عندما أتكلم عن بلدي موريتانيا فإنني افتخر لكوني انتمي لهذا القطر الكبير الذي امتدت حدوده من مدينة مراكش التي اتخذها المرابطون عاصمة لهم وتنتهي حدوده في أمر الواقع جنوب الصحراء بممالك بامبوك وبوري ولوبي وامبراطوريت مالي وغانا ، وقدعرفت ببلاد التكرور وأرض الملثمين و دخلت قبائل لمتونه ومسوفة واكداله الإسلام بعد فتح الصحابي الجليل عقبة ابن نافع أرض الملثمين ، وحافظوا على توطيد اركان دولته وعضوا عليه بالنواجذ وأسسوا مدنهم ليبلغوا تعاليمه فكانت حواضر شنقيط ووادان وتشيت وولاته معالم أثرية تشهد على ذلك ولعب المجتمع الشنقيطي المرابطي على التدريس فأسس علماؤه المحاظر لتعليم الناس دينهم الحنيف ولغته العربية وفنونها والشعر ودواوينه ، وكان الفتى عندهم من يحقظ القرأن في صغره ودواوين الشعر ديوان الست والمعلقات وعلم المنطق والبيان ؛ واتجه العلماء نحو الأقطار العربية وخاصة أرض الحجاز في رحلات الحج ومصر ثم واصلوا المسير حيث افريقية التي دخلوها تجارا فاتحين فنشروا فيها دين الله وانبهر ملوك القارة بهم وباستقامتهم واعجبوا بالكتاب الذي يحملونه ويقرؤونه ألا وهو القرآن الكريم ، فطلبوا منهم مساعدتهم في تسيير شؤون إداراتهم لما لمسوا منهم من فضل و نزاهة ، وكان لعلماء شنقيط الذين مثلوها داخليا وخارجيا سمعة طيبة في أنحاء المعمورة فهذا المختار ابن بونه الجكني الذي اطال الله عمره في طاعته وكان عالما جليلا ولغويا فريدا لايشق له غبار فقد أنجز للشناقطة تسهيل حفظ كل متون الفقه وألف في النحو كتبا سهلة ومختصرة ونهل من معينه جل علماء وأساتذة المنكب القصي في الوطن العربي : وهذا : محمد الأمين الملقب بآبه ولد اخطور يمثل موريتانيا سفيرا فوق في أرض الحجاز وقد جاءها حاجا فاستقر بها وذاع صيته في انحاء المملكة فانتدب للتدريس في المعهد العلمي بالرياض سنة 1371 ثم أصبح عضوا في الجامعة الإسلامية سنة 1386 ه ، وهذا أيضا محمد محمود ابن اتلاميد التركزي الشنقيطي يواصل عطاء الشناقطة وهو اللغوي الأريب والعالم المذهل والموسوعة الأدبية ، وهو مؤلف كتاب( أراجيز العرب) ، وقد ساهم في تصحيح كتاب الأغاني جمع فيه الأخطاء التي وردت في طبعة بولاق وصححها وزاد عليها وتوفي بها وترك مكتبة كبيرة وزاخرة لا زال الأزهر الشريف يحتفظ بمكنوناتها ،ثم لنقف ونتأمل ماقدمه المجلسيون للعلم فهذا علامة عصره قاري ولد محمد بن محمد سالم الذي كان محط ترحال طلبة العلم يقرأ زوايا الشمس وعربها ، وما بعيد منه الولي الصالح البرتلي محمد بن عبد الله إذ هو الآخر ظل مرجع طلبة العلم والزيارة من أولياء الله الصالحين له طمعا في ارشادهم لما فيه الخير والبركة وهذا أحمد البشير الغلاوي الشنقيطي يسقي من معين علمه فيؤلف كتبه موارد النجاح ومصادر الفلاح ، ومفيد العباد سواء العاكف فيها واالباد ، ثم أذكر أخا الحق المختار بن حامد الديماني مؤلف كتاب حياة موريتانيا حيث ذكر أربعة قرون من عطاء موريتانيا وجوارها وما أثرت به على مناطق حدودها وأيضا سيد عبد الله ابن الحاج ابراهيم العلوي مؤلف كتاب مراقي السعود ، فهو العالم الجليل الملم بأنساب الشناقطة والباحث الأمين والذي اشتهرت مقولته بين الناس إني ذهبت إلى فاس وتأكدت من بكرية لقلال بعدي بحثي في مكتبات فاس عن أنساب القبائل الشنقيطية وزد على هؤلاء