أفضل وأنجع دعم عسكري وسياسي، قدمته الأنظمة العربية للقضية الفلسطينية، ينحصر في أمرين؛ نشاهدهما منذ 07 أكتوبر الماضي:
١. رفضُ الدول العربية استقبالَ لاجئين على أراضيها، قادمين من غزة، ساهمَ في افشال سياسة تهجير "الغزويين" التي يحاول النظام الصهيوني بكل ما أوتي من قوة فرضها وجعلها أمرا واقعا، كما كان الحال عام 1948 وعام 1965: تُدمر قواته المنازل وكل مقومات الحياة في القطاع فضلا عن تقتيلها السكان وأهانتهم، بينما تدعوهم وتحثهم تحت قصف المدفعية والدبابات والسلاح الجوي إلى النزوح خارج المنطقة. ولا يسلم فلسطينو الضفة الغربية والقدس من تلك العمليات الإجرامية.
وطبعا ترفض المقاومة الفلسطينية والسكان هذه السياسة، ويواجهونها بشجاعة منقطعة النظير. ولِمَ لا، وليس لهم من خيار آخر!
٢. خلافا لما وقع في حرب ١٩٤٨ وحرب ١٩٦٥ وحرب ١٩٧١، نأت الانظمة العربية بنفسها بعيدا عن المشاركة في الحرب الدائرة منذ "طوفان الأقصى". مما أكد ورسخ في الأذهان وعلى الميدان ما استنتجه الفلسطينيون على مر 76عاما من احتلال واستلاب وطنهم وأرضهم: اعتمادهم على أنفسهم هو السبيل الوحيد للخلاص مهما كلفهم ذلك.
ولا يَرضى إطلاقا جل العرب والمسلمين عن هذين الأمرين. بل يرون فيهما وصمة عار رُسمتْ على جبين الأمة العربية والإسلامية بدماء الشعب الفلسطيني المُرة ومآسيه المؤلمة. وهم على صواب إلى حد كبير.
لكن، كما بينا سابقا، فرُبَّ ضارة نافعة: اليوم يتشبث الفلسطينيون بالبقاء على أرضهم مهما كان الثمن، ويعولون تماما على أنفسهم. فلا وعودَ خارجية واهية بالعودة وبالتحرير، تغريهم وتخدعهم، وتشوش على استقلالية رِؤيتهم السياسية وجهودهم الذاتية. بل هم سادة أمرهم.
الشيء الذي لا يمنعهم من كسب دعم عالمي متزايد. بل على العكس: تضحياتهم الغالية وتصميمهم واعتمادهم على أنفسهم... هي العوامل ذات المحصلة الفعالة والحاسمة في لفت أنظار شعوب العالم إلى عدالة قضيتهم.
فهكذا نرى منذ شهور عديدة موجات غضب عارمة تتعالى عبر العالم، دعما لكفاحهم وتنديدا بجرائم العدو الصهيوني. حركة واسعة شملت فضاءات كثيرة ومتنوعة: الجامعات، المنظمات الحقوقية، منظمات المجتمع المدني، هيئات القضاء الدولية، حكومات متعددة ومتزايدة في أوروبا، في القارة الامريكية، في إفريقيا...
ولا يبدو أن غياب الأنظمة العربية- أو فتورها- عن هذا الحراك له تأثير كبير على مساره المتنامي.. اللهم إن كان الخجل المتمثل في تكميم الأفواه الذي أصاب دعاة "التطبيع" منذ "عملية 07 أكتوبر".
ولهذا السبب، فربما أن جنوب افريقيا لا ترى في الموقف العربي الضعيف فائدة كبيرة بالنسبة للدعوى التي تقدمت بها أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل. وإلَّا، فما معنى تحفظها على انضمام دول عربية إلى هذا الملف؟
هل نحن أيضا، في هذه المسألة القضائية، أمام ضارة نافعة ثالثة، تتمثل في غياب الأنظمة العربية- أو بعضها- عن المشاركة في مرافعات ضد جرائم النظام الصهيوني العنصري، مرافعات يقدمها من ضحوا بالغالي والنفيس حتى قضوا على نظام "الابارتيد"؟
ولمعرفة دوافع جنوب افريقيا واندفاعها القوي إلى جانب الفلسطينيين، فهل من حاجة للتذكير بأوجه الشبه المقيتة بين الابارتيد مع النظام الصهيوني، وبالتعاون الثنائي المتين الذي كان قائما بين النظامين العنصريين؟
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)