لم يستوعب الكثير من المتتبعين لما يدور في الساحة السياسية المحلية؛ قرار رفض رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز التقدم لمأمورية ثالثة، رغم تواصل المبادرات السياسية المطالبة بذلك حتى بعد إعلان الرئيس لموقفه من قصة الترشح مجددا..
وعلى الرغم كذلك من حديث البعض عن وجود دستور جديد يؤسس لجمهورية ثالثة في موريتانيا؛ وهو ما قد يمكن الرئيس من الترشح مجددا على اعتبار أن القسم كان على دستور العشرين يونيو 1991، إلا أن معلومات تحصلت عليها "السفير" من مصادر مطلعة تُؤكد أن رفض ولد عبد العزيز البقاء في السلطة كان نتيجة ضغوط ـ من نوع آخر ـ مارسها عليه رجل الأعمال المتنفذ محمد ولد بوعماتو.
وتشير المصادر إلى أن اجتماعات عُقدت بفرنسا قبيل انطلاق الحوار الوطني الشامل نهاية شهر أكتوبر الماضي، من خلال ما يعرف بخلية "فرانس آفريك"، وضمت العديد من النخب السياسية الموريتانية بما في ذلك المجموعات الزنجية المتواجدة هناك فضلاً عن رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، والذي أكد خلال لقاءات أجراها مع شخصيات فرنسية مرموقة، على أنه وفي حالة أقدم الرئيس محمد ولد عبد العزيز على الترشح لمأمورية ثالثة فسيسعى جاهداً إلى دعم زعيم المعارضة السابق احمد ولد داداه بما أوتي من قوة وسيستخدم كافة علاقاته ونفوذه لتمكين ولد داداه من خلافة ولد عبد العزيز،..
تهديدات ولد بوعماتو التي أوصلت لولد عبد العزيز عن طريق أحد الحاضرين، أخذت ـ فيما يبدو ـ على محمل الجد خصوصاً أثناء جلسات الحوار وما اعتراها من محاولات الحزب الحاكم لـ"المقايضة" فيما يتعلق بفتح سن الترشح مقابل المأموريات، وهو ما أزعج رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير، ودفعه لاحقاً للانسحاب على وقع مطالبة أنصار الرئيس بمأمورية ثالثة، قبل أن يبدد الرئيس أحلام دعاة خرق الدستور ويخلط الأوراق مجددا خصوصا بالنسبة لمن تخلفوا عن الحوار ورفضوا أن يكونوا جزءاً من لعبة سياسية لم تتضح معالمها لحد الساعة.
فالحوار السياسي الأخير وإن لم يُضف جديداً بخصوص الأزمة السياسية، بقدر ما طرح إشكالاً قانونياً في ما يتعلق بإلغاء غرفة الشيوخ وتنظيم استفتاء شعبي واستحقاقات انتخابية لن تكون محل إجماع، فقد طرح خطاب رئيس الجمهورية خلال حفله الختامي أكثر من استفهام بل وأربك الرأي العام؛ إذ لا يعقل أن يدفع نظام بوزراء وشخصيات كبيرة في اتجاه المطالبة بمأمورية ثالثة في حين تُجهض كل تلك المساعي والجهود في مناسبة وطنية تابعها الموريتانيون باهتمام كبير.
وإذا ما عدنا قليلاً إلى الوراء وقبل إعلان نتائج الحوار الوطني الشامل، سنلاحظ حالة الجفاء التي طبعت العلاقات الموريتانية الفرنسية، ما يوحي بوجود ضغوط "مزدوجة" على الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وهو ما دفعه فيما يبدو لانتقاد السياسة الفرنسية في سوريا في خطابه الشهير بمدينة النعمة، وفي مقابلته مع جريدة "الأهرام" المصرية، وتحذير الفرنسيين لرعاياهم في موريتانيا وما أعقبها من تقارير أمنية "مفبركة" ساهمت فيها الولايات المتحدة الأمريكية، تقول بوجود خلايا إرهابية على الأراضي الموريتانية مشفوعة بتقارير أخرى عن الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.
ما لم يستوعبه الشارع الموريتاني لحد الساعة، وبعد حسم قصًة "المأموريات"، ليس التأخير الحاصل في تطبيق مخرجات الحوار أو التي تتعلق منها على الأقل بالتعديلات الدستورية، رغم الحديث عن فرضية تمريرها عبر مؤتمر برلماني وشيك فحسب، بل كيفية تخلي ولد عبد العزيز عن السلطة ومن سيخلفه، وأين ولد داداه وولد بلخير مما هو قادم، أم أن هنالك مفاجآت من العيار الثقيل؟!.
السفير