لم يكن يحظى بإجماع الضباط سوى الرئيس المصطفى الذي كان الأكثر قدرة على جمعهم حوله لقيادة البلاد نحو السلام. ذلك ما جاء في شهادة المناضل التاريخي المرحوم محمد المصطفى ولد بدر الدين التالية في حق رئيس موريتانيا من عام 1978 حتى عام 1979 المرحوم المصطفى ولد محمد السالك
تعرفت على الرئيس المصطفى ولد محمد السالك خلال السبعينيات من القرن الماضي، يوم كان واليا لولاية لبراكنة التي أنحدر منها. كان واليا كفؤا قريبا جدا من السكان. رجلا نظيفا ونزيها، يحرص ـ دائما ـ على إيجاد حلول لمشاكل الولاية وساكنتها. بعد تعيينه قائدا لأركان الجيش الوطني، وأثناء التحضير مع رفاقه الضباط، لتغيير 10 يوليو 1978؛ كنا ـ ضمن الحركة الوطنية الديمقراطية ـ على صلة بهم؛ حيث أبلغناهم بأننا لا نستطيع دعم أي انقلاب مهما كان سببه. لأن ذلك كان منافيا لمبادئنا؛ فنهجنا للوصول إلى السلطة نهج سياسي. ومع ذلك تعهدنا لهم بالتكتم على ما يعتزمون القيام به وبأن ننتظر حتى نرى برنامج السلطات الجديدة لنحكم عليها من خلاله؛ ثم نقرر إن كنا سندعمهم أم لا. في الواقع، كنا على صلة ـ أساسا ـ ببعض الوسطاء المدنيين بينهم شخصيات من التيار البعثي آنذاك. كما كان ضمنهم محجوب ولد بيه وهو من حركتنا لكنه قرر مساندة ذالك التوجه لوحده ومن تلقاء نفسه. وأيا كانت الأمور، فإن قناعتي أنه ـ جينئذ ـ لم يكن هناك أي شيء على الإطلاق يمكن أن ينقذ موريتانيا من الخراب الذي سببته لها حرب الصحراء؛ سوى انقلاب يطيح بالنظام القام آنذاك؛ والمصر على المضي، أكثر من ذي قبل، في انتهاج سياسة بالغة الخطورة بالنسبة للبلد. لم يكن هناك أي مخرج آخر غير الانقلاب. كل الموريتانيين مجمعون على أن إقحام موريتانيا في نزاع الصحراء الغربية كان خطأ فادحا، وبالتالي فإن اللوم يقع على من ارتكبه لا على من قام بتصحيحه. أعتقد أن مساهمة حركة 10 يوليو في تاريخ موريتانيا هي أنها أنهت الحرب؛ والفضل في ذلك يعود ـ بالأساس ـ للرئيس المصطفى ولد محمد السالك الذي قاد ذلك التغيير التاريخي بنجاح. يجدر التنبيه ـ أيضا ـ إلى أنه؛ في تلك الفترة لم يكن هناك من يحظى بإجماع الضباط سوى الرئيس المصطفى الذي كان الأكثر قدرة على جمعهم حوله لقيادة البلاد نحو السلام. مع ذلك أعتبر أن بعض الضباط السامين الذين أشركهم في إدارة شؤون البلاد رغم أنهم ليسوا ضمن من دبروا ولا حتى من منفذي تغيير 10 يوليو؛ قد منعوه ـ لاحقا ـ من الوفاء بجميع التعهدات التي تم الالتزام بها غداة الانقلاب. هم أنفسهم الذين أبعدوا الضباط الصادقين والمصرين على تجسيد الالتزامات الثلاثة الكبرى للجنة العسكرية؛ وهي: إرساء السلام، و تقويم الوضع الإقتصادي للبلد، وأخيرا إقامة مؤسسات ديمقراطية حقيقية. تلك الالتزامات هي ما جعلنا نساند التغيير الذي قاده الرئيس المصطفى ولد محمد السالك. لكن، كما ذكرت للتو، هو لم يكن طليق اليدين تماما كي ينجز برنامجه. وهذا ما جعله في نهاية المطاف يستقيل من السلطة. ختاما يجدر القول بأن الرجل كان حريصا، ليس فقط على جمع كافة الضباط السامين، بل جميع الفاعلين المدنيين في البلد أيضا، حول تلك الأهداف الوطنية الكبرى. فقد كان يعتبر أنه من خلال أوسع توافق وطني ممكن؛ يستطيع إكمال البرنامج الانتقالي على الوجه الأمثل. وكان محقا في ذلك، لكن بشرط أن يتحلى جميع المنخرطين في ذلك التوافق بنفس الإرادة ونفس الإيمان، وهو ما لم يقع للأسف عند قيام الرجل بتشكيل المجلس الوطني الاستشاري بهدف الإعداد الجيد لعملية الانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي. *** محمد المصطفى ولد بدر الدين، سياسي