يكاد يجمع المراقبون أن منطقة الساحل بشكل عام وتحديدا منطقة أزواد مقبلة على تحديات كبيرة ستشكل بداية لبروز أحداث جسام في المنطقة ولعل من أهم الأحداث التي تنتظرها المنطقة انطلاق قوة الساحل المشتركة التي أعلن عن تأسيسها في العاصمة المالية بامكو 2 يوليو 2017 بحضور الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون الذي تنسق بلاده موضوع إنشاء القمة وتضع ثقلها الإقليمي والدولي لإنجاح مخاض عسير لن يكون ميلاده أسهل من تحدياته اللاحقة.
وتؤكد مختلف المؤشرات والقرائن أن العلاقات الفرنسية مع دول الساحل الخمس يشوبها الكثير من الضبابية نظرا لاختلاف الرؤى أحيانا بشكل كامل بين المستعمر السابق وتجمع دول الساحل حول تفاصيل بعض الإجراءات المحضرة لإنشاء القوة المشتركة.
ويكون الأمر هنا أكثر حدة –أي الخلاف بين فرنسا وتجمع دول الساحل- بين الرئيسين الفرنسي والموريتاني الذين –فيما يبدوا- وصلا إلى خلاف عميق كانت تجلياته واضحة في العديد من القرارات والمواقف الإعلامية التي أعلنت عنها فرنسا في الفترة الأخيرة وأزعجت النظام الموريتاني، ومن أمثلة ذلك نذكر:
رفضت فرنسا مقترح الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز والدول الخمس والمتضمن رصد تمويل يبلغ 450 مليون أرو سنويا لإنشاء القوة المشتركة، واستبدلت فرنسا المقترح بالتعهد بالبحث عن تمويل يبلغ 250 مليون أور سنويا لا تدفع كأموال مباشرة وإنما يتم توجيهها للدعم اللوجستي والعملياتي.
ويبدو أن فرنسا حسمت موضوع تمويل القوة المشتركة في اجتماع برلين الذي عقد في 19 من سبتمبر المنصرم مما أزعج الرئيس الموريتاني، ولعل مما زاد الفجوة بين النظامين الموريتاني والفرنسي، قيام الأخيرة بتقليص سقف التمويل إلى النصف دون تقديم شيء ملموس أو تحديد موعد لدفع جزء من المبلغ الذي تم التعهد به.
أبدت فرنسا استياءها من الموقف الموريتاني الذي يشترط توفر التمويل أولا للبدء في تنفيذ عمليات القوات المشتركة على الأرض، وترغب في التسليم بالأمر الواقع والذي قبلت به كل من بوركينا افاسو ومالي والنيجر، وبدأ العمل الميداني على الأرض وأن يكون قائد القوة المشتركة (جنرال مالي) على تنسيق مباشر مع قائد قوة برخان (جنرال فرنسي)، وتقوم الأخيرة بتوفير الدعم أو التجهيزات التي تحتاجها القوة المشتركة بعد توجيه طلبات لقائد قوة برخان الذي يحدد مدى جدوائيتها.
حثت فرنسا الرؤساء الأفارقة على المشاركة في أنشطة الجمعية العامة للأمم المتحدة وطلب الدعم المالي من المجتمع الدولي لصالح القوة المشتركة، وهو ما رفضه رؤساء دول المجموعة وامتنع بعضهم عن المشاركة كما فعل الرئيس أتشادي إدريس دبي رغم اتصال الرئيس الفرنسي عليه وحثه على ضرورة المشاركة.
ويبدو أن المنعرج الخطير في العلاقات الموريتانية الفرنسية والذي بدت تجلياته واضحة في مسار قوة الساحل المشتركة، جسدته وسائل الإعلام الفرنسية الخارجية مثل فرانس 24 والقناة الفرنسية الثانية وإذاعة فرنسا الدولية، حيث قامت تلك المؤسسات مؤخرا بتغطيات سلبية عن واقع حقوق الإنسان والحريات في موريتانيا.
و بثّت القناة الثانية الفرنسية تقريرا عن زيارة الرئيس الفرنسي إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولقاء جمعه بالأمين العام للأمم المتحدة انتونيو غوتيرس لنقاش تمويل قوة الساحل المشتركة. وخلال النقاشات الخاصة قال الرئيس الفرنسي إن الموقف الموريتاني متصلب جدّا في موضوع القوة المشتركة، لكنّ مستشار ماكرون الدبلوماسي تدخّل لينبهه إلى أنّ اللقاء مسجّل حتى لا يسترسل في الحديث عن المشاكل بينه والنظام الموريتاني.
ويبدو أن مسألة تمويل القوات المشتركة حساس جدا وربما يكون النقطة التي تفيض الكأس في العلاقة بين الرئيس الفرنسي ونظيره الموريتاني، وستكون الأيام القادمة حبلى بالتطورات مما سيحتم على الطرفين اتخاذ خطوات متقدمة وإعلانا للمواقف بشكل صريح بدل المداهنة والمراوغة.
الشروق ميديا