ترافق انعقاد القمة العربية يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، وغياب ملك المغرب محمد السادس عنها، مع إعلان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة عن توجيه ملك المغرب دعوة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من أجل "الحوار" المباشر، فيما تجاهلت الجزائر الدعوة، إذ لم يصدر أي تعليق رسمي منها.
وتضع التطورات في الأيام الماضية مستقبل العلاقات بين الجارين أمام اختبار جديد، في ظل عدم اقتناص الطرفين الفرص لطيّ قريب لأزمة غير مسبوقة في تاريخ البلدين واستعادة العلاقات المقطوعة بينهما منذ أكثر من سنة وفتح الحدود البرية المغلقة منذ عام 1994.
وتعيش العلاقات المغربية الجزائرية، منذ أكثر من عام، على وقع أزمة غير مسبوقة، كان أبرز فصولها إعلان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في 24 أغسطس/آب 2021، قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، جراء "استفزاز المملكة المغربية (للجزائر) الذي بلغ ذروته"، و"تخليها عن الالتزامات الأساسية للعلاقات مع الجزائر".
في المقابل، وصفت الخارجية المغربية قرار السلطات الجزائرية قطع العلاقات الدبلوماسية بـ"أحادي الجانب" و"غير المبرَّر تماماً"، معبّرة عن "رفض المملكة القاطع المبررات الزائفة، بل العبثية التي بُني عليها" القرار.
لا اختراقات في القمة العربية
ولم تتمكن القمة العربية الـ31 المنعقدة يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، من إحداث اختراق في العلاقات بين البلدين، علماً أن ملك المغرب غاب عنها، فيما حضر وزير الخارجية ناصر بوريطة.
وقال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في مقابلة مع إحدى القنوات العربية، إنه "سيبقى للمؤرخين إصدار الحكم إن كانت هناك فرصة ضاعت للمغرب العربي والعمل العربي المشترك وكذلك من يتحمّل مسؤولية ضياعها". وتابع: "لا أتحدث عن أمور لم تتم، لكن كانت هناك فرصة لدفع العمل المغاربي وتنقية الأجواء، ولم يستفد من تلك الفرصة فعلاً (..) لا أقول إنها فرصة مؤكدة، ولكنها كانت قائمة".
لعمامرة: كانت هناك فرصة لدفع العمل المغاربي وتنقية الأجواء، لم يُستفَد مها
والسبب حسب لعمامرة، "أن رئيس الجمهورية (الجزائري عبد المجيد تبون) يستقبل كل رؤساء الدول في المطار وكل رئيس دولة يصل له حديث معه... وكان من المتوقع أن يكون حديث من هذا النوع بالمطار مع ملك المغرب ويتقرر على انفراد آنذاك ما إذا كان يمكن القيام به، وهذا لم يتم وهذا الكلام للتوضيح وليس لأي شيء آخر".
وذكر أن مشاركة الملك محمد السادس كان يمكن أن تكون مماثلة لفرصة مشاركة الملك الراحل الحسن الثاني في القمة العربية في الجزائر عام 1988، والتي جاءت بعد أزمة مستمرة بين البلدين منذ عام 1974، وسمحت بتطبيع العلاقات وفتح الحدود البرية.
في المقابل، اعتبر بوريطة أن "مثل هذه اللقاءات لا تُرتجل في قاعات الاستقبال بالمطارات". وأضاف: "لقد أعطى جلالة الملك تعليماته بأن توجّه دعوة مفتوحة للرئيس تبون، بما أنه لم يتسن إجراء هذا الحوار في الجزائر".
ولم تُصدر الرئاسة الجزائرية موقفاً أو رد فعل سياسياً على الدعوة المغربية لتبون. لكن وكالة الأنباء الجزائرية نشرت تقريراً مساء أمس الجمعة أشارت فيه إلى رفض الجزائر للدعوة التي وجهتها الرباط إلى تبون لزيارة المغرب. وبحسب التقرير فإن "وزير الخارجية المغربي لم يجد شيئاً أفضل من ابتكار دعوة مزعومة إلى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لزيارة للمغرب". كما ذكر التقرير أنه "بالفعل تم تأكيد مشاركة العاهل المغربي في إخطار قمة الجزائر العربية بمذكرة شفوية موجهة إلى وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية وأكدته قنوات الجامعة الدول العربية، وقدم الجانب المغربي طلبات لتحليق وهبوط 10 طائرات تقل الملك محمد السادس، وولي العهد والوفد المرافق له من أجل حضور القمة العربية، وفقاً لمذكرة شفهية".
