استدعاني الأسبوع الماضي أحد المقربين أسريا من رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، يتقلد مسؤوليات كبيرة في نظامه، رغم مخالفة ذلك للنصوص القانونية.
فخاطبني عندما التقينا، بعد تبادل التحية، بلغة الناصح الجاد بقوله: "ماموني أنت القضاء حكم بعدم شرعية فصلك من عملك في الوكالة الموريتانية للأنباء وحكم عليها بتعويضك ومن أجل تنفيذ هذا الحكم عليك أن تكونا دبلوماسيا ومرنا كي لا يبقي هذا الحكم حبرا علي ورق دون تنفيذ، كغيره من ألأحكام الصادرة علي مؤسسات الدولة، لأن الدولة لا ينفذ عليها بالقوة".
فقلت له: "بما ذا تنصحني؟
قال: "أنت وهذه حقيقة، يشهد لك بها الجميع، كتاباتك مقروءة ولها مصداقية ولذا أقترح عليك أن تكتب عن انجازات رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز وخاصة في مجال حرية الاعلام واستقلالية القضاء ويمكن ان تستشهد علي ذلك بأنك عايشت جميع الانظمة ولم تعش الحرية التي عشتها في عهد نظامه، كما تعطي مثالا علي استقلالية القضاء بأحكام جميع محاكم مراحل التقاضي لصالحك ضد مؤسسة من أهم مؤسسات الدولة السيادية، عليك كذلك أن تتحاشى من الآن فصاعدا انتقاد فخامة السيد الرئيس وعندها سنتعاون جميعا من أجل أن يأمر بتنفيذ الحكم لصالحك".
فقلت له: "هل تعلم أن مصدر الاهتمام بكتاباتي وسر مصداقيتها، كما ذكرتم، هو صدقيتها وصحة معلوماتها!!.. وهنا أسألكم؟ عما ذا سيكون الموقف منها إذا كانت غير كذلك؟ وخاصة إذا مجدت نظاما أطفئ شمعتي الرابعة من فصله التعسفي لي من عملي بسبب التعبير عن رأيي وكتاباتي عن حقائق قائمة، للمواطنين الحق في الاطلاع عليها، فأين حرية الإعلام التي تقترح علي الاستشهاد بها؟ وأين استقلالية قضاء أنت تقر أن تنفيذ أحكامه مشروط بأوامر من رئيس الجمهورية شخصيا؟.
فهذه نصوحة بالنسبة لي قيمة ضريبتها أكبر بكثير من مبلغ التعويض الذي حكمت لي به المحكمة وإذا عملت بها فسأكون بمثابة من صام أربع سنوات وفطر علي أقل من جرادة".
فقال لي: "أنا استدعيتك من أجل أن ننصحك باتخاذ الأسلوب الذي يمكنك من استعادة حقك حسب رأيي ومعرفتي بالواقع فالدولة لا تنفذ عليها الأحكام المتعلقة بالقضايا العادية، أحري تلك المتعلقة بالقضايا السياسية، ماموني عليك أن تعرف أن قضيتك تعني ولد عبد العزيز شخصيا ولا يمكن أن تحل إلا بأوامره، مهما صدر فيها من احكام وهذا ما يجب عليك أن تدركه وتتعامل معه".
فقلت له: "شكرا علي جهودك وأطمئنك بأنني منذ اليوم الأول وأنا متأكد من أن قضيتي تعني ولد عبد العزيز ولذلك لم أبحث يوما عن حل لها خارجه وما زلت ولن أغير من اسلوبي مهما طال انتظاري لتنفيذ الحكم.
وهنا عليك أن تعرف ويعرف ولد عبد العزيز ويعرف الجميع أنني لا أنظر لسياسات النظام من منظار قضية فصلي التعسفي من عملي، بل انظر اليها من زاوية انجازاته وإخفاقاته في تسيير الشأن العام، كما كنت قبل فصلي، حيث تشهد علي ذلك كتاباتي والتي كانت السبب في ذلك وأؤكد لك أنه في حال قرر النظام تخفيض الاسعار وحل مشاكل المواطنين الكبري، فسأكتب مثمنا، دون ربط ذلك بتنفيذ الحكم الصادر لصالحي، والذي تنفيذه لن يجعلني أخرجه عن إطاره الطبيعي وهو تنفيذ حكم قضائي نافذ صادر عن جميع مراتب سلم القضاء وبالتالي تنفيذه امر طبيعي وعدم تنفيذي هو الغير طبيعي".
فقال لي: "يبدو أنك متعنت علي موقفك، فكر فيما قلت لك وإذا قررت تغير رأيك اتصل بي".
قلت له: "يبدو أنك لا ترغب في اتصالي بك، أطمئن لن يحصل".