علامة زمانه عالم المنطق والبيان ومدرسها لمن أراد أن يكمل علومه إنه : شمس العلم : يحظيه بن عبد الودود فقد تتلمذ عليه جمع غفير من علماء موريتانيا ، ولئن ظللنا نعدد مآثر الشناقطة وعلماءهم لما وفيناهم حقهم فحواضرهم العلمية كوادان التي تحتوي شارع أربعين عالم وسورها القديم الذي بني لحمايتها وعلماؤها الذين وصلوا الحجاز كاالطالب أحمد ولد اطوير الجنه الذي ملأ مكتبته كتبا وألف ورسخ وبارى وحفظ للناس علمهم في وادان وهذه تشيت الحاضرة التي بناها الشريف عبد المؤمن بن صالح ورفقته وظل مسجدها العتيق ومأذنته الشاهقة ومحاظره التليدة يقدمون النموذج الحي عن حقبة لم تستطع وعورة المسالك طيها او دفنها ، ولا نستطيع أن نوفي لولاته حقها وهي من عاشت عصرا ذهبيا فريدا يذكر ذلك عالمها النحرير : محمد يحيى الولاتي وعلماؤها الكثر فقد حفظ ذلك العصر الذهبي الولاتي لشنقيط ألقها وأثبت أن بعد المسافة بينها وبين المدينة الأم شنقيط لا يعدوا كونه مجرد ترامي لأطراف الجغرافيا الجامعة بينهما وهذا لعمري : دليل حي على عظمة الشناقطة ، فالقطر شنقيط التي انطلق اشعاعها وخرجت علماء كثر في حواضرها وخيام بدوها ومراتعها لا نستطيع وإن قضينا اعمارنا أن نعد فضلهم أو نحصي عدهم ؛ فهؤلاء أسسوا لبنيان قويم لم تستطع عاديات الزمن محوه ورسخت فكرة المحظرة وهي الجامعة التقليدية للشناقطة القدامى وظل ذلك الصرح العلمي يتوارثه الآباء عن الأجداد ، وهاهي شنقيط تتصدر الرقي الحاضر بشهادة القاصي والداني مشرقا ومغربا في أصقاع المعمورة فهاهم أبناؤها اليوم علماء كأجدادهم يمثلونها خارجيا وإن لم تطأ أقدامهم بلدا آخر ، فمنهم من قضى نحبه ومن من ينتظر ومابدلوا تبديلا ، ومن علماء بلاد شنقيط ايضا محمد سالم ولد عدود ،وحمدا ولد التاه والداعية الرباني : صاحب الحنجرة الرخيمة الذي ثيت أسس الدين وآخى بين أبناء الشعب الواحد الذي كادت حركات التحرر المدعومة من الخارج أن تحدث الفتنة بينه ألا وهو علم الهدى بشنقيط : محمد بن سيد يحيى وعبد الله ولد محفوظ ولد بي الذي شغل منصب نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومحمد الحسن الددو نابعة عصره فريد زمانه موسوعة الأمة الإسلامية في عصرنا اليوم ويعتبر ثالث علماء الأرض أطال الله أعمارهم ،كما نذكر هنا علماء الضفة مثل محمود باه مؤسس مدارس الفلاح الذي شيد صرحا علميا هاما سماه مدارس الفلاح التي كان لها الفضل في نشر اللغة العربية وعلوم الدين.
وإذا كانت هذه هي مكانة موريتانيا وأعلامها بين الشعوب، فهذا هو ما جعل الفرنسيين الذين احتلوها بداية القرن العشرين لا يخلفوا فيها أثرا يذكر لما لقوا من صعوبة في اركاعهم لصالح الامبراطورية الاستعمارية ، فخابت آمالهم وخرجوا دون ترسيخ لقيمهم داخل المجتمع المحافظ واكتفوا فقط بترك فرنسة إدارتهم التي عجزت حكومات البلد المتعاقبة عن تعريب الإدارة وهي البصمة الوحيدة السيئة التي نجحت فرنسا في فرضها على أبناء المرابطين ، ولا يقنط الموريتانيون من الفرج في مجال تعريب إدارتهم إن وجدت الإرادة الصادقة والهمة العالية لتعود إدارة مرافق الدولة معربة وهذا حلم كل الموريتانيين وما تحقيقه على الله بعزيز عاشت بلاد المرابطين وعاشت معالمها وعلماؤها آمنين مطمئنين لا يمسهم سوء إنه ولي ذلك والقادر عليه.
حماده أحمد