وقال عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري عز الدين زحوف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمكن أن يُطلَب من الجزائر التعاطي أو التعليق حتى على دعوة تُطلق في وسائل الإعلام، ومن الغريب جداً توجيه دعوة إلى رئيس دولة عبر وسائل الإعلام"، مضيفاً "في العرف الدبلوماسي ليس وزير الخارجية من يدعو رئيس دولة إلى زيارة، وبالتالي الأمر لا يستحق التعليق حتى".
وأشار إلى أن وصف لعمامرة غياب الملك عن القمة بأنها فرصة ضاعت، "لأنه كان من شأن وجود الملك في القمة العربية، باعتباره مؤتمراً متعدد الأطراف، وليس لقاء ثنائياً أو مؤتمراً بادرت به الجزائر، أن يرفع الحرج بين البلدين عمن يكون البادئ بالخطوة الأولى لزيارة الآخر، وثانياً لأن اللقاء بين الرئيس تبون والملك كان يمكن أن يسهم في بحث ما يمكن فعله بشأن الخلافات والعلاقات".
عمرون: من الصعب توفر فرصة في القريب العاجل لتحسين العلاقات الجزائرية المغربية
من جهته، أعرب عضو مجلس الأمة الجزائري محمد عمرون، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن أسفه لأن "غياب الملك وضع حجراً زائداً فوق الأحجار التي كانت تفرق بين الجزائر والمغرب، وأضاف عقبة جديدة في حقل العلاقات الجزائرية المغربية". وتوقع ألا يكون للدعوة المغربية "أي صدى على مستوى السلطات الجزائرية، التي أكدت أن القمة كانت فرصة لم يتم استغلالها جيداً وبالشكل المطلوب"، مضيفاً "لذلك من الصعب توفر فرصة في القريب العاجل لتحسين العلاقات الجزائرية المغربية".
فرصة جديدة للحوار؟
في المقابل، رأى رئيس "مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية"، المحلل السياسي المغربي محمد بودن، أن دعوة تبون إلى حوار مباشر تكشف عن اقتناع العاهل المغربي بأن لقاءه مع الرئيس الجزائري يمكن أن يسمح باتخاذ قرارات استراتيجية. ولفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن هناك سعياً للحفاظ على الاتصال بواسطة القنوات المتاحة، على الرغم من الطابع المغلق للعلاقات، وأن العاهل المغربي يدير الخلاف مع الجزائر بشكل صحيح ويهدف الى زرع الأمل في العلاقات بين البلدين.
وبرأي بودن، فإن الدعوة منسجمة مع سياسة "اليد الممدودة" التي تم التعبير عنها على أعلى مستوى في أكثر من مناسبة وفي خطب ملكية عديدة. وتابع أن الدعوة تأتي "في ظروف شهدت عدم توفير الدولة المضيفة للقمة العربية الشروط اللازمة لمشاركة العاهل المغربي، وعلى الرغم من ذلك عبّرت القيادة المغربية عن استعدادها لتوفير الشروط اللازمة لزيارة رسمية يقوم بها الرئيس الجزائري لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين وتوجيهها نحو خدمة مصلحة البلدين والشعبين وليس مطية للمشاعر السلبية وللتعاون الصفري".
