السِجْن هو المكان الذي يوضع فيه من يراد سلب حريته، عقابا له على جرم أداه. لكن يبقى السجين إنسانا ولكل إنسان حقوقه. ومن ابسط حقوق السجين وضعه في مكان يتولر على مساحة كافية للتحرك والتهوية الجيدة اللازمة للحفاظ على صحته، كما تنص على قوانين حقوق الانسان ويحظر القانون وضع سجينين في زنزانة فردية او غرفة مخصص لشخص واحد، لما تسببه من خطر على الصحة والسلامة العامة.
لكن جاء تصريح وزير العدل الموريتاني محمد محمود بن بيّ معترفا بالاكتظاظ الكبير في السجون مفاجئًا للرأي العام مبررا طلك بأنهم " ورثوا السجون في حالة مبعثرة وضعت إشكالية قانونية تتعلق بنقل السجناء خارج دائرة اتهامهم وبعيدا عن قضاتهم ومحاميهم"
وأضاف ولد بيه خلال مؤتمر صحفي أجراه شهر يوليو الماضي أن السجن الوحيد الموجود في العاصمة نواكشوط يتسع فقط لثلث نزلائه، في الوقت الذي يتسع سجن انبيكة لـ 950 سجين لا يصدر عنها ولا عن تكانت بأكملها سوى 10 منهم في السنة".
وذكر ولد بيه أن عدد السجناء في مدينة نواكشوط يتجاوز ضعف اتساع سجن دار النعيم (السجن المركزي بانواكشوط )مرتين، مشيرا إلى أن الحل الوحيد لمكافحة الاكتظاظ فيه هو نقل أصحاب الأحكام النهائية إلى السجون الخارجة عن العاصمة نواكشوط.
وأكد ولد بيه أنهم يسعون إلى وضع حد لاكتظاظ سجن دار النعيم من خلال بناء سجن آخر في نواكشوط الجنوبية بالقرب من الرياض يتسع لـ1200 موقوف، وقابل للزيادة.
ووفق تقرير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وهي هيئة حكومية الصادر سهر أكتوبر الماضي فقد رصدت اللجنة ما وصفته بالارتفاع الكبير لأعداد نزلاء السجون، فقد ارتفع عددهم من 1800 نزيل سنة 2016 الى 3200 نزيل سنة 2022، متحدثة عن اكتظاظ في سجون النعمة، وكيفه، وسيلبابي، وروصو، ودار النعيم في نواكشوط.كما أشارت اللجنة إلى أن السجون ليست موزعة إلى أي فئات، كما لا يخضع السجناء لأي تصنيف؛ كالفصل بين المتهمين والمدانين، وبين المدانين لأول مرة وأصحاب العود، وبين البالغين والقصر، خاصة في أماكن اعتقال النساء، في حين لا يتم تطبيق تصنيف المعتقلين حسب فئات الجرائم أو حسب الخطورة أو حسب السلوك حيث ان وضع النزلاء في زنازين مشتركة أو مهاجع، لا يبدو أنه يخضع لإعادة نظر مسبقة في الألفة، مؤكدة أن هذا يولد نزاعات كبرى يمكن أن تؤدي إلى تطور العنف بين المحتجزين. ووصفت اللجنة البنى التحتية السجنية بأنها غالبا ما تكون غير مناسبة ولا تأخذ في الحسبان الهدف النهائي للسجن، وهو إعادة الاندماج الاجتماعي للفرد."
يقول المحامي د. أحمد المختار ان إيواء السجناء مشكلة حقيقية، نتيجة لارتفاع أعداد المعتقلين، وقلّة السجون التي أصبحت بعض وحداتها تستوعب ما يفوق طاقتها. كذلك تواجه إدارة السجون تحدياً كبيراً بسبب المشاكل المتعلقة باكتظاظ السجون، وأهمهما تطور صور الانحراف، والخطر على السجناء حيث ان الزنزانة أو الغرفة الفردية لا يجب أن يوضع في الواحدة منها أكثر من سجين. فإذا حدث ذلك لأسباب استثنائية، كالاكتظاظ الحالي، الذي يضطر الإدارة المركزية للسجون إلى الخروج عن هذه القاعدة، يجب تفادي وضع اكثر مسجونين في زنزانة أو غرفة فردية، ويجب ان يعني باختيارهم من حيث قدرتهم على التعاشر في هذه الظروف. ويجب أن يظلوا تحت رقابة مستمرة، موائمة لطبيعة المؤسسة.
