اليوم 23 مايو 2016، أكمل أربع سنوات بعد قرار فصلي التعسفي من عملي في الوكالة الموريتانية للأنباء وحرماني من جميع حقوقي، بعد 34 سنة من العمل المتواصل، الذي استلمته في مثل هذا اليوم، 23 مايو 2012، وذلك بسبب كتاباتي المعبرة عن آرائي ونشر الحقائق.
اليوم 23 مايو 2012 ـ 23 مايو 2016، أكمل أربع سنوات بشهورها الـ 48 وبأسابيعها الـ 212 وبأيامهما الـ 1460، من الظلم في دولة يلقب رئيسها: بـ"رئيس الفقراء" و"الرئيس الإنسان" و"الرئيس المؤسس" و"سادس الخلفاء الراشدين" و"رئيس العمل الإسلامي" و"نظير صلاح الدين محرر القدس" و"مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة الجنرال ديغول"، اضافة إلى ألقابه الدستورية: رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الأعلي للقضاء، رئيس السلطة التنفيذية، حامي الدستور، القائد العام للقوات المسلحة.
في دولة يؤكد هذا الرئيس، الذي هذه ألقابه، أنها دولة القانون والعدالة والمساواة والديمقراطية وحرية الصحافة والتعبير.
23 مايو 2012 ـ 23 مايو 2016، أربع سنوات، ظل هذا الرئيس وجهازه التنفيذي يصمون آذانهم عن آلاف دعوات النقابات والروابط الصحفية الوطنية والعالمية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان والبرلمانيين والقانونيين، التي ظلت تطالبهم برفع هذا الظلم البين عني.
23 مايو 2012 ـ 23 مايو 2016، أربع سنوات، ظل الرئيس وأركان جهازه التنفيذي وموالاته يردون على هذه الدعوات بأن: "قضيتي أمام القضاء، والقضاء، أصبح مستقلا في عهد هذا النظام ولا تتدخل السلطة التنفيذية في شؤونه وهي ملزمة بتنفيذ أحكامه، التي لا تخضع إلا لقناعة القاضي الجالس"، حسب ما أكد على ذلك الرئيس نفسه مرارا وجميع المسؤولين، الذين طرحت عليهم قضيتي خلال السنوات الماضية.
23 مايو 2012 ـ 23 مايو 2016، أربع سنوات من مسار التقاضي بجميع درجاته، ابتداء بمفتشيه الشغل وانتهاء بالمحكمة العليا مرورا بمحكمة الشغل ومحكمة الإستئناف، حيث أجمعت كافة درجات التقاضي هذه، علي جور قرار فصلي وعلى أنه مخالف لكافة شرائع وقوانين الشغل الوطنية والدولية، وتم الحكم بتعويضي، حكما نهائيا حضوريا لا سبيل للطعن فيه وهو ما أكدته المحكمة العليا بمنطوق قرارها رقم: 14/16 بتاريخ 15 مارس 2016.
إلا أن هذه السلطة التنفيذية، التي ظل رئيسها والذي هو في نفس الوقت رئيس السلطة القضائية، يؤكد على عدم تدخلها في القضاء والتزامها بتنفيذ أحكامه، ما زالت إلى اليوم، ترفض مجرد الرد علي رسائل طلب التنفيذ التي أرسلها المحامي المتعهد بملفي، ذ ابراهيم ولد ابتي، التي استلمت الوكالة الموريتانية والوزارة الوصية عليها، أولاها بتاريخ 16 مارس 2016 واستلمت الثانية بتاريخ 04 مايو 2016.
23 مايو 2012 ـ 23 مايو 2016، أربع سنوات، قبل نهايتها ب ثلاثة اسابيع (3 مايو 2016)، يتخذ رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، قضيتي ذريعة في خاطبه في النعمة، لمهاجمة المعارضة، على أساس أنها تبنتها من بين المظالم التي تتخذها كأدلة علي ظلم النظام لمواطنيه.
وهذا نص الفقرة التي كررها الرئيس في خطابه في النعمة في سياق تحميله للمعارضة رفض الحوار: "مدَّ ادَّور الحوار ما تَرَبْطُ ابْتنگازْ عامِلْ نَگَزْتُ الدَّوْلَ اگِدْ اعود هو ظالم واتگِدْ اتعود الدولة هي الظالمتُ".
وهنا، يسمح لي السيد رئيس الجمهورية، بأن أوجه له الأسئلة التالية حول هذه الفقرة من خطابه، التي تعنيني ولم يشرحها شراح خطابه:
السيد الرئيس: ألا ترون أن تصريحكم بأن الدولة هي من فصلتني من عملي، اعتراف بأنكم أنتم من أتخذ القرار بوصفكم وحدكم من له الحق باتخاذ قرار باسم الدولة؟ وهو تأكيد لما سبق أن صرح لي به المدير العام للوكالة الموريتانية للأنباء، يرب ولد اسغير قبل توقيع قرار فصلي وبعد توقيعه، أنه تلقى بذلك أوامر عليا لا يمكنه رفضها، وتعبير "أوامر عليا"، في قاموس الادارة الموريتانية، يعني رئيس الجمهورية،
السيد الرئيس: قولكم أن الدولة يمكن أن تكون ظالمة في قرار فصلها لي من عملي، كما يمكن أن أكون أنا هو الظالم، ألا ترون أنه نوع من عدم مسؤولية الدولة اتجاه مواطن من مواطني الجمهورية، كان بإمكانها أن تتريث في فصله وقطع مصدر عيشه، حتي تتبين من عدم ظلمها له وأنه هو الظالم؟
السيد الرئيس: من هي الجهة في نظركم، المخولة للحكم بأينا الظالم؟
السيد الرئيس: هل أخذتم علما بأن القضاء الذي، "تحترمونه" وانتم رئيس أعلى سلطة له، قد حكم بجميع مراحله بأن الدولة هي الظالمة وحكم عليها بتعويضي، حكما نهائيا حضوريا لا طعن فيه؟
السيد الرئيس: متي ستتخذ الدولة قرارا برفع الظلم عني، بعد حكم قضاء الجمهورية الإسلامية الموريتانية بكافة مراحله على الدولة بأنها هي الظالمة؟.
