يحتاج قطاع الجيولوجيا والمعادن إلى لفتة وإرادة حقيقية وإدراك أهميته واعتباره أولوية الأوليات. ذلك ماجاء في مقال قيم للمهندس المعادن محمد الأمين تاويه، الذي يعتبرغياب استثمارات جديدة منذ عشر سنوات في القطاعين قد يؤدي إلى محو البلاد من خريطة الوجهات المحتملة للباحثين عن مصدر من مصادر المواد الأولية
وفي ما يلي نص المقآل الذي يستعرض بالادلة والحجج مبررات تلك الجاجة الماسة في وزارة تعني حصريا بالجيولوجيا والمعادن
مقدمة
تأسس قطاع المعادن مع تأسيس موريتانيا، حيث شهدت البلاد منذ سنوات الاستقلال الأولى، انطلاق أحد أكبر مناجم الحديد في العالم على يد الشركة الفرنسية MIFARMA التي قامت على أنقاضها، بعد التأميم، الشركة الوطنية للصناعة والمناجم SNIM ، وكانت، وما زالت، تمثل شريان حياة المنطقة الشمالية، وإحدى أهم ركائز الاقتصاد الوطني.
وقد عرفت البلاد عدة مشاريع في مجال المعادين، منها ما استطاع الصمود، فيما تعثرت مشاريع أخرى، خصوصا في مجال استغلال النحاس والتربة النادرة، وفي فترات مختلفة أكدت أعمال بحث ابتدائية وجود مؤشرات لعدة معادن نفيسة، على رأسها الذهب والماس، وتشمل بعض المعادن الاستراتيجية، ومعادن أخرى لم يستغل منها حتى الآن إلا الذهب والنحاس وفي مناطق محدودة.
اهتمام عالمي وفرص ضائعة
مع مطلع الألفية الحالية، أظهر المستثمرون الأجانب اهتمامهم بموريتانيا، وقد انطلقت بالفعل مشاريع بحث في عدة مناطق قبل أن يضطر أصحابها للمغادرة بسبب الأحداث الإرهابية واستهداف الرعايا الأجانب على الأراضي الموريتانية، وقد وصل لمرحلة النهاية مشروعا تازيازت وتيجيريت الذَين تستغلهما الشركتان الكنديتان، KINROSS و &SILVER AYA GOLD تباعا، وقد وصل هذا الأخير مرحلة متقدمة نحو الاستغلال.
وعلى امتداد الخريطة الموريتانية، ذات الكم الهائل من المؤشرات، يوجد مشروع واحد للاستغلال هو مشروع KINROSS Tasiast للذهب، ومشروع يقف على عتبات الإغلاق، هو مشروع MCM للنحاس باكجوجت التابعة للشركة الكندية First Quantum Minerals ، ومشروعان في مرحلة التطوير هما مشروع الشركة الاوستورالية Aura Energy لليورنيوم بتيرس ومشروع الشركة الكندية AYA GOLD للذهب في تيجيريت.
هذا بالإضافة إلى عزف مريب عن جلب أي استثمار في مجال المعادن في العشر سنين الماضية ولم تستطع SNIM تطوير إنتاج وفتح مناجم جديدة رغم توفرها على رخص باحتياطيات ضخمة، تزيد على 15 مليار طن وفرص هائلة للتطوير بعد الصعود الصاروخى للأسعار في السنوات الاخيرة. مما يطرح نقاط استفهام حول سبب هذا العزوف حتى لا أقول العجز، وعن هذا الركود حتى لا أقول الإهمال الذي يشهده قطاع المعادن.
مقارنات وآفاق
لنلقي نظرة حول المنطقة المحيطة التي تجمعنا بها نفس الخصائص الاجيولجية بل ونتفوق عليها في بعض الأحيان.
ففي دولة السنغال المجاورة رغم صغر مساحتها وعدم شهرتها من بين الدول المعدنية توجد 6 مشاريع طور الاستغلال و10 مناجم مكتشفة . أما مالي وغينيا وساحل العاج وبوركينافاسو فحدث ولا حر، فتوجد في كل منها عشرات المناجم والمشاريع طور التطوير، إذ تعتبر من بين الوجهات الأولى في أفريقيا، للباحثين عن استغلال الذهب وعدة معادن أخرى.
لسنا بحاجة للحديث عن تأثير القطاع على الاقتصاد فالأمثلة الحية على قلتها تكفي لمعرفة قيمة القطاع التي بإمكانه التأثير إيجابا على اقتصادنا، فقطاع المعادن من بين القطاعات الأكثر تشغيلا وخلقا للفرص، والاهتمام به اهتمام بمحاربة البطالة التي تعاني منها البلاد ومحاربة للهجرة التي غيبت خيرة الشباب، بالإضافة إلى تأثيره على المحتوى المحلي بشكل عام ودعمه للشركات الصغيرة والمتوسطة.
مثال الشركات الموجودة وتأثيرها الإيجابي أكبر دليل، فلو تصورنا شركتين فقط على غرار تازيازت كم من فرص ستوفر وكم بطالة ستمتص!؟
الاستنتاج
يحتاج القطاع إلى لفتة وإرادة حقيقية وإدراك أهميته واعتباره أولوية الأوليات، فعشر سنوات من غياب استثمارات جديدة قد تؤدي إلى محو البلاد من خريطة الوجهات المحتملة للباحثين عن مصدر من مصادر المواد الأولية. فالتوجه العالمي الجديد نحو الطاقة النظيفة يرفع الطلب على مواد معدنية سجلت لها مؤشرات على أراضينا حيث يوجد أكثر من 900 مؤشر من بينها الليثيوم والنحاس والكبالت والتربة النادرة التى تدخل جميعها في صناعة البطاريات والمواد المستخدمة في صناعات ونقل الطاقات المتجددة... وكوننا إحدى الوجهات المفضلة للشركات العالمية في مجال الطاقة النظيفة يمكن استغلاله لتسليط الضوء على ثروتنا المحتملة من هذه المعادن المشكلة للمواد الأولية التي يحتاجها العالم لأتمين هذه النقلة الطاقوية.
لهذا فإن استحداث وزارة للجيولوجيا والمعادن، أصبح ضرورة لمواكبة التحول الطاقوى وانعكاس ذلك على تطوير القطاع المنجمي، في مرحلة أولى نحو تطوير القطاع بحيث تعنى الوزارة المذكورة بإطلاق رؤيتها على فترة قصيرة وتمنح لها الإمكانيات لتطوير البنية التحتية الجيولوجية وتمتين الترسانة القانونية المنظمة للقطاع تمكن من استرجاع الرخص غير المستغلة وإنهاء الفوضى التي يشهدها القطاع، وبالمقابل إطلاق حملة واسعة للترويج لموريتانيا واستغلال نقطة الاستقرار السياسي والأمني الذي تشهده البلاد.