السياق : التوقيع في فاتح أبريل 2024 على عقد التنقيب والإنتاج بين وزارة البترول والمعادن والطاقة وتجمع شركات GoGas-Taqa Arabia لتطوير حقلي باندا وتفت للنفط والغاز.
الإطار القانوني والتنظيمي
يخضع التنقيب عن المحروقات الخام واستغلالها في موريتانيا، للقانون 2010-033 بتاريخ 20 يوليو 2010 المكمل والمعدل بالقانون 2011-044 المكمل والمعدل بالقانون 2021-025. و يحدد مرسوم الوزير الأول 230-2011 كيفية تطبيق المواد 7 و8 و12 و18 و29 من قانون المحروقات.
وتنص المادة 9 من مدونة المحروقات في فقرتها 2 على ما يلي: "لا يمكن لأحد أن يتظاهر بهذا الترخيص إذا لم يثبت القدرات التقنية والمالية اللازمة".
كما نصت مدونة المحروقات في مادتها 15 على ما يلي: “تتم أنشطة البحث و/أو استغلال المحروقات على أساس عقد التنقيب والإنتاج المبرم مع الدولة والذي يجب أن تتوافق أحكامه مع أحكام هذا القانون”.
كما يعرض المرسوم 230-2011 علاوة على ذلك، في مادته 16 أسس معايير الاختيار مقسمة إلى ثلاث فئات حسب الترتيب التالي:
1. القدرات الفنية والمالية لمقدم العرض مع تحديد "في حالة مقدم العطاء المكون من عدة كيانات، فإنه قد يطالب بمعايير مختلفة للكيان الذي سيقدم نفسه كمشغل وللشركاء الآخرين المرتبطين به".
2. الحد الأدنى لبرنامج الاشغال المقرر خلال كل مرحلة بحث (التفاصيل في المرسوم)
3. المعايير الاقتصادية والمالية (التفاصيل في المرسوم)
وأود أن أذكر بأن تعريف "المشغل" بالمعنى المقصود في قانون المحروقات هو: "الشخص الاعتباري المسؤول عن إدارة وتنفيذ العمليات البترولية وفقا لأحكام عقد التنقيب والإنتاج".
وقد تصريحه الرسمي لوسائل الإعلام، أفاد السيد خالد أبو بكر، الموقع علي عقد التنقيب والإنتاج باسم الكونسورتيوم العربيGoGas Taqa ، بان GoGas هي المشغل المعين.
وبالنظر إلى عدم توفر أي معلومات عامة عن شركة GoGas باستثناء صفحتها علي LinkedIn، فإنه يحق لنا أن نطرح أسئلة حول قدرتها - التقنية والمالية - على إدارة تطوير حقل غاز بحري.
كما يحق لنا بشكل خاص أيضًا، وفقًا للفئة الأولى من المعايير المذكورة أعلاه، أن نتساءل كيف تمكنا من التوقيع على عقد التنقيب والإنتاج مع مثل هذا "المشغل"!
حول المسؤولية المشتركة والمتعددة
القانون 044-2011 المعدل والمكمل لبعض أحكام القانون 033-2010 بتاريخ 20 يوليو 2010 المتعلق بمدونة المحروقات الخام، ينص في المادة 45 على أنه “إذا كان المقاول مكونا من عدة كيانات، فإنها تعمل مشتركة و بشكل تضامني (…)” .
ودائما في تصريحه الرسمي لوسائل الإعلام، فقد أخبرنا أيضا السيد خالد أبو بكر، الموقع على عقد التنقيب والإنتاج باسم الكونسورتيوم، ان الأخير يضم Taqa العربية و GoGas و Rosetta Energy، الأمر الذي يثير سؤالاً ذا طبيعة قانونية بحتة، ألا و هو أي الشركات تعتبر فعليًا أعضاء في الكونسورتيوم الملتزم قانونًا بالعقد.
وفي هذا الصدد، قال معالي الوزير الناني إشروقة خلال تصريحه العلني لوسائل الإعلام، "لقد وقعنا عقد استكشاف وإنتاج مع الكونسورتيوم العربي GoGas-Taqa
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، تكتمل حيرتنا عندما يثير السيد خالد أبو بكر -سواء عن قصد أو بغير قصد -الارتباك من خلال الإضافة "اللفظية" لشركة Rosetta Energy كطرف في الكونسورتيوم، مما يزيد من تأجيج الجدل من خلال عملية الزرع هذه.
وعلى أية حال، وبالمعنى المقصود في المادة أعلاه، فإن شركات GoGas وطاقة عربية (في أحسن الأحوال) وGoGas وطاقة عربية وRosetta Energy (في أسوأ الأحوال) ملتزمة بشكل مشترك وتضامني تجاه الحكومة الموريتانية كجزء من عقد التنقيب والإنتاج هذا. لحقولي باندا وتفت.
وهو ما يعيدنا حتما إلى الفقرة 2 من المادة 9 من مدونة المحروقات المذكورة أعلاه: مسألة القدرات التقنية والمالية للمقاول. لأنه إذا نظرنا إلى الملفات الشخصية لهذه الشركات الثلاث، وبشكل فردي، فلن نجد أن أياً منها يبرر - وفقاً لعرضها - الخبرة المطلوبة لتطوير حقل غاز بحري، ناهيك عن القدرات المالية المطلوبة.
