة إلينا.
مؤشرات في الحضيض
لنخرج قليلا من الواقع الخرافي التي نعيشه من خلال وسائل الإعلام العمومية ونسبر أغوار تقارير دولية معروفة بعراقة تجربتها في مجال الدراسات الإستراتيجية. ولنكن أوفياء للحقيقة بالاعتراف بها وتقبلها فإن التمادي والتعامي لا يغير من الواقع شيء بل يزيد واقعنا بؤسا ويفاقم أزمتنا و يهدد مستقبلنا.
مؤشرات تقريرBTI الألماني 2016
تقرير BTI الألماني هو تقرير شامل عن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسة لأكثر من 129 دولة حول العالم ، يصنف التقرير موريتانيا في قائمة الدول الأقل تطورا ، حيث سجل معدل التنمية فيها 0.487 محتلة بذالك المركز 161 في التصنيف العالمي (تقرير BTI2016).
يعتبر التقرير أن 40.7% من السكان يعيشون في فقر مدقع ، و47.7% يعيشون بأقل من دولارين يوميا. يرتكز الاقتصاد الموريتاني علي مجموعة قطاعات تشمل: (البترول، المعادن، الصيد)، تشكل هذه القطاعات الثلاثة 75% من مدخلات الدولة وتوفر 3% فقط من العمالة.
تعتبر الزبونية إحدى أهم الوسائل للاستفادة من مشاريع الدولة لذالك يحظي الأفراد والجماعات ذات الصلة بموظفين الدولة الكبار على الكثير من الامتيازات علي حساب بقية الشعب.
يعتبر التقرير أن الفساد هو أهم المعوقات التي تواجه موريتانيا لجلب الإستثمارات الخارجية، إضافة إلي الضرائب المرتفعة، ضعف البنية التحتية، ضعف مهارات الكادر البشري. من أكثر القطاعات التي يخيم في وباء الفساد ، القطاع الحكومي بشكل عام ، القروض البنكية ، رخص الصيد ، توزيع الأراضي ، اضافة الي الضرائب. تقديم أو استلام الرشوة يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون الموريتاني بالسجن من سنتين إلي عشر سنوات وغرامة مالية تقدر ب 700 دولار. لكن تطبيقات هذا القانون محدودة جدا وتتم بشكل انتقائي ، تدفع الشركات الوطنية والدولية رشاوى من أجل الاستفادة من ، الخطوط الهاتفية ، الكهرباء، الماء، رخص البناء.
مؤشر التنافسية الدولية 2016
تقرير التنافسية الدولي هو تقرير سنوي يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالم World Economic Forum (WEF) وهي مؤسسة سويسرية غير ربحية مقرها في جينيف ، وتهدف المؤسسة من خلال هذا التقرير إلى تسليط الضوء على مختلف المؤشرات الاقتصادية للدول و دراسة مستوي الإنتاجية وذالك لخلق سياسات اقتصادية دولية وإقليمية لتطوير اقتصادات الدول.
رغم الثروات الهائلة التي تزخر بها أرض موريتانيا ورغم القروض السخية من مختلف الهيئات التمويلية الدولية فإن موريتانيا لا تزال تعيش في الحضيض سواء من حيث مستوى معيشة السكان أو التعليم أو الصحة أو البنية التحتية وقد ظهر هذا الفشل جليا من خلال مؤشرات التنافسية الدولية للعام 2016 ففي مجال جودة التعليم الأساسي احتلت موريتانيا المرتبة 137 من أصل 140 دولة شملها التقرير بفارق 50 دولة عن الجارة السنغال التي احتلت المرتبة 87.
الصحة والتعليم العالي والبنية التحتية و الرشوة وكفاءة العمل الإداري كانت موريتانيا في أواخر الترتيب وبالضبط في الدول الخمس الأخيرة من اللائحة.
غياب الوعي الوطني
مما فاقم أزمة الفساد وانتشاره وتجذره بشكل واسع في قطاع المعادن هو غياب الوعي الوطني لدى غالبية الشعب بما في ذالك الطبقة المتعلمة ، والأحزاب السياسية ، والمنظمات المدنية ، والمثقفين والإعلاميين الكل غائب أو مغيب عن أحد أهم المشاكل التي تسبب في فقر البلد وتخلفه . فالكثيرون من هؤلاء لا يعلمون شيئا عن الثروة الموجودة في باطن الأرض والتي يتهافت عليها العالم في سبات عميق منا، لا يعلمون عن شيئا عن الصفقات التي تتم وعن الشركات التى تعمل ولا عن حجم الأموال التي تدخل الخزينة. يشمل غياب الوعي أيضا غياب البرامج التلفزيونية والتحقيقات الصحفية التي تكشف جوانب من هذا الفساد الذي سيكون سبب لخراب هذا البلد.
حتى على المستوى السياسي يلاحظ غياب تام للاهتمام بقضايا الثروة الوطنية وغياب المؤتمرات الصحفية والتحقيقات التي من المفترض أن تقوم بها الهيئات الاقتصادية في الأحزاب السياسية ، غياب الوعي بأهمية مراقبة الثروة الوطنية و الحفاظ عليها والاهتمام بمداخيلها ومراقبة الاتفاقيات من قبل هيئات المجتمع المدني والصحافة والإعلام والكتل البرلمانية جعل هذه الثروة ضحية لتلاعب كبير من نظام الجنرال و مقربيه وأعوانه وسط غياب أي اثر ملموس على حياة الناس و معيشتها.
منقول عن أخبار الوطن