يبدو أنه أصبح من اللازم أن أتحدث عن بعض الأمور التي كان يفترض أن تبقى في دائرة البديهيات. سأتحدث عن تلك البديهيات من خلال النقاط التالية:
1 ـ أن تكون بارا لأمك فهذا لا يعني بالضرورة أنك عاق لأمهات الآخرين؛
2 ـ أن تحب وطنك فهذا لا يعني بالضرورة أنك تُبغض أوطان الآخرين؛
3 ـ أن تدافع عن لغة بلدك الرسمية وتدعو للتمكين لها، فهذا لا يعني بالضرورة أنك تكره اللغات الأخرى.
في المقابل:
1ـ إذا كنت عاقا لأمك فأنت عاق، عاق، عاق، حتى وإن بالغت في بر كل الأمهات في العالم؛
2 ـ إذا كنتَ خائنا لوطنك فأنت خائن، خائن، خائن، حتى وإن بالغت في خدمة كل بلدان العالم؛
3 ـ إذا لم تدافع عن لغة بلدك الرسمية وتتعلمها وتدعو للتمكين لها، فأنت شخص مستلب، مستلب، مستلب، حتى وإن تعلمت كل لغات العالم ودافعت عنها.
أن تكون مسلما، وأن تكون مواطنا في بلد لغته الرسمية هي اللغة العربية، فمن واجبك في هذه الحالة أن تدافع عن اللغة العربية، وأن تدعو للتمكين لها في التعليم والإدارة، وأنتَ إن فعلتَ ذلك فهذا لا يعني أنك تكره اللغة الفرنسية أو تبغضها، كل ما في الأمر هو أنك تدافع عن لغتك الرسمية وتدعو للتمكين لها، ومن أغضبه ذلك فليشرب مياه المحيط الأطلسي.
إن اللغة ليست محل كره أصلا، ولا معنى لأن نكره هذه اللغة أو تلك حتى وإن كنتَ في حرب مع الناطقين بهذه اللغة أو تلك.
أنا ليست لدي إطلاقا أي مشكلة مع اللغة الفرنسية، وكل ما في الأمر هو أني لم أعد أقبل بأن تستمر هذه اللغة الأجنبية في احتلال مساحة في التعليم أو الإدارة ليست من حقها، فليس من المقبول أن تستمر اللغة الفرنسية في مضايقة اللغة العربية ( اللغة الرسمية لأهل هذه البلاد) في الإدارة والتعليم، في وقت لا يقبل فيه الفرنسيون بأن تضايق اللغة الانجليزية اللغة الفرنسية في الإدارة الفرنسية ولا في مؤسسات التعليم الفرنسي.
في مطلع العام 2022 هددت الأكاديمية الفرنسية باللجوء إلى القضاء لمنع كتابة الانجليزية على بطاقة التعريف الفرنسية، واعتبرت الأكاديمية أن إضافة كلمات انجليزية مقابلة للكلمات الفرنسية في بطاقة التعريف الفرنسية يعتبر مخالفة صريحة للدستور الفرنسي.
بلغوا سلامي للمادة السادسة من الدستور الموريتاني.
هكذا غضب الفرنسيون لمجرد أن تم الإعلان عن إضافة كلمات انجليزية لبطاقة التعريف الفرنسية، ومع ذلك تريدون منا في هذه البلاد أن نواصل الصمت وأغلب الوثائق التي تأتينا من بعض الوزارات والإدارات الموريتانية لا توجد فيها كلمة واحدة مكتوبة باللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية!
ما لكم كيف تحكمون؟
على الذين يقدسون في هذه البلاد فرنسا والفرنسيين، ويقلدونهم في كل شيء، عليهم أيضا أن يقلدوا الفرنسيين في الدفاع عن لغتهم، وفي الوقوف ضد مضايقة لغتهم من طرف أي لغة أخرى، حتى ولو كانت اللغة الانجليزية، والتي تعتبر اليوم هي لغة العلم والعالم في هذه الفاصلة من تاريخ البشرية.
على فرنسا وعلى المدافعين عن لغتها وثقافتها في هذه البلاد أن يدركوا بأن فرنسا اليوم لم تعد فرنسا كما كانت في النصف الثاني من القرن الماضي، فهي لم تعد قوة عسكرية واقتصادية ودبلوماسية قادرة على أن تفرض على مستعمراتها القديمة ما تريد أن تفرض، كما كانت تفعل في الماضي.
العالم يتغير ومراكز القوى تتغير.
لقد تراجعت فرنسا عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا في العقود الأخيرة، ولقد ازداد وعي الشعوب، ولذا فلم يعد بالإمكان الاستمرار في فرض الثقافة الفرنسية واللغة الفرنسية على دول وشعوب لديها ثقافات أخرى ولغات أخرى.
إن من مصلحة فرنسا أن تدرك ذلك، وإن مصلحتها أن تغير أساليب تعاملها مع مستعمراتها القديمة، لأن عدم تغيير تلك الأساليب قد يؤدي إلى ردود فعل متطرفة، كما حدث في بعض البلدان الإفريقية التي انسحبت من منظمة لفرانكفونية أو أبدلت اللغة الانجليزية باللغة الفرنسية، أو ارتمت في أحضان الروس نكالا بفرنسا.
إن من مصلحة فرنسا في هذه اللحظة الصعبة من تاريخها أن تغير من أساليبها، وأن تتوقف عن محاولة الاستمرار في فرض سيطرة لغتها على بلدان وشعوب لديها لغات أخرى، كما هو الحال في بلدان المغرب العربي، وهي إن استمرت في ذلك فإن التكلفة قد تكون كبيرة، بل وكبيرة جدا.
يمكن للغة الفرنسية أن تبقى هي اللغة الأجنبية الأولى في الدول المغاربية، مع أن مصلحة هذه البلدان تقتضي أن تجعل من اللغة الانجليزية التي هي لغة العلم والعالم حاليا اللغة الأجنبية الأولى بدلا من اللغة الفرنسية. يمكن للغة الفرنسية أن تبقى هي اللغة الأجنبية الأولى في هذه البلدان إن توقفت فرنسا عن محاولة فرض سيطرة لغتها في الإدارة والتعليم في هذه البلدان، وإن استمرت فرنسا في محاولة فرض لغتها مسيطرة، فإن ذلك قد يؤدي في المستقبل غير البعيد إلى ردود فعل متطرفة، وإلى ظهور وتنامي الدعوات التي تطالب بهجران اللغة الفرنسية بشكل كلي، وجعل اللغة الانجليزية هي اللغة الأجنبية الأولى في هذه البلدان، بدلا من اللغة الفرنسية التي يتراجع استخدامها في العالم بوتيرة سريعة ولافتة.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل
[email protected]