حول المشروع المتكامل
لم تتم حتى الآن، الا مناقشة نشاط "المنبع" (Upstream) فقط لهذا العقد، لكن المشروع كما تم تصميمه وحتى تقديمه لوسائل الإعلام من قبل جميع الأطراف المتعاقدة، يشكل مشروعًا متكاملاً لتطوير حقول الغاز المذكورة، وإنشاء خط بحري / خط أنابيب الغاز البري لنقل الغاز إلى الأرض بالإضافة إلى تحويل الغاز إلى طاقة لمحطة الطاقة المزدوجة الحالية بقدرة 180 ميجاوات وإنشاء محطة جديدة لتحويل الغاز إلى طاقة بقدرة لا تقل عن 120 ميجاوات.
ويثير هذا العنصر "المصب" أيضًا، (Downstream) بطبيعته، العديد من الأسئلة المتعلقة بالقدرات الفنية والمالية، مما يجعله يستحق فصلاً كاملاً.
حول جدول التنفيذ
من المفيد أولاً الإشارة الي أن حقل غاز باندا يستفيد -بسبب مساره الفوضوي السابق -من العديد من دراسات التقييم والجدوى الموثوقة ومن جميع الأنواع، بحيث ان المشغل المحتمل لن يحتاج مع هذا النضج لغير جهد لتحديث كل البيانات، التقنية والمالية علي حد سواء.
إن توفر هذه البيانات لدي الشركة الموريتانية للمحروقات والوزارة، إلى جانب الكفاءة المؤكدة للأشخاص المكلفين بهذا الملف، يقلل بشكل كبير من الوقت اللازم لمراجعة الوثائق وتحليل البيانات من أجل دعم اعداد خطة تنمية حقل باندا.
الا ان مدير الشركة الموريتانية للمحروقات السيد محمد خالد، أخبرنا في تصريحه الرسمي لوسائل الإعلام، اذكر الاقتباس– “سيتم إجراء العديد من الدراسات وستعرف نتائجها في نهاية عام 2025”، وبعبارة أخرى – هذا التفسير لا يلزم غيري – لن يتم اتخاذ قرار الاستثمار النهائي (DFI) إلا بعد نهاية عام 2025.
والسؤال الذي يطرح شرعياً نفسه هو طبيعة هذه «الدراسات» التي يتطلب إجراؤها وقتاً طويلاً: من 1 أبريل 2024 إلى نهاية 2025!
ومن ثم، يكشف لنا المدير العام لشركة الموريتانية للمحروقات في خضم تصريحه تاريخ 2026 و 2027 كمحطات رئيسية محددة لتنفيذ بعض مكونات المشروع المتكامل، دون مزيد من التفاصيل...
لم يُقال كل شيء بعد أم أننا ببساطة في وضع الملاحة البصرية، وفي هذه الحالة، فذلك يذكرنا بمقولة الفيلسوف سينيكا : "لا توجد رياح مواتية لأولئك الذين لا يعرفون إلى أين يذهبون"
حول العيب القاتل
ان عدم الالتزام القانوني بهذا العقد يثير مبدئيا مخاوف بشأن الخطر الواضح المتمثل في تشكيل "عيب قاتل"، لكن القانونيين والمشرعين الآخرين أكثر كفاءة في تسليط المزيد من الضوء في هذا الشأن، و من الصحيح، ان هنالك مجال مفتوح للتفسير.
الا ان هناك، علي ضوء أحكام قانون المحروقات، نقاط متطابقة لا تعد ولا تحصى تشير إلى احتمال مخالفة الالتزام بهذا القانون.
حول تاريخ دخول العقد حيز التنفيذ بشكل نهائي
وينص القانون 044-2011 المعدل والمكمل لبعض أحكام القانون 033-2010 بتاريخ 20 يوليو 2010 المتعلق بمدونة المحروقات الخام في المادة 19 منه على ما يلي: “يوقع عقد التنقيب والإنتاج من قبل الوزير باسم الدولة والمقاول. تتم الموافقة على عقد التنقيب والإنتاج وتعديلاته بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء.
ويُطلب من الحكومة أن تقدم إلى البرلمان تقريراً عن أي عقد استكشاف أو إنتاج خلال الجلسة بعد موافقة مجلس الوزراء عليه.
وهذه كلها تدابير إجرائية وضعها التشريع بهدف منع أي انزلاق محتمل في تطبيق القانون.
حول مناخ الأعمال وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر
إن ما سبق يقوض جهودنا الرامية إلى تشجيع وجذب الاستثمار الأجنبي؛ الجهود التي تعتمد بشكل رئيسي على مناخ الأعمال المقدمة على أنها مثالية.
وفي مثل هذه الحالات، يجد خطابنا نفسه مقوضاً بسبب تناقضاتنا في وضعه موضع التنفيذ، ونتيجة لذلك نسارع إلى إقناع أنفسنا من خلال التبريرات الملتوية ــ وعلى أقل تقدير المخادعة ــ لمزايا نهجنا. ومن خلال الخوض فيه بدون مرشد، "نضيع الشمال"، ولا يعني ذلك الشمال المغناطيسي، بل شمال العقل والمنطق البسيط واحترام الذات.
حول القانون
قد تسود الروح على الحرف، عندما يتعلق الأمر بالقوانين، الا انه في حالة الاستهزاء بهاذين المفهومين للقانون، فان المنطق السليم يفلت لإفساح المجال أمام تكتيكات المماطلة غير المحتشمة والتي يحتمل أن تكون مثيرة للخلافات.
وكما قال مونتسكيو، لا يتعلق الأمر هنا بـ “الحكم على ما هو كائن بما يجب أن يكون”، بل يتعلق بالتفكير في ما أدى إلى “ما هو كائن”.
وبغض النظر عن ذلك، ألا يقولون إن "القوانين وُضعت لكي يتم انتهاكها".
بقلم حسنه امبيريك
مواطن موريتاني