(الإعلام نت):
"كنت متفوقة في جميع مراحل التعليم، وحين اجتزت عتبة الباكالوريا، قررت عائلتي بقائي في المنزل حتى أتزوج".
هكذا أوضحت هند بنت علي "اسم مستعار" سبب عدم التحاقها بالجامعة رغم ناجحها متفوقة في مسابقة "الباكالوريا."
تقطن هند البالغة من العمر 24 عاما في إحدى القرى التابعة لولاية اترارزة جنوب موريتانيا، حيث بدأت مشوارها الدراسي، تميزت هند منذ الابتدائية، وحافظت على المركز الأول حتى مرحلة الثانوية، وحين نجحت في الباكالوريا، منعتها عقليات المجتمع من الذهاب إلى جامعة نواكشوط حسب تعبيرها.
تقول هند:
"حين أعلن نجاحي في الباكالوريا، تحمست كثيرا للذهاب إلى نواكشوط من أجل مرحلة التعليم العالي، وحين اقترب موعد الافتتاح، أخبرني والدي أن ذلك لن يتحقق، لأنني لايمكنني الذهاب إلى هناك بدون ولي شرعي.
"بعد ذلك أخبرتني والدتي على انفراد بأنه يجب التفكير في مستقبلي كأي فتاة بلغت العشرين من عمرها، في إشارة منها إلى الزواج."
وتضيف هند:
"بداية لم أعترض على القرار، خاصة أنني فتاة نشأت وترعرت في الأرياف، لكن بعد مرور شهرين على جلوسي في اليبت، بدأ الحنين يجتاحني إلى مقاعد الدراسة، واستيقظ صوت الطالبة لدي من جديد، لكن ذلك بدون جدوى أمام إصرار العائلة.
بكيت ذات مرة أمام والدي من أجل السماح لي بالاتحاق بالجامعة، لكن دموعي أججت غضبه وإصراره معا، وأخبرني أن بروري له مرهون بعدم فتح الموضوع أو حتى التفكير فيه من جديد.
الآن تعايشت مع الواقع وأنتظر زواجي من أحد أقاربي يعمل تاجرا في دولة ساحل العاج."
لم تكن هند كأي طالبة عادية في قريتها بحسب مدرسيها، فقد حصدت جائزة أعلى معدل في المؤسسة على مستوى الابتدائية 4 مرات، ومرتين على مستوى الاعدادية والثانوية.
كي محمود درس هند الرياضيات في مرحلة الثاونية،.
يقول كي:
"حين أخبرتني هند بقرار والديها، اتصلت فورا على والدها، وتحدثنا لمدة أربعين دقيقة أحاول إقناعه بالعدول عن القرار، لكنني لم أفلح في ذلك.
أحزنني القرار جدا، لأني كنت أراهن على نجاحها مستقبلا."
تمدرس الريفيات في موريتانيا مرهون للعوائق، فإما يتوقف بسبب الزواج، أو العادات المجتمعية، أو الظروف المادية، والتي أصبحت مؤخرا هي السبب الأول في أغلب الحالات، بحسب المدرسين.
رملة بنت مدال، هي الأخرى من بنات القرى الجنوبية، حصلت على شهادة الباكالوريا، لكنها لم تلتحق بالجامعة نتيجة للعادات المجتعية وللظروف المادية، فبعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من الذهاب إلى نواكشوط لاستكمال مرحلة التعليم، خضعت والدتها لضغط المحيط الأسري وقررت إبقائها إلى جانبها.
تقول رملة :
"مع بداية العام الدراسي الجديد بعد نجاحي في الباكالوريا، ذهبت رفقة أقرباء والدتي إلى نواكشوط، للتسجيل في مرحلة التعليم العالي، وبعد أن تكللت عملية تسجيلي بالنجاح في السنة الأولى من شعبة الاقتصاد في جامعة نواكشوط، عدت إلى قريتي من أجل توضيب جميع أغراضي استعددا لهذه التجربة الجديدة، لكن رياح الواقع تجري بما لاتشتهي الآمال، فحين عدت وجدت أسرتي قد غيرت رأيها بخصوص تمدرسي، وقررت إبقائي في المنزل، حتى أتزوج.
أبكاني هذا التحول المفاجئ، وأحزنني كثيرا، لأنني لم أكن مؤهلة نفسيا للبقاء في القرية، فأنا درست سنة الباكلوريا في ثانوية مدينة روصو بقرار من عمي الذي يدرس فيها، وأصبحت مأهولة للعيش والدراسة في المدن."
وتضيف رملة:
"أدركت بعد فترة أن سبب تراجع العائلة عن تمدرسي يعود إلى تحريض من أخوالي، الذين أقنعوها أن نواكشوط مدينة آثمة ومرتبطة بالمجون والفجور، وأن ذهابي إلى هناك، قد يسبب لهم فضيحة تمنعني من الزواج مستقبلا، وهذا ما أحزنني أكثر.
عائلتي تعيش في ظروف مادية صعبة، ومع ذلك كنت مستعدة لذلك التحدي."
منع البنات من مواصلة التعليم، ناتج عن تحكم القيم القروية في المجتمعات النائية، عكس المجتمعات الحضرية حسب تعبير الخبير الاجتماعي باب ولد سيد أحمد.
يقول باب ولد سيد أحمد:
"تمدرس البنات الريفيات خاضع للقيم القروية من ناحية، ومن ناحية أخرى نظرة تلك المجتعات للمرأة، فدورها هناك الأساسي ليس التعليم أو مواصلته، وإنما الزواج وتأسيس الأسرة.
ولذلك يكون تمدرس الفتاة هناك مرحلة آنية فقط، فحين تتم تهيأتها حتى ولو كان قبل سن الرشد، تتزوج وتتفرغ للاعتناء بالأسرة وتربية الأطفال، باختصار هذا هو هدفها في الحياة."
ضعف إمكانيات الدولة، من الأسباب التي ساهمت في منع البنات من مواصلة تمدرسهن، فموريتانيا التي استقلت 1960، لا تتوفر إلا على جامعتين واحدة في نواكشوط، والأخرى في مدينة لعيون، خاصة بالتخصصات الأدبية.
وكانت الحكومة بصدد بناء جامعة جديدة في مدينة تكجكة منذ عدة سنوات، لكنها تراجعت عن ذلك خلال إبريل 2021 مبررة القرار بأن المدينة تعاني من مشكلة ندرة المياه، على أن يتم نقل المشروع إلى مدينة أخرى ملائمة وهو مالم يتحقق حتى الآن.
وأثار القرار وقتها غضبا كبيرا لدى ساكنة تجكجة، حيث نظموا احتجاجات كبيرة طالبوا خلالها بتنفيذ المشروع وحل أزمة العطش، حتى يتسنى لأبناء وبنات المدينة، مواصلة التعليم العالي قرب ذويهم.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا .
حمن يوسف