كما اكد على انه يجب الحرص على المتطلبات الصحية، و مراعاة الظروف المناخية، وخصوصا من حيث النظافة والمساحة الدنيا المخصصة لكل سجين والتدفئة والتهوية. كما يجب أن تتوفر المنشآت على اماكن للاغتسال بحيث يكون في مقدور كل سجين استخدامها بالقدر الذي تتطلبه الصحة العامة.
كما دعى إلى كسر جدار الصمت فيما يتعلق بالسجون ونوه على الحاجة الى القيام ببرنامج إصلاحي يستهدف موظفي السجون، وتطوير القوانين التي تضبط العمل داخل هذه المؤسسات.
كما تقول الحقوقية والناشطة في المجتمع المدني مريم احمد طالب انه تم رصد أشكال كثيرة من سوء المعاملة داخل السجون منها العزل الانفرادي والتعذيب والمنع من الزيارة العائلية واستمرار الحبس رغم انتهاء مدة محكومية السجناء.كما ان سوء التغذية يسبب معاناة للسجناء، حيث أنهم يعبرون دائماً عن استيائهم من الوجبات المقدمة إليهم، ويطالبون بوجبات نظيفة ومتنوعة أكثر من تلك التي تقدم لهم بشكل دائم والمكونة من الأرز والمعجنات. وتضيف أن وجبات السجن تسبب للسجناء أوجاعاً وآلاماً هضمية، كما أن هناك أشخاصاً توفوا بسبب أمراض الجهاز الهضمي والأمراض التعفنية، لذلك إطعام المساجين من الإشكاليات التي يجب حلها بسرعة.
وشددت على اهمية تغيير وضعية السجناء لان أغلبهم السجناء يعتمدون على أسرهم في توفير كل ما يحتاجون وراء القضبان، من أكل وسجائر وأغطية وحتى شفرات الحلاقة والأدوية، ما يجعل عائلة السجين تعاني هي أيضاً من قسوة السجن وتبعات الاعتقال، ليس فقط في جانبه المادي بل أيضاً في المعاناة من منع الزيارة ومن التعب والإرهاق عند كل إجراء للزيارة.
يقول الباحث السالم سيداتي في هذا الصدد إن السجون في موريتانيا تعاني فعلاً من الاكتظاظ ويعاني السجناء فيها من سوء التغذية والظلم، نظرًا لوجود الكثير من التطرف والانحراف كاستعمال المخدرات والعنف وتفشي الرشوة وقلة الانضباط. وقد أدت هذه المشاكل إلى زيادة معاناة السجناء، مشيراً إلى أن السجين يتمرد وينحرف لاحساسه بان السجن أقل عدالة مما توقعه، وخاصة إذا تعرض للعنف اللفظي أو الجسدي.
واعتبر السالم ان الاختلالات الكبيرة في السجون سببها الرئيسي الاكتظاظ وسوء التسيير وضعف الميزانية المخصصة لها، إضافة للقضايا العالقة في القضاء والتي تؤدي تراكم المساجين الذين لم تنحسم قضاياهم بعد، اضافة الى عدم الإفراج عن السجناء الذين انتهت مدة محكوميتهم، ما تسبب في انتشار ظواهر الفرار الجماعي والتمرد وارتكاب الجرائم خلف القضبان.
ودعا السالم إلى إصلاح السجون وحفظ الكرامة الإنسانية للسجين وبحث جميع السبل الكفيلة بتنظيمها، واحتواء الانحرافات فيها، وشدد على ضرورة تبني إجراءات عقابية وتأديبية صارمة داخل السجون لفرض النظام حتى نحصل على الهدف المرجو وهو إصلاح وتقويم السجناء وليس تخريج مجرمين اخطر مما كانوا عليه.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.