تظهر التعيينات التي جرت بوزارة التهذيب الوطني مؤخرا أن هذا القطاع الحيوي أصبح رهينة إملاءات الجنرالات بشكل بلغ الكثير من عدم اللباقة وكشف عن عمق واتساع تدخل هؤلاء في جميع مفاصيل الدولة وتفاصيل سير الحياة العامة؛ مما حول الوزراء إلى دمى تافهة في أيدي هؤلاء ورسخ عقيدة تتنامى باستمرار مضمونها الاستخفاف "بالمدنيين" بشكل عام ونزع الثقة منهم بل وإذلالهم وخدش كبريائهم وتصويرهم وكأنهم لا يصلحون.
وإن الذي لا يمكن التغاضي عنه ويفاقم المشكل الوطني ويهدد مستقبل البلاد هو ما يتعلق خصوصا بميدان التعليم الذي يجب أن لا يخضع للتلاعب والسير عبر أساليب الوساطة والزبونية والاعتبارات السياسية.
إنه القطاع الذي ينتقل من الكارثة إلى المأساة ويجب على كافة قوى الدولة والمجتمع تكثييف الجهود من أجل تدارك حالته، ولذلك كان من المفترض أن يبقى نقيا وأن يسند تسييره إلى رجال مخلصين،وطنيين وأكفاء، لهم معرفة حقيقية بالميدان ومسبرين لأغواره وأن يتحرر وزراؤه من سيطرة الضباط أو أي جهة أخرى كي يستطيعوا معالجة الاختلالات العميقة التي يتخبط فيها.
لقد اتفق الموريتانيون على أن قليلا من الأمل قد تولد مع الوزيرة السابقة نبقوها حيث بدأت الطريق الصحيح قبل أن يتم الانقلاب على الحكم المدني، وليس ذلك كونها غير إنسانة عادية بل أنها وجدت البيئة السياسية الملائمة لتطبيق خططها ويتردد على نطاق واسع أنها لم تتلق مهاتفة واحدة أو إشارة من لدن رئيس الجمهورية يومئذ أو أي من المسؤولين العاليين مدنيين كانوا أو عسكريين لذلك نجحت رغم قصر الوقت الذي قضته وزيرة.
كم كان عظيما أن يستقيل وزير التهذيب الوطني عندما يتم التدخل له في صلاحياته بهذا الشكل الفج وغير المحترم ممن كانوا هم أبعد طرف من القطاع وهل فكر في اختطاف ذلك الشرف العظيم ؟
ماذا كان سيخسر لو فعلها وَسُجِلَ في لائحة عظماء الجمهورية .
لا نعتقد أن أية أضرار سيتعرض لها لو أقدم على تلك الخطوة النبيلة وكان سباقا إليها .
لقد كان بوسعه لوفعلها أن يقوم بأول عمل على طريق الإصلاح الشامل وكان سيسدد ضربة قاضية لكافة الجبناء والنفعيين وعبدة الأمعاء والمفسدين.
لو نفذها لكان ترك أثرا تاريخيا خالدا ستتحدث عنه الأجيال القادمة وسيقف تلاميذة المدارس يوما قائلين: "هل تعلم أن أول وزير موريتاني يستقيل من أجل التعليم هو السيد إسلم ولد سيد المختار".
ذلك شيء رائع إلى أبعد الحدود ، وهو أمر أفضل بكثير من أن يعزل معالي الوزير في تعديل حتمي قريب ويومها لن يلقي عليه السلام غير أفراد أسرته وخاصته.
وكالة كيفه