الدولة إما أن تؤسس على العدل أو على الظلم، فإن كان على العدل فهي باقية ما بقيت الدنيا، وإن كان أساسها الظلم والطغيان فزوالها قريب، وكلما كان الظلم أكثر كلما كان زوالها أقرب وأعجل، وكذلك يقال في دولة العدل بأنها كلما زاد عدلها زاد أمدها وبقاؤها، ورأس العدل -بلا شك- الاستقامة على منهاج الله والرجوع إليه.
في حديث مع أحد الأصدقاء في موريتانيا، عن الأوضاع الراهنة، وما وصلت إليه من تدني الحالة المعيشية، والزيادة غير المسبوقة في الأسعار، وغير ذلك مما يعلمه القاصي والداني عمّا آلت إليه الأمور في البلاد شنقيط، لفت نظري عبارة غريبة؛ حيث قال لقد اعتدنا على هذه الأوضاع، وأصبحت من مسلّمات الحياة، وستبقى هكذا، وإذا حدث غير ذلك فلن نستوعبه، لقد سئمنا من كل شيء!!
هذا الكلام في غاية الخطورة، لأنه يعني أن الناس أصبحت لا تبالي بالظلم الواقع عليها، نتيجة للتلبُس بالخوف الذي أصاب الجميع، من جرّاء القبضة الأمنية الغاشمة، وتكميم الأفواه، ومحاربة الناس في أرزاقهم، ومن يتكلم أو يعترض، فإنه يعرف مصيره المحتوم، إما بالفصل من عمله، أو اعتقاله، وتشريد أسرته على أقل تقدير.
أقول: إن السكوت على وقوع الظلم، وتجبّر الظالمين، سيزيد من سوء الأحوال المعيشية، ويكون سببًا مباشرًا لعموم عقاب الله على الجميع، وهذا ما نراه ونلمسه الآن، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم، في الحديث: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه؛ أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده"، وفي حديث آخر يقول: "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودّع منهم".
الظلم نقيض الحق، والظلم من الظلمات، فعندما تظلم تأكد أن نفسك وقلبك بعيدان عن نور الله عز وجل، والظلم هو انتزاع ما ليس لك بحق، أو العدوان على حقوق غيرك، وهو بأي حال من الأحوال يكون تجاوزاً لحريتك بالاعتداء على حرية الآخرين، والظلم لا يقع إلا من نفس مريضة بكل المقاييس، ومرض النفس يولد من الدوافع العدوانية مالا يحصيه إلا الله، وقد تكون هذه الدوافع صريحة معلنة، وقد تكون دفينة يدركها العاقل ويقرأ صفحات نفس صاحبها من تصرفاته وهو لا يدري أنه مكشوف لغيره (كاد المريب أن يقول خذوني).
أما العدل فهو احترام لحقوق الآخرين، وإقرارها وصيانتها وحفظها بكافة الطرق والوسائل الممكنة، وبسط العدل على الأرض هدف من أهداف الديانات السماوية، فلم نر مطلقا في ديانة من الديانات السماوية التي لم يلحقها التحريف نصا يأمر بظلم غيره أو النفس، وقد يسأل سائل: وهل يمكن ظلم النفس؟ والجواب نعم ومن القرآن الكريم شاهد على ذلك: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ}سورة الصافات(113)، وفي الآية (32) من سورة فاطر يقول عز وجل: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}
إن الظلم لا يدوم , إن أصل كل خير هو ميزان العدل , وأصل كل شر هو الظلم , إن الجبابرة والطواغيت لهم يوم يحاسبهم فيه شعوبهم , ونرى الان ما يحدث من المفسدين . أقشعر لها بدنى , وكنت لم أتصور , أو أتخيل أن يصل الامر لهذا الحد , مناظر يندى لها الجبين لآفعال الشرطة مع المواطنين فى مفوضيات الشرطة , تعذيب حتي الموت لم أتخيله , ولم أتوقعه , لم أتمالك نفسى فانخرطت فى البكاء الشديد لفظاعة ما كنت أراه من تعذيب علي أجسام الضحايا نظام الظالم فاسد , مهما حدث من جرم ,فلا يصح أن يكون العقاب بهذه الصورة الوحشية , أدركت أن لازال يعيش بيننا وحوشا مستأنسة , العقاب شنيع , وأبشع ما تراه العين من أنتهاك لحقوق الانسان , وحرية البشر , هذه الاعمال لم تكن وليدة الصدفة , إ نما هى عمل كان مخططا له من قبل قيادات الشرطة , كان على رأسهم وزير الداخلية , لآنه هو الذى أباح بهذه الآعمال الشنيعة فى حق المواطنين , وأنا أعتقد بأن هذه الآعمال أرهابية , حقا أنها كانت مهزلة ضد البشرية , لقد سميت هذه الآعمال بالمعنى الصحيح ( جهاز أرهاب المواطنين الابرياء ) أو ( أرهاب دولة لمواطنيها ) , وكان زعيمها الفرعون الاكبر , الذى فقد الآحساس بالمواطن العادى الفقير.
