بعد عشرة أيام من البحث في تازيازت عاد "سلام" إلي منزله بمقاطعة عرفات بضواحي انواكشوط .. استقبلته زوجته مبتهجة بعودة "قافلة الذهب" لكنه كان متعبا محبطا وأبلغها أنه لم يحصل على أي شيء وانه لا ينوى العودة إلي محرقة تازيازت التي سماها "فتنة المسيح الدجال".
استسلم الرجل المتعب لنوم عميق تخلله شهيق وزفير وكان يردد بين الفينة والأخرى كلمات غريبة "ليست حجارة .. ذهب ذهب" "ليس ذهبا .. مجرد حجارة مجرد غبار".
ظنت الزوجة أنه أصيب بهوس في عقله لأن الأساطير الشعبية تربط الذهب بالجن والشياطين .. فكرت الزوجة الحائرة التي علقت آمالا جساما على ذهب تازيازت وباعت حليها الذهبي لتمويل مغامرة زوجها في أنه ربما كذب عليها فتسللت إلي جهاز التنقيب الذي اقتناه زوجها مقابل مليوني أوقية وشغلت الجهاز وبدأ يؤشر ويتجه مؤشره نحو ملابس زوجها الداخلية..!!!!
تأكدت الزوجة أن زوجها يخفي الذهب وراودتها هواجس مثل احتمال احتياله عليها وبيع الذهب خفية والزواج من أخرى ، فأهل الذهب لا أمان لهم وقد دمرت أسر معظمهم.
واصلت الزوجة البحث واستقر المؤشر على أعمق الملابس الداخلية لزوجها النائم تظاهرت المرأة بمغازلة زوجها المتعب الذي كان يصدها لكنها في النهاية وصلت إلي مبتغاها وانتزعت بسلاسة قطعة قماش كانت مدفونة بين فخذي الزوج وتسللت بعيدا وقدرت وزن الكمية بـ 300 غ من الذهب قسمتها نصفين احتفظت بواحد وأعادت الثاني إلي مكانه بين فخذي الزوج دون أن يشعر.
استيقظ الزوج ضحوة اليوم الموالي وعندما دخل الحمام متلمسا حصيلته روادته شكوك فسأل زوجته التي كانت هادئة هل لاحظت شيئا سقط منه فأجابت بالنفي وطلبت منه أن يقرأ ما تيسر من القرآن طردا لشياطين تازيازت من المنزل ، لكن الزوج كان متأكدا من أنه سرق ، فما كان منه إلا أن أخذ جهاز التنقيب وبدأ يبحث في كل مكان .. أرشده الجهاز الغدار إلي حفرة مدفونة في فناء المنزل وعلى وقع اكتشاف الحيلة اعترفت الزوجة ولم يتمالك الباحث عن الذهب نفسه فطلقها وطالبته بتعويض حليها قبل المغادرة وانتهى بهما المطاف مطلقين أمام قاضي المقاطعة وتم احتجاز الذهب على ذمة التحقيق.
وإذا كانت هذه هي حكاية منقب واحد فلكم أن تتصوروا حكايات 18 ألف منقب شكلوا فرقا من ثلاثة أشخاص في المتوسط واستثمر كل منهم استثمارا أوليا بلغ في المتوسط 3 ملايين أوقية يتواجدون الآن على صعيد تازيازت يغمرهم سرابها وأوهامها التي لا تنتهي.
الغريب في الأمر أن الدولة طفقت تمنح التراخيص وتسهل تسويق الذهب وأن حمى التنقيب تسري بسرعة مخيفة في أوصال مجتمع عانى أفراده من الفاقة واليأس وما يزالون مجازفين ومغامرين بامتياز وما يزال بعضهم يقف على حافة زمن "السيبة".
بقي أن نشير إلي أنه في تازيازت هذه التي تغمر لعنتها الجميع يوجد ذهب حقيقي محمي تستغله شركة أجنبية تصدر 10 أطنان معلنة سنويا والأطنان الغير معلنة لا يعلمها إلا الله.
هنالك الآن 20 ألف جهاز تنقيب استقدمت من كل أنحاء العالم منها المزور والمغشوش وتكلفتها تناهز المليارات التي لن تسترد في نهاية المطاف .. وهنالك آلاف فرق التنقيب وكل فريق لديه قطعة أو قطع سلاح وهذه كلها أمور في منتهى الخطورة.
فمن يوقف هذا الجنون قبل فوت الأوان .. قبل أن تسيل الدماء...!!!
بقلم: محمد عبد الله محمدو