كانت منطقة آدرار في العصور القديمة تقع على أهم طرق القوافل في الصحراء الكبرى، لذلك فهي تعتبر مركزا تاريخيا لتجارة القوافل التي شكلت في العصور القديمة رافدا من روافد الاقتصاد في هذا الحيز الصحراوي الساحلي، ولم يقتصر أثرها على الجانب الاقتصادي بل تَعدَّاه إلى الجوانب السياسية والثقافية والاجتماعية.
ومن بركات هذه القوافل وتجارتها أن الإسلام انتشر عن طريقها في شبه المنطقة، وخلقت حالة فريدة من التسامح العفوي عملت على تعزيز الأمن والسلم قبل تحقيق النفع الاقتصادي.
وقد ساهمت في نجاح ذلك التكامل الاقتصادي ظروف البيئة والمناخ في أجزاءِ هذا الحيز وحاجة كل جزء منه إلى المزايا التي أنعم الله بها على الأجزاء الأخرى؛ وهكذا ظلت هذه الوضعية سائدة تَتَجَذَّرُ عبر الأزمنة.
لقد كانت طرق القوافل تربط بين أجزاء ما سيعرف لاحقا بموريتانيا وبينها وجوارها في بلاد المغرب والسودان، وساهمت هذه الطرق تاريخيا في توفير التكامل بين اقتصاديات المناطق، حيث تجلب مثلا قوافلُ الشمال التمرَ والملح والثياب، وغير ذلك.. إلى الشرق والجنوب، لتعود محملة بالذهب والحبوب والحَلي، وغير ذلك..
لقد أعطى الوضع الصحراوي الصعب؛ مناخيا وأمنيا، قيمة مضافة لكل بضاعة عند المناطق التي تُصدَّر لها، ومن هذا الباب أخذ ابن خلدون نظريته في نقل البضائع ترصُّدا “للقِيم المضافة” من خلال استقراء الوضعية التجارية عبر الصحراء وما توفره من أرباح غير محدودة.
* جبل آدرار الأشم
ظل صعود جبل آدرار، يشكِّل تحديا حقيقيا عبر الزمن لسكان المنطقة والعابرين منها والقاصدين لها، وفي عصر القوافل كانت الطرق لها أحكامها ونظمها وطرق إقامتها وتعبيدها، ومع بداية العصر الحديث ازداد التحدي أكثر، لأن الطرق لم تعد تمهيد مسالك ضيقة، يمر منها جمل أو جملان، بل أصبحت تحتاج جهدا وقدرة وأدوات لشقِّ ما يُمكِّن السيارات من المرور في الاتجاهين.
وظل ظهر آدرار يشكل صداعا أمنيا لأهل آدرار، حيث أن وعورة النزول من الجبل الذي يوصل إلى ما وراء الحدود والصعود إليه، كانت تشكل خطرا أمنيا مقلقا، وشكل تمهيد الطريق بين أطار أسفل جبل آدرار وبقية أرجاء الوطن من جهة، والمدن الواقعة فوق جبل آدرار مثل شنقيط ووادان من جهة أخرى، مطلبا ملحا وتحديا حقيقيا، وكان معبر آمكجار، أول معبر يُمَكِّن السيارات بمختلف أحجامها وأجناسها من الصعود على ظهر آدرار، غير أن ذلك المعبر لم يكن ممهدا بما فيه الكفاية وظل يشكل قلقا مزمنا للصاعدين والنازلين، خاصة خلال بعض الفصول، ثم إن المعبر وطريقه لا يختصران المسافة الوعرة، وهذا ما استدعى التفكير في ممر آخر، يختصر المسافة ويمهد الصعود إلى الجبل المتمنع، لِيولدَ ممر ولد ابنو وطريقه.
وهو ممر يختصر مسافة أطار – شنقيط من 140 كيلو متر، إلى حوالي 80 كيلو متر فقط، ثم إن الجانب التصاعدي من الطريق الموصل إلى قمة آدرار تم تعبيده بشكل جيد.