ولفت إلى أن الدعوة تركّز على الجوانب الإيجابية والقواسم المشتركة في العلاقات من أخوة ومصاهرة، كما أنها "خطوة بنّاءة على الرغم من التوتر المستمر بين البلدين والعلاقات التي لطالما اتسمت بالشكوك وعدم اليقين". وأضاف: "أتصور أن دعوة الملك للرئيس الجزائري لزيارة المغرب بقصد الحوار تعني أنه ليست هناك فرص ضائعة في العلاقات بين البلدين، وأنه يمكن استدراك ما فات، وأن العاهل المغربي يمنح فرصة أخرى للعلاقات، ويكرس استمرارية المبادرات المغربية تجاه الجزائر على الرغم من التعثرات". وتابع: "المغرب واثق في اختياراته وفي سياسة اليد الممدودة".
من جهته، رأى أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة محمد الأول في وجدة (شرق المغرب) خالد شيات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الدعوة الملكية فرصة للحديث عن الخلافات بين البلدين، ولم لا لتشكيل لجان خاصة بكل القضايا التي تهم تلك الخلافات، ما سيفتح باباً من الأبواب التي تمكن من طيّها؟
وأضاف: "إذا كانت الجزائر راغبة حقاً في إيجاد حلول للخلافات، فإن تلك الحلول متوفرة، والمغرب يمد يده لها مرة أخرى، وعليها أن تبرهن عن رغبتها في لمّ الشمل لا أن تبقى تلك الرغبة مجرد ادعاء مرحلي".
الأندلوسي: الاستجابة الجزائرية للدعوة الملكية، وفق المعطيات الراهنة، تبقى جد مستبعدة
أما رئيس "المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية"، نبيل الأندلوسي، فرأى أن الحوار والرغبة في بناء علاقات طبيعية مع الجزائر هو "توجّه رسمي ما فتئ العاهل المغربي يؤكده في كل مناسبة تحقيقاً لسياسة اليد الممدودة، مقابل استمرار سياسة الأبواب الموصدة التي يتبناها النظام الجزائري". إلا أنه استبعد حصول استجابة جزائرية للدعوة المغربية للحوار المباشر. وقال لـ"العربي الجديد": "الاستجابة الجزائرية للدعوة الملكية، وفق المعطيات الراهنة، تبقى جد مستبعدة، لاعتبارات سياسية مرتبطة بطبيعة النظام الجزائري الذي تهيمن عليه المؤسسة العسكرية، المرتبطة بتاريخ متوتر في علاقتها مع النظام السياسي المغربي، لاعتبارات تاريخية وايديولوجية بالدرجة الأولى".
وبرأي الأندلوسي، فإن "الحوار هو المدخل الحقيقي لتجاوز الأزمة التي تتخبّط فيها العلاقات المغربية الجزائرية، وهي المدخل لحل مشكل الصحراء الذي عمّر لعقود وحرم المنطقة المغاربية من سنوات من التنمية والإنجاز".
مع العلم أن ملك المغرب اختار في 30 يوليو/تموز الماضي، أي يوم احتفال بلاده بعيد جلوسه على عرش المملكة، بعث رسائل ود ودعوة لطيّ ماضي الخلافات ورأب الصدع، مبدياً تطلعه لـ"العمل مع الرئاسة الجزائرية، ولأن يضع المغرب والجزائر يداً في يد، لإقامة علاقات طبيعية، بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية، والمصير المشترك".
وفي 30 يوليو 2021، كان لافتاً أن جزءاً كبيراً من خطاب العرش توقف طويلاً عند الوضع غير الطبيعي للعلاقات بين البلدين، معتبراً أن "المغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان، والوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول. فقناعتي أن الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، وشعبين شقيقين".
كما سبق للملك المغربي أن اقترح، في خطاب الذكرى الثالثة والأربعين للمسيرة الخضراء في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تشكيل "آلية سياسية مشتركة للحوار" من أجل "تجاوز الخلافات" القائمة بين الجارين، داعياً إلى فتح الحدود البرية المغلقة منذ العام 1994. لكن الاقتراح المغربي وما تلاه من دعوات لطيّ صفحة الخلافات، لم تلقَ استجابة من السلطات الجزائرية، بدعوى أن المغرب يحاول كسب نقاط لصالحه في أزمته مع الجزائر والظهور كمبادر إيجابي، وعدم استجابته للشروط الجزائرية وتقديم اعتذار.
رأي اليوم