مقدمة
يعد كتاب "مالي، قصة حياتي" باكورة مؤلفات السيد/ شوغيل كوكالا ميغا التي صدرت وهو في أعلى هرم السلطة، في منصب رئاسة الحكومة وهو المسؤول عن تطبيق رؤية رئيس الدولة من خلال تنفيذ برنامج السياسة العامة للحكومة مع فريقه الوزاري. ومن هنا تنبع أهمية هذا العمل الذي يوضح الطابع السياسي والتنفيذي لحكومة الفترة الانتقالية في مالي.
يسرد مؤلف "مالي، قصة حياتي" جوانب من حياته منذ انخراطه في أنشطة التجمعات الطلابية إلى دخوله عالم السياسة وتوليه مناصب عدة. يمكن إدراج الكتاب ضمن السرديات التاريخية، حيث سعى الكاتب إلى ربط تسلسل الأحداث التي عايشها، بل وتلك التي كان طرفا فيها، وفق ترتيب منتظم للوقائع التاريخية.
الكتاب لمحات من سيرة ذاتية، وخلاصة ذاكرة، ومقتطفات من مسيرة حياة، منها ما هو ظاهر للعيان، ومنها ما كان خافيا عن ضوء المعاينة، وتتسم بالقابلية لأوجه مختلفة من التأويلات، وتتضمن أيضا بعضا من الرسائل التي يريد المؤلف إيصالها للقارئ.
السياق والمسوغات
إن أهم مسوغات كتابة المقال تستقي من مسوغات كتابة الكتاب نفسه، "مالي، قصة حياتي" وقد عده المؤلف إعلاء لصوت الحق في ظل تغوّل الباطل الذي زيف الحقائق وغيّب العقول. يفتتح الكتاب بعبارة: "الكذب الصاخب يتغلب على الحقيقة الصامتة" بمعنى أنه لا بد من الانقلاب على ظاهرة استفحال أبواق المخادعين الذين جاؤوا بالديمقراطية الغربية عبر العرابة فرنسا، 30 عاما قضاها الشعب في كذب النظام، في التلاعب بالأحداث من أجل بناء دولة على الباطل، لا لينعم الشعب بالعيش الرغيد؛ وإنما لاستغلاله في تحقيق مصالحهم الشخصية، والتي من ورائها يثبت المستعمر أقدامه.
يذكر المؤلف الذي خاض سباق الانتخابات الرئاسية مرتين في 2002 وفي 2018 ألقى خلالهما الكثير من الخطابات والمداخلات واللقاءات التلفزيونية والحوارية، والتقى بالعديد من الشخصيات، وتناقش معهم عن ملفات مهمة في إدارة الدولة، كل ذلك بحضور زوجته التي تعد شاهدة عيان على كل ذلك؛ فقد أشارت إليه بأن يكتب هذه الأحداث والمواقف لتكون ذاكرة حية تتحدث عن تاريخ مالي المعاصر الذي تجري أحداثه أمام أعيننا.
قيم ومبادئ
يذكر المؤلف أنه التزم بعدة قيم ومبادئ، صنعت هذه الشخصية التي أوكلت إليه مهام لإدارة هذا البلد. أول تلك المبادئ هو معرفة المرء ذاتَه، حيث يكون على إدارك بقدراته وحدوده، أو كما قال أرسطو: "معرفة النفس بداية كل حكمة" فمن خلال معرفة النفس يستطيع الفرد معرفة المجتمع الذي يعيش فيه وبالتالي معرفة كيفية إدارة شؤونه.
معرفة النفس والمجتمع والأمة التي ينتمي إليها كانت من خلال المطالعة على كتب التاريخ، حيث يذكر أنه قرأ أجمل صفحاته، خصوصا تاريخ نضال الشعب في فترة الاستعمار الفرنسي، ويضيف أنه تعرف أكثر على صفات وطبائع الشعب المالي من خلال زيارته للأرياف والمدن البعيدة، تعلم منها أن يبقى الإنسان على تواضعه في كل المواقف، وأن يظل وطنيا في جميع الأحوال.
أهم محطات حياته
تناول الكتاب حياة المؤلف منذ أن كان شابا في الثانوية التقنية عام 1974م، وبعد تخرجه تم ابتعاثه إلى موسكو لدراسة الاتصالات إلى أن حصل على درجة الدكتوراه ثم عاد إلى مالي ليتدرج في المناصب الإدارية. يروي أنه شاهد مدى التلاعب بعقول الناس ونتيجة ذلك الانقلاب العسكري عام 1991 الذي أطاح بالرئيس موسى تراوري بمباركة فرنسا وسقط في احداثها الكثير من القتلى والمفقودين.
