كيف يتقاطع ويختلف "أسدنا" مع نتنياهو ؟

اثنين, 07/15/2024 - 22:58

اطلعْتُ منذ اقل من ساعة على تقرير صحفي حول مقال للكاتب الإسرائيلي بن درور يميني يعالج إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لحرب حكومته على غزة والتعاطي المريب لهذا الأخير مع المفاوضات مع حماس. ولفت انتباهي أحد عناوينه الفرعية: " نسختان من نتنياهو"، بيَّن الكاتب من خلاله أن بلاده تتعامل مع " نسختين من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو" : نسخة اوصت بمقترح وقف إطلاق النار الذي تبناه وقدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن نهاية شهر مايو الماضي، ونسخة أخرى تعارض علنا نفس المقترح وغيره من اتفاقيات الهدن لأسباب سياسية خاصة بها، مُعلِنة ومكررة أنه لا سلام دون "النصر الكامل على حماس". ومع ذلك يترك نتنياهو الباب مفتوحا أمام التفاوض، محاولا اللعب على وترين متنافرين.

ذكَّرني هذا المقطع ببعض الأمور التي تجري في بلادي-موريتانيا، إذْ شعرتُ من خلاله بتقاطع بين الحسابات التكتيكية للسيد نتنياهو مع حسابات استراتيجية لأحد السياسيين في وطني. ففور ما يطَّلع "أسدنا"-(صورة الأسد هي شعاره في الحملات والعمليات الانتخابية )- على أنه فشل في بلوغ هدفه السياسي المعلن، يبادر إلى محاولة زعزعة الأمن بغية خلق أزمة سياسية. وعندما يدرك أن الأزمة السياسية التي يبحث عنها بعيدة المنال، يحاول صيانة ماء الوجه، فيرفع شعار "الحوار السياسي" كخطاب تهدئة يشوبه تماما كونه مُحمَّل في نفس الوقت بجرعات عالية من سب وذم سلطات سامية في الدولة والمجتمع، وزارية، دينية، جمعوية... لا تشاطره الرأي، واصفا من يسلط عليهم لسانه بأشنع وأبشع الاوصاف الجارحة والعبارات الساقطة.

 في هذه الحالة، أين التهدئة وأين الحوار حين لا يتوقف الداعي لهما عن شحذ وتكرار خطابات الحقد والكراهية الرامية في النهاية إلى تأزيم الأوضاع؟

يلتقي صاحبنا هنا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي لا يقبل وقف الحرب مهما كلفتْ ويتظاهر في نفس الوقت بقبول المفاوضات والمشاركة فيها. لكن الرجلين يختلفان في الرِؤية على المدى البعيد: نتنياهو يعلم أن محاولاته لن تطول كثيرا، مدركا انها مناورة تكتيكية قصيرة الأجل يبحث لها عن بديل. بينما "أسدنا" يجعل من التأزيم والخطابات العنيفة لب رؤيته الاستراتيجية التي تتغذى عليها فلسفته السياسية.

إلى متى سيظل سائرا في هذا الطريق المليء بالاشواك، العقيم والخطير؟ أم أن فشله في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وعزلته سياسيا غير المسبوقة في تعاطيه السلبي مع نتائجها سيدفعانه إلى مراجعة نفسه؟

قد يرى البعض في دعوته إلى "حوار بيني مع ولد الغزواني" على حد قوله، وإلى محاولاته، قبل ذلك خلال الحملة الانتخابية، تخفيف حدة الخطاب أحيانا بوادر في ذلك المنحى.

ويبدو هذا التصور مشروعا إن كان ينبني على شعور سائد لدى كثير من الموريتانيين بأن "الأسد" في حاجة ماسة إلى الحوار مع ذاته من أجل مراجعة شاملة لخطابه السياسي الضعيف والمتطرف ولآلياته ذات النفس القصير التي تظهر عليها يوما بعد يوم علامات نفاد القوة. غير أنه يُخشى على مناور من نوعه أن تكون له أجندات شخصية مخفية وحسابات ظرفية تفتقر لنظرة وطنية بعيدة المدى. وهو نفس اللوم الذي يوجهه اليوم معارضو نتنياهو لرئيس حكومتهم منذ إدارته الفاشلة للحرب منذ بدايتها في السابع من شهر أكتوبر الماضي.   

المقارنة بالتأكيد لن تناسب الجميع. لكن " الأسد" سيجد فيها لا محالة نكهة لذيذة يستمتع بها: وصفه بأنه على درجة من القدرة على المناورة مماثلة لما يتحلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي أمر قد لا يزعجه كثيرا، بل نعتقد أنه يشعر من خلاله بتشريف له وتفخيم. لأن "أسدنا" يحلم دوما بأن يكون له صيت عظيم يضاهي قادة معروفين على الساحة الدولية، صهاينة كانوا أم غير صهاينة. فنوعه من الناس لا يهمهم منْ شُبِّهوا به طالما ما أن وجه الشبه يلبي حاجة في نفوسهم. جنون العظمة بالنسبة لهم لا حد لآلياته وأدواته: لا تنسوا بأنه يحب أن يطلق عليه لقب "ماديبا[i] موريتانيا" ‼

 العارفون به يتفقون على تضخم "الأنا" لديه كما يرد في اقوال بعض خيرتهم مثل: د. السعد ولد لوليد- الأستاذ ابراهيم بلال رمظان- الفقيه محمد فال رشيد وغيرهم. ويشفع لقولهم كون أكثر العبارات ورودا على لسانه هي ضمير المتكلم وكلمة "بيرام". وقد لا يخرج ايضا اختياره صورة الأسد كرمز له عن تلك النرجسية. وكذلك احتكاره لوسائل الأعلام المرئية والمسموعة حيث لا يترك فرصة لأصدقائه وأعوانه السياسيين للظهور، خاصة بعدما انفصل عنه السادة الذين ذكرنا اسماءهم آنفا وغيرهم من الأطر. غير أنه يترك لهم ولغيرهم ساحة الكتابة، ربما لأنه يعول على أن مؤهلاته الخطابية الفائقة تغنيه عن تداول الريشة وممارسة الكتابة وما فيها من صعوبة واكراهات. بينما يجمع نتنياهو بين الفنين: بين الخطاب الشفوي والخطاب المكتوب.

وكما أن هذا الأخير لا يريد السلام في فلسطين، لأن مصيره السياسي مرهون، حسب اعتقاده، بمواصلة الحرب، فيبدو أن "أسدنا" لا يركز اهتمامه على استقرار موريتانيا السياسي. غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي عنده نفس سياسي أطول وخبرات اغنى في إدارة الدولة وفي بناء التحالفات الداخلية والخارجية بما في ذلك التعاون الوثيق، المتعدد الأوجه والمعقد، مع أكبر قوة في العالم. فكيف ل"أسدنا" أن يحصل مثله علي ما يكفي من الخصال والصفات ليكون زعيما مؤهلا لقيادة بلده بغض النظر عن ماضيه وما اتسم به من أخطاء ونواقص تشكل عقبات عويصة أمام بنيان وتنمية روح الزعامة؟  أم أن صاحبنا بلغ -كما هو حال نتنياهو- ذروة مساره السياسي؟ وما بعد الأوج إلا الحضيض... 

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)

 

 [i] "ماديبا" هي القبيلة التي ينتمي إليها نيلسون مانديلا. ويستخدم اسمها كتعريف لذلك الزعيم الفذ -والأيقونة العظيمة- لكونه ينحدر منها.