وقد تسمى هذا الممر الجبلي الوعر وعموم الطريق الرابطة بين أطار وشنقيط، باسم عمدة شنقيط ونائبها السابق رجل الأعمال محمدو ولد ابنو، الذي أشرف على تشييد هذا الممر خلال فترة زمنية قاربت العقدين من الزمن.
* مع ولد ابنو
في منتجعه السياحي بالجانب الشمالي الغربي من مدينة شنقيط، استقبلنا السيد محمدو ولد ابنو، واستفاض في الحديث لنا عن كل جوانب طريق أطار – شنقيط، الذي حمل اسمه.
يقول السيد محمدو ولد ابنو، في حديث للوكالة الموريتانية للأنباء، إن تدخله بشكل رسمي في بناء هذا الطريق، ربما يكون جاء من قبيل الصدفة، والصدفة خير من الميعاد، حيث إن الدولة طلبت في بداية الثمانينات بعد اطلاعها على صعوبة الوصول إلى ظهر آدرار، من رجال الأعمال المساهمة في فكِّ العزلة عن تلك المناطق، وهو ما استجاب له السيد ولد ابنو، على الفور، ضاربا بذلك عصفورين بحجر واحد، حيث سيستجيب لنداء الدولة، وسيفك العزلة عن مدينته التي يجري حبها في شرايينه.
ويقول السيد ولد ابنو، إنه بعد ذلك النداء، طلب لقاء رئيس الدولة يومها، الذي وافق على تدخله في إقامة الطريق، وعلى الفور أسس شركة بمعية شقيقه، لإقامة الطريق، ويتذكر السيد ولد ابنو، أن الإمكانيات كلها يومها كانت متواضعة جدا والأشياء بسيطة، حيث إن سعر الدولار في بداية إنجاز الطريق كان إحدى وثلاثين أوقية، وعشرين لترا من البنزين ب 1000 أوقية قديمة، وعشرين لترا من المازوت ب 500 أوقية قديمة، مضيفا أن ما تم كان بدعم ورعاية من الدولة، متذكرا بالأسماء الرؤساء والوزراء والمسؤولين الذين ربطه بهم شأن الطريق خلال حوالي عقدين من الزمن، أمضاهم في معمعان هذا الطريق الحُلم، ويؤكد أن العمل الذي قامت به شركته في طريق أطار- شنقيط، حفَّز الدولة على إنجاز طريق نواكشوط – أطار، مشيرا إلى أن إنجاز طريق أطار – شنقيط، انطلق عام 1984، وانتهى 1998، مضيفا أن أشغال إنجازها كانت صعبة جدا، إذْ عمدت الشركة إلى استخدام المتفجرات لنسف أجزاء من صخور الجبل، حتى يتم تمهيد الممر، وفي نفس الوقت كان يسمح للصاعدين والنازلين إلى ومن ظهر آدرار بالمرور في أوقات محددة.
ويتذكر السيد ولد ابنو، بإعجاب انطباعات أهل شنقيط وأهل آدرار وكل الزائرين لظهر آدرار، عن الطريق وكيف حقق المستحيل، مستشهدا بقول للرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، وصفه فيه برجل الصحراء الذي ينفق عليها.
ويختم السيد محمدو ولد ابنو حديثه لنا، بالإعراب عن فرحه بوصول ملف تعبيد طريق أطار- شنقيط، إلى مراحله النهائية المؤذنة ببدء التنفيذ، غير أنه لا يخفي تطلعه إلى أن يؤخذ رأيه في شأن هذه الطريق التي أفنى فيها وقته وماله، وأهمية أن يكون لشركته التي أنجزت هذا الطريق في ظروف قاسية وبأدوات محدودة حتى ساهم في حل مشكلة صعود ظهر آدرار عقدين متتاليين، دورها فيما سينجز، نظرا لخبرتها وتمرسها في كل أمور هذه الطريق، كما لا يخفي رغبته في ضرورة أن يحظى بتعويض معنوي من الدولة عن عمله الذي خدم به دولته وولايته ومدينته.
تقرير: النبهاني ولد أمغر