بعد الإطاحة بالرئيس تراوري وتفكك حزبه إثر استقطابهم من قبل الديمقراطيين، يذكر الكاتب أنه حاول إحياء الإرث السياسي وإعادة حزب تراوري للوجود بعد تثبيت الديمقراطية كأساس للحكم وأصبحت التعددية الحزبية حقا يضمنه الدستور، لكنه واجه رفض وتعنت الإدارة الجديدة في البلاد التي لم ترد منحهم التصاريح اللازمة وهو ما دفعه لإنشاء حزب جديد رأى النور في العام 1995م وهو حزب يحمل اسم الحركة الوطنية من أجل التجديد (MPR).
مواقف مع رؤساء سابقين
أفاد الكاتب بأن هنالك مواقف تاريخية لبعض رؤساء مالي على الساحة الوطنية أو الدولية جعلت منهم رجالا تركوا أثرا في نفسه على الرغم من خلافه السياسي معهم. أولى هذه المواقف هي للراحل أمادو توماني توري حينما تمت دعوته في العام 2010 لحضور عرض عسكري في الشانزليزيه بمناسبة حصول معظم الدول الإفريقية على الاستقلال من فرنسا في عام 1960م وبينما يجري العرض العسكري وقف جميع الرؤساء الأفارقة تحية لجيش فرنسا باستثناء رجل واحد، ظل جالسا في مقعده، لأنه يدرك حجم الجرائم التي ارتكبها هذا الجيش في السابق ضد المدنيين في مالي فآثر الجلوس، إنه امادو توماني توري .
يذكر أيضا أن الرئيس إبراهيم كيتا ندد بالسياسة الغربية يوم توقيع اتفاقية السلام في العام 2015 مع الحركات المسلحة حيث ذكر دبلوماسي فرنسي أنه يجب أن تظل امكانية توقيع الاتفاقية مفتوحة مع الحركات التي لم توقع بعد، ويجب ألا يكون مبدأ عدم التوقيع دافعا لاستهدافهم عسكريا. في نبرة تهديد أمام رئيس الجمهورية الذي لم يدع الخطاب يمر دون رد حازم، إذ شدد على ضرورة احترام الشعب المالي الذي طالما وفَّى بالتزاماته، مؤكدا على ردود الفعل المسؤولة التي قام بها الجيش تجاه الاستفزازات وخرق اتفاقية وقف النار التي قام بالإبلاغ عنها لكن نادرا ما تم التجاوب معه.
قالو عن الكتاب
أثار الكتاب الكثير من الجدل في الأوساط السياسية، خاصة تلكم المحسوبة على التيار الديمقراطي؛ حيث وصفه البعض بأنه يدعو للتفرقة في وقت يحتاج فيه الماليون للوحدة، وذكر آخرون بأنه في العادة يكتب المسؤولون عن حياتهم بعد انتهائهم من مهامهم، إلا أن الوزير الأول بدلا من تحليل مشاكل الدولة أخذ يكتب عن نفسه ويتفاخر بها، في وقت يعاني فيه الماليون من نقص في الكهرباء والغذاء، بل ذهب أحدهم إلى أبعد من ذلك عندما اتهم الوزير الأول بالتلفيق وخلق الأكاذيب.
وعلى صعيد آخر ذكر البعض أنه كتاب غني يتناول احداثا تكشف مدى التلاعب في عقول العامة وكذلك التاريخ السياسي لشخصية معاصرة ما زالت تضع بصمتها على الواقع المالي، وأن المؤلف حر في كتاباته ولا يوجد تاريخ محدد للنشر أو الكتابة.
خاتمة
كتاب "مالي، قصة حياتي" يظل عملا مهما، حيث كتبه سياسي تقلد حقائب وزارية عدة مع رؤساء دولة مختلفين، عدة قواسم مشتركة تربط الكاتب مع الرئيس الحالي العقيد غويتا منها مناهضتهما لمرحلة الرئيس كيتا ورغبتهما في خلق فترة انتقالية تُحدث قطيعة مع الماضي وكذلك الحصول على السيادة الحقيقية لمالي.
ان قراءة تحليلية بين سطور الكتاب كفيلة بأن يتفهم القارئ منهج الدبلوماسية الصارم الذي انتهجته مالي خاصة مع المستعمر القديم؛ فخطاب المؤلف الذي ذيّل به الكاتب في الأمم المتحدة يعد من أهم الخطابات التي ألقاها واعتُبِر نقطة تحول في العلاقات أفضت إلى توترات كبيرة وأخذت منعطفا نحو المعسكر الشرقي، نحو روسيا والصين وتركيا.
في لغة بسيطة التراكيب بعيدة عن الكلمات الصعبة التي تستوجب استخدام القواميس يستهدف الكاتب كل من يعرف القراءة ويحاول الدخول الى حقل أفكارهم لإقناعهم بمواقفه وبفكره السياسي.
كونتا علي/ إعلامي مالي