ومن ثمَّ على الناس واجب في مواجهة الظلم؛ فلا يكفي أن تعرف الظلم وتسكت عليه، أو أن نجلس فنتلاوم على الظلم الواقع على الجميع، بل لا بد أن يكون لكل منا الدور المطلوب في إقامة العدالة، وفي تحقيق المساواة بين الناس. فإذا مال المسؤول أو انحرف، فعلى الرعية أن يقوّموه؛ وهذا رأيناه حينما تولى أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، الخلافة، حيث قال: "إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه، إنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن زغتُ فقوموني". هذا هو المنهج القويم، والطريق الصحيح لما يجب أن يقوم به الناس في مواجهة المسؤولين إذا حادوا عن الطريق، وخالفوا المعتاد، واستأثروا بكل مقدرات الدولة، وأشاعوا الظلم بين الناس.
فالأمة حينما تقوم بواجبها، لا يستطيع الظالم أن يستمر في غيّه، وظلمه للناس، لأنه في هذه الحالة يخشى غضب الناس، وثورتهم عليه، أما إذا استكانوا ورضوا بالظلم الواقع عليهم، فستقع الطامة على الجميع. وقد ضرب الله، عز وجل، لنا مثلاً بأكبر الظلمة على وجه الأرض، وهو فرعون، كيف ظلم؟ قال تعالى: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) (الزخرف: 54)، أي ظلمهم فاستكانوا له، وتَجَبَّر عليهم فركعوا تحت قدميه، قال لهم: أنا ربكم، فعبدوه من دون الله.
والله تبارك وتعالى، حينما وصف فرعون بالظلم لم يصفه وحدَه، إنما وصفه وكلَّ مَنْ ساعده، فقال: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) (القصص: 8)، فالعقاب لن يقع على الظالم وحده، بل ينال كل من سكت على الظلم، ولم يتحرك لرفض فعل الظلمة، كلٌ حسب إمكانياته وقدراته.
وكما قال الشاعر:
وما نيل المطالب بالتمني .. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
نحن نطالب بحرية المواطن , والحرية ليست معناها التسيب والانحلال , إنما الحرية التى ننشدها للمواطنين هى الالتزام , الحرية التى تحررنا من قيود الظلمة والتى تحررنا من الاغلال التى كانت مفروضه على شعبنا , طاقاتنا كانت مقيدة , نحن نريد حرية تخلصنا من عبودية الاله الزعيم سواء أكان شخصا حاكما , أو مجموعة من الآوغاد السفلة, الذين أباحوا لآنفسهم مقدرات الشعب كامل , إن غياب الآكراه الذى عشناه وتعايشنا معه سنين طوال أفقد فينا الانتماء للوطن , , الاكراه الذى سجنا فى أوطاننا حطم فينا الكبير والصغير العزة وجعلنا محتقرين فى أوطاننا من قبل الرعاع المفسدين , إن تخلصنا من هذا القهر والاكراه سوف يعبر بنا الى الديمقراطية والحرية التى ننشدها من سنين , سوف تجعلنا نوقف كل من يسيئ للوطن وأخذ حقوقنا منه , وسوف يعطينا الحق فى أن نقف فى وجه أى ظالم , أو أى ناهب لمقدراتنا .
أبشع ما تقابله الشعوب هو مصادرة إرادة الأنسان وكبت حرياته التى أقرها القانون والاخلاق والمجتمع لكل أفراد المجتمع , نحن نريد حرية مسؤولة التى لا تنفك عن الآلتزام والآحساس بالمسؤولية , لآن الدول لا تنهض إلا بالحريات , لآننا فى حاجة لحرية الفكر , لان حرية الفكر تعطى المجال للأنطلاق حول أفاق أوسع , وحتى
نتحرر من حالة الآرهاب الفكرى الذى حطم كيان الامة , إننا فى حاجة ماسة الى تحرر العقل , كى يفكر ويبدع ويكون هناك مجال للأنطلاق نحو أفاق العلم والآبداع والآبتكار , وأن يمارس دوره البناء فى مجال العلم والمعرفة , إن الظلم فيه كبت للحريات , وإن محنة شعبنا تكمن فى كبت ومصادرة الحريات , إن أصحاب الفكر النير ودعاة الآصلاح للأسف الشديد يعانون الآعتقال والتعذيب الوحشى , أو الطرد والبعد عن الآوطان .
على كل إنسان يرى الظلم، سواء وقع عليه أو على غيره؛ أن يتحرك لرد هذا الظلم، بقدر استطاعته، ولا يتوانى في ذلك. وكما ورد في مسند الإمام أحمد، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، "أفضلُ الجِهادِ كلمةُ حقٍّ عندَ سلطانٍ جائرٍ".
واستمرار الظالم في ظلمه علامة شؤم وخراب، فإذا تُرك الظالم ليواصل ظلمه، ويراكم خرابه وتخريبه، يأتي على جملة العمران، ويأتي على المعاش بالبطلان، كما قال ابن خلدون: "الظلم مؤذنٌ بخراب العمران".