وفي انتظار أن أجد ردودكم الواضحة على تساؤلاتي، أسمحوا لي، السيد الرئيس، أن أذكركم باعترافكم في أول تصريح لكم في قناة الجزيرة بعد انقلابكم في السادس أغسطس 2008، أن دوافع انقلابكم على الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، هو قراره بعزلكم من منصبكم، ألا ترون أن من يستخدم جيش الجمهورية للانقلاب علي رئيس منتخب، بمجرد اتخاذه لقرار بعزله من منصب هو من عينه فيه بحكم صلاحياته الدستورية، ما كان عليه أن يفصل عاملا من مؤسسة للدولة قضى فيها حياته وكان راتبه فيها هو مصدر رزقه الوحيد ورزق أسرته..!!، ألا يعتبر هذا كيل بمكيالين؟.
23 مايو 2012 ـ 23 مايو 2016، أربع سنوات، عشت فيها مرارة الظلم والحرمان من حقوقي في دولتي، مرضت، فحرمت من العلاج بحجة أن قرار الفصل والحرمان من الحقوق، يحرمني من حقي في الضمان الاجتماعي وفي التأمين الصحي، الذي ظلت تقتطع مبالغ من راتبي على مدى 34 سنة لضمان الاستفادة من العلاج وحتى بعد تقاعدي من العمل.
23 مايو 2012 ـ 23 مايو 2016، أربع سنوات، هجرني غالبية "أصدقائي" الذي كنت أعدهم بعشرات الآلف، لأن ولد عبد العزيز غير راض عني، حسب ما يبررون بذلك هجرانهم لي، عندما يجد أحدهم فرصة للقاء بي بعيدا عن أعين وآذان السلطان.
23 مايو 2012 ـ 23 مايو 2016، أربع سنوات، عاطل عن العمل، منع موقع "ديلول"، الذي أطلقته من جميع الإعانات وتمت قرصنته مرارا وتكرارا، حتي اضطررت إلى تركه، قبل أن أتخذ قرارا باعتزال الصحافة نهائيا، بعد أن سدت كافة الأبواب أمامي لمزاولتها بصورة شريفة ومهنية، كانت هي دوافعي لولوج عالمها منتصف سبعينيات القرن الماضي.
23 مايو 2012 ـ 23 مايو 2016، أربع سنوات، رفضت كافة أنواع الإغراءات والتهديدات من أجل السكوت عن حقوقي.
23 مايو 2012 ـ 23 مايو 2016، أربع سنوات، ذقت طعم الصمود وطعم والوفاء للمبادئ، وطعم الخوف من الله، لا من سواه والطمع فيما عنده، لا فيما عند مخلوقاته، وما أحلاه من طعم، فقد أنساني كل طعم مرّ، تجرعته بسبب الفصل التعسفي.
23 مايو 2012 ـ 23 مايو 2016، أربع سنوات، أراجع يوميا نفسي وأتيقن من أنني كنت على صواب، لم أندم لحظة واحدة على حرف واحد من كل ما كتبت وسبب لي التهديد والاعتداء الجسدي والمعنوي قبل الفصل من العمل والحرمان من جميع الحقوق ولو عاد التاريخ إلى مقبل 23 مايو 2012، لن أتصرف تصرفا مغايرا.
23 مايو 2012 ـ 23 مايو 2016، أدركت أن ثمن الحرية وإرضاء الضمير، باهظ، فالبعض كلفه حياته ولم يتراجع وهو أمام حبل المشنقة والبعض كلفه السجن ولم يلين والبعض في سبيله تحمل الغربة عن الأهل والوطن والبعض، وأنا منهم، كان نصيبهم، الحرمان والتهميش والفصل التعسفي ولن أفرط في نصيبي، إلي أن أنتزع حقوقي كاملة واقفا ابيا شامخا دون انحناء لحظة واحد أو يرث الله الأرض ومن عليها وعند الله يختصم الخصوم!!. وستظل ذكرى 23 مايو، أهم ذكرى في حياتي، أحتفل بها ما حييت سواء نفذ حكم المحكمة لصالحي وسواء لم ينفذ.
23 مايو 2012 ـ 23 مايو 2016، أربع سنوات، برهنت لي على أن من أحبك لشيء أبغضك لزواله وبرهنت لي على أن من يفكر ببطنه لا ضمير له.
23 مايو 2012 ـ 23 مايو 2016، أربع سنوات، أدركت خلالها بعمق حرص والدي رحمه الله، علي تحفيظنا ونحن في سنين حياتنا الأولى،قول الشاعر عنترة بن شداد:
"ولقد أبيتُ على الطَّوى وأظلهُ /// حتى أنال به كريمَ المأكلِ"
إلى ذكري 23 مايو 2017، التي أتمنى أن أحتفل بها وموريتانيا خالية من كل ظالم ومظلوم "وما ذلك علي الله بعزيز".
ماموني ولد مختار